Print
محمد جميل خضر

الغائب الحاضر في "مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان"

9 ديسمبر 2019
آراء
كمن يتوجس الحركة في حقل ألغام، يتجنب "مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان" المتواصلة دورته العاشرة في العاصمة الأردنية عمّان حتى نهاية الأسبوع الحالي، الخوض، عادة، في أوضح عنوانيْن للمساس بحقوق الناس في بلادنا العربية: الأنظمة الظالمة الجائرة والاحتلال الإسرائيلي.

حتى عندما يحين دور فيلم فلسطينيّ ليدلي بدلوه من بين 100 فيلم مشارك، على سبيل المثال، في دورة هذا العام (ما بين طويل وقصير ووثائقيٍّ وروائيٍّ وتحريكيّ)، فإن غبشاً ما يجعل مشهدية الفيلم ضبابية: هل مشكلة أهل غزة البطالة مثلاً؟ هل التنظيمات المسلحة الملثمة؟ هل مشكلتها الإنجاب الغزير وصولاً لتمرير فيلم "غزة" (واحد من أفلام المهرجان) معاينة كوميدية (ناقدة على ما يبدو) لربّ أسرة عنده من الأولاد والبنات زهاء 40 من ثلاث زوجات! هل هذه أعتى مشاكل غزة؟ هل مشكلتها في ارتداء أو عدم ارتداء صباياها الحجاب؟
بسؤالي لمديرة المهرجان المخرجة سوسن دروزة عن دور المهرجان بفضح ما تمارسه أنظمة الطغيان من مساس بكرامة الإنسان، طلبت مني أن نتجاوز عن هذا الموضوع. ثم عدت وسألتها السؤال نفسه درءاً لأي سوء فهم قد يكون حدث حول فحوى سؤالي، فعادت وأكدت أنها لا تريد أن تتحدث في موضوع الطغاة وأنظمة الطغاة!

ولأني أكدت لها من باب المهنية الصحافية أني لن أكتب على لسانها أي كلام حول التطرق للعلاقة السبيية المباشرة بين المساس بكرامة الإنسان والتطاول على حقوق الإنسان، وبين أنظمة الطغيان، فها أنا أفعل وأكتب أنها لم تتحدث عن هذا الربط الحتميّ، بل على العكس، طلبت مني أن لا أتطرق إليه، وقالت لي بالحرف الواحد (سيبك من هذا الموضوع) مغيّبة بموقفها هذا أكثر ما ينبغي أن يكون حاضراً.
الحديث هنا ليس عن 100 فيلم، فالأفلام متنوعة ومتباينة وآتية من مظان مختلفة وبلدان لا يشبه بعضها بعضاً، وفيها القصير والطويل والوثائقي والتحريكي والأوروبي والآسيوي والأفريقي والأميركي والعربي والأجنبي والشرقي والغربي والشمالي والجنوبي، الحديث عن سياسة إدارة المهرجان ورؤية هذه الإدارة التي جعلتها تتبنى منذ العام 2010 مهرجاناً دولياً مدعوماً من زهاء 36 جهة رسمية وأهلية محلية وعربية ودولية، محملة إياه عنواناً مدوياً: "مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان" ثم تؤثر بعد ذلك السلامة غير راغبة بوضع اليد على أكثر ما يمس كرامة الإنسان في العالم العربي ويغتصب حقوقه ويسرق أرضه ويقتل آماله ويخنق حريته: الاحتلال والطغاة!
خلال دوراته الماضية، مرّت أفلام المهرجان التي بلغت حوالي 481 فيلماً، مروراً بصرياً درامياً شفيفاً جمالياً مؤثراً على قضايا جوهرية متعلقة بحقوق الإنسان: المرأة (الجندر)، الأقليات، الفقر، البطالة، التمييز العنصري، التعصب، الكراهية، التوحد، ولم تنس حتى إلقاء ضوء إنساني مفعم الدلالات على ذوي الإعاقة.
وفي الدورة الحالية التي من ضمن فعالياتها عرض أفلامها في عشر مدن أردنية، فإن طرح السؤال حول عدم وضوح العناوين الجوهرية: عدو صديق، ظالم مظلوم، محتل وآخر يقع تحت هذا الاحتلال، عدل جور، عدالة اجتماعية وفساد أنظمة سياسية، وما إلى ذلك، يمسي ضرورة قصوى لا مندوحة عنها، ويضع فكرة المهرجان من أساسها أمام حمل ثقيل في مواجهة هذه الأسئلة الأخلاقية الملحّة.

فهل نحن أمام (دادائية) من نوع جديد؟ كما هو حال اسم الجهة التي تنظم المهرجان (معمل 612). وعند سؤالي قبل أعوام عن سبب الاسم فإذا بهذا السبب هو أن أول ثلاثة أرقام في الهاتف الأرضي لهذه الجهة هو (612)!
عشرة على عشرة، إذ أن إدارة المهرجان وفي سياق احتفائها بالرقم عشرة رقم الدورة الحالية، تنظم جولة عروض لأفلام المهرجان في عشر مدن، حتى أن أيام الدورة ستصل إلى عشرة كما أبلغني المخرج إيهاب الخطيب أحد القائمين على المهرجان، ثمانية أيام حالياً يضاف إليها يومان بعد انتهائه بأيام قليلة، وعدد الأفلام المشاركة هذه الدورة هي حاصل ضرب عشرة بعشرة.
في مقابلة أجراها معها الزميل محمد هديب لصالح جريدة "العربي الجديد"، تقول مديرة المهرجان سوسن دروزة إن الثيم الرئيسي لدورة هذا العام هو الاحتفاء بالمشاركين خصوصاً الشباب منهم، تقول: "سنسعى لفحص التحولات التي مرّ بها جيل الشباب الذي قد يكون بدأ مع كرامة وهو في العشرين وقد أصبح الآن في الثلاثين". دروزة وصفت دورة هذا العام أنها ستكون "صعبة جداً" مشيرة إلى ما مر به العالم العربي منذ انطلاق المهرجان وحتى يومنا. كما ذكرت أن الورش التي ستقام على هامش الدورة ستعمل على بحث مفهوم الفيلم الوثائقي وكذا الفيلم الروائي وسبر ماهياتهما.
الأفلام التي لم تكتمل (لأسباب سياسية؛ لرحيل أصحابها، أو لاعتقالهم أو لفقدان أثرهم) ستكون مدار بحث كما تؤكد دروزة، غير مستبعدة احتمال عرض جزء منها كنوع من التكريم والاستذكار لأصحابها.

من الندوات المهمة في دورة هذا العام واحدة، ودائماً بحسب دروزة، حول الملكية الفكرية، إضافة إلى جمع أكبر عدد من أصدقاء كرامة وتبادل المشورة معهم، وكذلك التواصل مع فرق موسيقية شاركت في دورات سابقة لإنجاز توليفة موسيقية ممكنة بينها.
إدارة المهرجان توزع ضمن فعاليات معرض "ضمير الفن" الأرشيفي كتاباً حول المخرج الراحل محمد خان حرره أحمد رشوان يحمل عنوان "محمد خان.. معانقة الحياة".
تدور أيام المهرجان، وتدور معها بكرة أفلام من سورية ولبنان وفلسطين والأردن وتونس واليمن (نافذة واسعة على أفلام يمنية قصيرة) ومصر وإسبانيا والدنمارك وموريتانيا وإيطاليا وإيران (لها حصة دسمة من الأفلام) وبريطانيا وكولومبيا والعراق وكوبا والمغرب وفرنسا والسودان والتشيك وليبيا والسويد وسويسرا وهولندا وأوكرانيا والصين وألمانيا والأرجنتين وإيرلندا وبولندا واليابان والمكسيك وقطر وأميركا والإمارات. دوران لا يمنع من طرح الأسئلة، بل ربما يدفعها قدماً، فما قيمة الفن إن لم يطرح أسئلة؟ وما قيمة الصحافة إن لم تدق بقوة على جدران الخزان الموغل في عتمة المجهول وطلاسم الأحاجي؟