Print
ليندا نصار

الطريق إلى لبنان واحد... نحو صوت الإنسان

22 أكتوبر 2019
آراء
الطريق إلى الوطن هو طريق الحب والحلم والأمل والحياة، إنه لبنان وطني صوت الإنسان في تعدديته، لبنان الذي منحنا روحه لنقيم في شرايينه، ونستقي الحبّ من قلبه، ونشعل معه شعلة أمل ونور لا ينطفئان أبداً مهما أطاحت بنا الأمكنة والمحطات والساعات، لبنان الذي نجح في تفتيت طائفية مقيتة جرحت ماء كثيراً أسفل النهر، وهشمت جماجمنا وتركت عيوننا ظمأى بالمستحيل، لبنان الذي نجح في تخطّي سنوات الحرب، وأرزته لم تحن رأسها يوماً، هو الوطن الذي لا يستحيل معه أي شيء سوى الحرية أولاً وآخراً، علمنا وسيعلمنا معنى أن نكون معه ومن أجله قلباً واحداً لنستعيد شرارة الأغنيات الحاملة أسماء شهدائنا التي لا تمحى أبداً من ذاكرة الوقت في امتداداته نحو الآتي، هو الآتي من شجرة لا تنضب بعروقها خضرة المعنى في شتلاتها. نغني مع مرسيل خليفة: إني اخترُتك يا وطني حُبّاً وطواعية/ إني اخترتك يا وطني/ سِراً وعلانية. نغني لما تبقى فينا من رغبات وأحلام أجلناها طويلاً، ولكنها تفتحت علانية نشيداً آخر لحرية لا تكتمل إلا بهذا الصوت الواحد المتعدد، أنا الآتية من أعماق تاريخ يشهد على ولعي بدوائر المستحيل، ولأنني أعرف أن هذا المستحيل هو لبنان، ويستحيل على الذين يسعون إلى جعله مجرد خارطة في كتاب الجغرافيا، أو أن يكون مجرّد ساحة يتراشقون فيها بالدماء بهدف تحقيق المصالح الشخصيّة الأنانيّة، هو وطن لنا جميعا مهما تعددت فينا الرؤى والتمثلات والهويات القاتلة. لهذا فمهما تقادمت الحصون سيزداد وطننا صلابة وقوّة في مقاومة هذا النزيف الذي يتهددنا من تجار الأصوات الممزقة بالألوان غير الطرية، بالألوان
التي فقدت بريقها أمام كسرة خبز صارت تستحيل على الذين يحبونه بجروح الكرمة في فصول الربيع.
يا بيروت كوني برداً وسلاماً على هؤلاء الحالمين، وكوني، كما كنت وستبقين، عاصمة للفرح الأبدي الذي تستكين معه قلوبنا جميعاً، كوني جناحاً يحتمي تحته كلّ شخص ناضل من أجل وطنه، كوني صوت الإنسان الذي لم يحلم إلّا بأدنى حقوقه اليوم وحملها معه اليوم لينير الشعلة في ساحة الشهداء.
ها نحن أمام ترابك الصّارخ للحرية، نعم إنها الحرية التي لن يستطيع إخراسها أي صوت من الأصوات التي ترنحت في شرفة المواعيد المتأخرة، وحتى القطار الذي مر سريعاً من أمامنا لم يعد يفكر في سكة النجاة، إنها أغنية الطفولة، وطفولة الورد في شوارعك يا بيروت اليوم، وغداً تمنحك عطرها من الشوك. لن نتألم أكثر مما يؤلمك في السر، ولن نموت إلا وأنت حية بين تضاريس القلوب العاشقة والمعشوقة فيك. لهذا نكتب لك، ونتابع الرسم والتعبير مع جبران الذي رسم صورة مثاليّة للبنان الوطن: "لكم لبنانكم ولي لبناني"، وسعيد عقل الذي رفعه بكلمات قصائده: "لي صخرة علقت بالنجم أسكنها/ طارت بها الكتب قالت تلك لبنان"، وغيرهم ممّن مرّوا على قلبه، ونعزف ونغنّي له مع فيروز والأخوين الرحباني: "بحبك يا لبنان يا وطني بحبك... بفقرك بحبك وبعزك بحبك". وننشد مع وديع الصافي: "لبنان يا قطعة سما عالارض تاني ما إلها/ لوحات الله راسمها/ شطحات أحلى من الحلى"، نعم، سننشد مع كلّ موسيقي صدح لحنه مستمدّاً تناسقه من عيون بيروت، ونحبها أكثر لتنمو بنا شجرة الأرز المباركة.. ها نحن نخرج لنقول لك علانية ونحن نقف متّحدين يداً واحدة عند كل نقطة من نقاط الخارطة: كم الساعة في تلك الساحات الآن؟ الساحات التي تمجد نبضك العالي بالحب والحياة والكرامة.