Print
عمران عز الدين

مِهَنٌ مستقبليّة

27 أبريل 2019
قص
طلابي الأعزاء في الصف الأوّل الابتدائيّ، أخيراً انتهت الحرْب، وبدأت مسيرة الإعمار، إعمار وطنّنا الحبيب، فقط علينا أنْ نتكاثفَ، وأنْ نتعاونَ، أؤكد لكم أنَّ الحياةَ ستعود إلى سابق عهدها، بل أنَّها قد عادت، وها نحنُ الآنَ في اليوم الأوّل من الدوام المدرسيّ، وأحبّ أنْ أسألكم جميعاً أنْ ما هي أمانيكم المستقبليّة؟
وبصوتٍ واحدٍ:
ـ لم نفهم يا أستاذ، ماذا تقصد بـ "أمانيكم المستقبليّة"؟
ـ يعني ماذا تحبّون أنْ تكونوا في المستقبل؟ هذا ما أقصده يا أبنائيّ. ثمّ أشار بيده إلى طالبٍ في المقعد الأوّل، وسأله:
ـ أنت.. ما اسمك يا طالب؟
ـ قتيبة.
ـ وماذا تحبّ أنْ تكونَ في المستقبل يا قتيبة؟
ـ ناشطاً حقوقيّاً.
وأشار الأستاذ بيده إلى طالبٍ آخرَ، فقال:
ـ أنا اسمي مصعب، وأحبّ أنْ أكونَ في المستقبل مُحلّلاً سياسيّاً.
ثمّ أشار إلى آخرَ، فقال:
ـ أنا اسمي جعفر، وأحبّ أنْ أكونَ تاجراً للسلاح.
... وهكذا:
ـ أنا اسمي غياث، وأحبّ أنْ أعملَ في إحدى المنظمات الإغاثيّة.
ـ أنا اسمي أدريس، وأحبّ أنْ أكونَ مندساً بين المتظاهرين.
ـ أنا اسمي حسام، وأحبّ أنْ أكونَ قناصاً.
ـ أنا اسمي جميل، وأحبّ أنْ أكونَ لاجئاً.
ـ أنا اسمي آزاد، وأحبّ أنْ أكونَ مجنداً في صفوف البيشمركه.
ـ أنا اسمي عبد المولى، وأحبّ أنْ أكونَ مواليّاً.
ـ أنا اسمي شرار، وأحبّ أنْ أكونَ شبيحاً.
ـ أنا اسمي شعبان، وأحبّ أنْ أكونَ كاتباً للشعارات.
ـ أنا اسمي علي، وأحبّ أنْ أكونَ حارساً على أحد الحواجز العسكريّة.
ـ أنا اسمي هاتف، وأحبّ أنْ أكونَ هَتِيّفَاً في المظاهرات المعارضة والمؤيدة.
ـ أنا اسمي عمر، وأحبّ أنْ أعملَ في منظمةٍ لتوثيق الانتهاكات.
ـ أنا اسمي مختلف، وأحبّ أنْ أكونَ مُعارضاً.
ـ أنا اسمي دمار، وأحبّ أنْ أكونَ رئيساً.
ـ لم أسمع.. هل قلت دمار أم عمار؟
ـ دمار يا (أوستاز) دمااار.
عرّف جميع الطلاب عن أسمائهم، وما يريدون أنْ يكونوا عليه من مِهَنٍ في المستقبل باستثناء طالبٍ مربوعٍ شاردٍ في المقعد الأخير، فتقدم الأستاذ نحوه، وسأله:
ـ وأنت يا بني، لم تقل لنا ما اسمك، وماذا تريد أنْ تكونَ في المستقبل؟
أزاح الطالب خصلات شَعره الكثيف الفاحم عن عينيه، صَوَّبَ إلى الأستاذ نظرةً شزراء، وصاح منتفخاً مثل ديكٍ حبشيٍّ:
ـ بسم الله العظيم، وبه نستعين: أنا اسمي أبو مُجاهد الحمراويّ، وسأكونُ ـ بعون الله ـ اِرهابيّاً.

*قاص من الحسكة ـ  سورية.