Print
هشام أصلان

شهدي ونجيب سرور: الألم كميراث عائلي!

10 يونيو 2019
آراء
"يابني بحق التراب وبحق حق النيل
لو جعت زيي ولو شنقوك ما تلعن مصر".

هل قرأ نجيب سرور الطالع وكتب هذه الفقرة من أشهر قصائده: "... أميّات"؟
ما وضعته السنوات فوق رأس شهدي نجيب سرور، الذي خاطبه أبوه بالاسم، يخرج الأبيات من سياقها الشعري، ويحيلها إلى وصية مباشرة من أب لابنه.
وشهدي نجيب سرور، فضلاً عن كونه ابن الشاعر والمسرحي المصري الكبير نجيب سرور، هو من أطلق عليه "أول سجين رأي إنترنت في العالم العربي". والمعلومة عرفتها عبر تدوينة لزميلته القديمة أميرة هويدي، ضمن تدوينات كثيرة انشغلت بوضعه الصحي خلال الأيام القليلة الماضية. وهي التدوينة التي أوضحت طبيعة ما كان يقوم به في مصر قبل خروجه منها هرباً من السجن، حيث كان، إضافة لبعض التجارب في الشعر والترجمة والتمثيل، يُعدّ أحد رواد تطوير المواقع الإلكترونية في روسيا، قبل أن يعود إلى مصر ويؤسس موقع جريدة "الأهرام ويكلي" عام 1998، وكان وقتها من أهم المواقع الصحافية في مصر والعالم العربي: "علّم عدداً كبيراً من الزملاء أبجديات العمل الرقمي، واستخدم قدراته الفذة لإنشاء الموقع بإمكانيات محدودة، وأحدث نقلة شعرنا بها بعد أحداث 11 سبتمبر. وقتها كان العالم الخارجي عايز يعرف أكتر عن العالم العربي".
كان هذا قبل أن يقرر شهدي الإفراج "إلكترونياً" عن أشهر قصائد والده نجيب سرور، القصيدة الجميلة فادحة الوجع والصدامية المعروفة باسم "الأُميّات" بلغتها الإباحية التي لم تأخذ في اعتبارها حياء واقع امتلأ بقبح وهزيمة سياسية جاءت على أحلام نجيب سرور وجيله، جيل الستينيات، فأخذت في طريقها، بألفاظ جارحة، رموز النظام الناصري، ووجدت تلقياً كبيراً امتد

حتى اللحظة الراهنة، واُعتبرت نقدياً من علامات الشعر الهجائي العربي.
كانت القصيدة تُتداول قراءة وسماعاً على شرائط الكاسيت. كل ما هنالك أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن قد اُخترعت بعد. أطلقها شهدي على الإنترنت في سياق رؤية العاملين عموماً في هذا الحقل لمستقبل التواصل الإلكتروني، الذي لم تمر سنوات قليلة حتى رأينا أنه صار عالماً واقعياً موازياً، ليفاجأ، في العام 2002، بالقبض عليه والتحقيق معه بتهمة "بث مواد منافية للآداب" على شبكة الإنترنت، قبل أن يُخلى سبيله ويغادر ويعود إلى روسيا، ليصدر ضده حكم غيابي يقضي بحبسه، ما فتح باب الأسئلة، وقتها، عن مستقبل التعامل مع الفضاء الإلكتروني في العالم العربي. وبعد صدور الحكم قرر شهدي عدم العودة إلى مصر، وعاش منذ حينها بين روسيا والهند.
هذه الحكاية استعادها المهتمون على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام، بعدما أطلقت أسرة نجيب سرور نداء استغاثة، يأمل في أن تهتم الدولة المصرية بحالة شهدي نجيب سرور وإعادته إلى مصر للعلاج بعد إصابته بسرطان الرئة ووصوله للمرحلة الثالثة، أو إيجاد صيغة لاستكمال علاجه في المستشفى الهندي الذي يقيم فيه بتكلفة تفوق إمكانية استمرار العلاج.

نداء إغاثة
"ساعدنا لإنقاذ حياة شهدي نجيب سرور.. عائلة نجيب سرور تطلب مساعدتك. إلى مصر والمصريين وأصدقائنا حول العالم وأقربائنا في مصر. كل الذين عرفونا وكل الذين أحبوا نجيب سرور. أنا على وشك فقدان أخي الذي يقاتل من أجل الحياة. يقاتل ضد سرطان من النوع الشرس. أؤمن بإرادة الحياة لديه وأؤمن بإمكانية النصر في هذه المعركة، ولكن هذا غير ممكن بدون مساعدتكم. مطلوب مساعدة كل واحد منكم بشكل عاجل. نحن في مستشفى في الهند وكل يوم نقاتل من أجل رؤية يوم جديد. للأسف هذا فوق طاقتنا وفوق ما يمكننا التعامل معه. لم نحتج أبداً لمساعدة في حياتنا مثلما نحتاجها الآن".
بالأمس، استجابت وزيرة الثقافة المصرية، الفنانة إيناس عبد الدايم، للنداء، وتواصلت مع الكاتبة الصحافية أمل سرور ابنة شقيق نجيب سرور، للاطلاع على ما وصلت إليه حالة شهدي، وأبدت، وفق ما نقلته صحيفة "الوطن" عن أمل، استعدادها لتقديم المساعدة. قالت أمل، وفق صحيفة "الوطن": "وزيرة الثقافة مشكورة، طلبت رقمي، وتواصلت معي للاطمئنان على

شهدي، وقالت إن نجيب سرور أستاذنا الذي تعلمنا منه كلنا، وابنه على راسنا من فوق، ولن نقصر معه. وعبرت عن رغبتها فى إيجاد طريقة لعلاج شهدي سواء بإعادته لتلقي العلاج إلى مصر أو بإكمال علاجه في الهند حسب ما تسمح به الحالة الصحية".
وكأن الحزن ميراث عائلي لهذه الأسرة، فقد أعادت تلك الحالة الحزينة إلى الأذهان ما مر بنجيب سرور نفسه من مصير حزين وبائس، ذلك أن الهزيمة وانكسار الأحلام، ثم ما مارسه نظام الحكم من قمع للرأي وتعذيب في السجون، هي أمور تفاوت أثرها السيء على المثقفين المصريين في ذلك الوقت. وكان نجيب سرور ممن حطت عليهم ماكينة الظلم حتى آخر نفس. لم يقف اضطهاده عند فصله من عمله ووضعه في ظروف مالية قاسية تضاعف أثرها مع المرض، بل وصل الاضطهاد والتضييق إلى حد تلفيق التهم ثم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية حتى رحيله في عام 1987.
هذا الميراث العائلي الحزين، تذكره كثيرون ممن اهتموا بحالة شهدي على مواقع التواصل. مع ذلك، بدا الأمل لافتاً في سطور رسالة كتبها وترجمتها على العربية الكاتبة والصحافية المصرية منى أنيس: "إنها معركتي من أجل الحياة، صدري يختنق من الزحام داخله ولكن حدود قلبي أبعد كثيراً من القفص الصدري، فالحب الصافي يفيض من القلب إلى كل ما حوله. فيا للعجب ويا لجمال الناس عندما يستيقظ داخلهم الحد الأدنى من الإيثار ويتبعون العقل. من وحي ما جاءني اليوم وأنا راقد في غرفة الإنعاش: عالم أفضل سيجيء حتما، عقلي يحدثني بذلك، ولهذا فأنا سعيد للغاية أيها الأصدقاء، يا رفاق روحي".