Print
شوقي عبد الأمير

مقتطفات من "عناق المُسند"

14 أغسطس 2019
شعر
يعود الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، في ديوانه الشعري "عناق المُسند" الصادر حديثاً عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة، إلى اليمن التي جاءها يوماً وأقام فيها فترة من الزمن. يتضمن الديوان، الذي أطلق عليه عبد الأمير في عنوان فرعي يتبع العنوان الرئيس "سِفرُ اليمن"، قصائد كتبت بين الأعوام 1980 و1996 وهي الفترة التي استقرّ فيها في اليمن، عدن تحديداً، قبل أن ينتقل إلى فرنسا، حيث عمل في باريس ملحقاً ثقافياً بسفارة ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك.
هنا مقتطفات من الديوان:

رأيتُ جبالاً تُقتسمُ كالخبز.

رأيتُ يمنيين يقضمون الحقول
من أجل قبضة أطياف.

رأيتُ إلاهةً يمنيةً تمسك بأردان القرى
التي يُعرّيها التيار.

رأيتُ جبلاً من الضباب
يتنازلُ لعينيّ طفل.

رأيتْ كرْماً بعناقيد
من حَلمات إلاهات الإغريق.

رأيتُ الرياح الجبلية القديمة
في تجاعيد النظرات.

رأيتُ الهُدهدَ يُعشعِشُ في أنقاض حِكمةٍ.

رأيتُ مغارة الأشياء في الجبلِ الأعضبِ.

رأيتُ خراطيمَ فِيلةٍ تركها أبرهةُ في باب اليمن.

ورأيتُ عيون غربيين
تجرُّ وراءها عربات الذِكر الكولونيالية.

(المقطع الأول من: رأيتُ جبالاً تُقتسمُ كالخبز، إلى عبد العزيز المقالح، صنعاء 1992)

 

***

اسمه عبد الله بن غريب
صعد يوماً إلى قمة جبلٍ في
حضرموت
ولم يهبط

 

وضع جبلاً فوق جبل
ليردم ثقباً في السماء.

(من: حضرموت، إلى برنار نويل، سيئون- وادي حضرموت 1989)

 

**

بين الصدأ والبحر
بين الجبلِ والروحِ
عدن.

في المعبدِ البوذيّ
الزوّار قطنٌ
يلوذُ في مأمنٍ من رياح
البحر

شهيقٌ قديم في جدار
صلاةٌ مشققة في مزهريةِ

الخشب
قطعُ السيراميك تتنازعُ
صمت ولا اكتراث الآلهة
لكن الرب الهندوسي أخفى
جثتهُ
خلف الأشياءِ

وفي الخارجِ
أفراحٌ من خزف
غيماتٌ من قشٍ
عدن.

(نص: "عدن المعسكر"، إلى رامبو بعد مئة عام 1988 وإلى جعفر حسن 1991)

 

**

بعد سنوات عدت بصحبة غيّوفك وأدونيس وسعدي يوسف نبحث عنك بين تماثيل الأصداء التي يمتلئ بها الليل في التّواهي. كان غيّوفك يريد أن يصافح جداراً أو خشباً في مشربيّةٍ التقت بك يوماً هنا. وكان سعدي يوسف يصرخ "كيف لا يحمل جدارُ بيتِك اليوم إلا مخالب الشمس؟"، في حين يهمسُ أدونيس "عاش رامبو في عدن وكان يقرأ القرآن؛ أجل أخبرني النفري". لا عدن المعسكر، ولا فندق العالم ولا بيتُ باردي تقترحُ شيئاً لحيرتِنا. إلا عيونُ الجبال المرمّدةِ التي ترى كل شيء ولا تقول شيئاً. عدن "الصخرة البشعة" صهاريجٌ للنسيان في جبل الليل. صباحاتٌ شاحبة تمسح الغبار عن أزهار الدفلى التي انتشرت فيها بعد رحيلِك كالبثور. سرطاناتُ البحر، القراصنة والبنادق الخشبية ما زالت تصلُ فوق "المركب السكران" إلى ميناء التّواهي... في عدن التي أردت أن تعود إليها وأنت على سريرِ الموت في مرسيليا "متى سأنقل على ظهرِ السفينة يا إيزابيل؟" إلا أنك أبحرت قبل السفينة على مركب الطوفان فكنت طائرَ جلجامش. مائة عام انقضت وها هو بيتك بسلالمه الطويلة. مخازنُ البضائع في الطابق الأرضي. المنارةُ القديمة، صخرةُ الشمس، الشاعر الذي كنته في فرنسا يعود إلى الالتقاء بالقصيدة التي كنتها في عدن هنا في كريتر، تحت عباءة "الشرق كله" وفي حجرات ظلّك المتخثر. أعرفُ أن هذا يزعجك فقد هجرت البيوت إلى الموانئ، عبرت من الخطى إلى الرياح وهربت من النار إلى النور. لكننا اليوم نقفُ إلى جدار بيتك القديم ليكون بيتاً لنا.. ولكن كم كنت أعرف أنك تكره البيوت.

(من: الرسالة).