Print
سوار ملا

إنَّه ليس زمنكَ حتماً

18 مايو 2018
شعر

 

 

 

 

ما الحنين؟

 

تيارُ هواءٍ

يصعدُ من رئتيك، عبر مجرى التنفُّسِ،

ليبلغ حنجرتكَ

حيث بعضه يتجمَّعُ

كرةً من الأسى لا تزول

وبعضه يخرجُ من فمكَ

صوتاً، غامضاً، كأنَّه

نغمة ماضٍ استحالَ وهماً

ترنيمةٌ من وقتٍ كسحَه التاريخُ.

 

*

 

في ذكرياتي تقفُ أيُّها الحنين

على رؤوسِ أصابعكَ

كأنَّك حيوانٌ بريٌ

يأكله القلقُ،

حيوانٌ شريدٌ يتحيَّنُ معجزةً لن تحصلَ،

طريقاً واضحةً تعيدهُ إلى غابتِه حيث توسَّدَ لأوَّل مرَّةٍ كتفَ العالم.

 

*

 

لا ينامُ الحنين.

يقظٌ مثل مدمنٍ بلا مال، مثل نظراتِه.

نشطٌ كالأذى حين يسكنُ قلباً رهيفاً.

لامعٌ وبتّارٌ كسيفٍ في متحف الذكريات.

يائسٌ، يفورُ تعبَاً، مثل نهرٍ لا يدركُ المصبّ.

لا ينامُ الحنينُ،

لا يموتُ،

بل يصيرُ هواءً يصعدُ من رئةِ العالمِ

ليكونَ كرةً تدورُ بالكائناتِ

دُونَ أن يفهمَ اللهُ

كيف لذلك أن يحدثَ.

 

*

 

الحنينُ

هو ذاك الشيء الذي يسيرُ أمامكَ دوماً، بخطى الحسراتِ؛

مرشدٌ يقودكَ في جهةِ فردوسك المفقود

حيث لا نجمَ يومضُ.

  

ما النجمة؟

 

النجمةُ

ذكرى قديمة

تذرفها، على مهل، عينُ المساءِ.

قطرةٌ

من زمنٍ انتهى

تنهمرُ لتستقرَّ، حين تشتدُّ الظُلمةُ، على خدِّ الليلِ.

 

قطرةٌ

نقيَّةٌ كغريزةِ الحنينِ إلى الموتِ

ناصعةٌ كأيِّ لحظةٍ نحبُّ، كأيِّ لحظةٍ نكره،

ساكنةٌ كالمركبِ حينَ يغفو البحرُ

ساحرةٌ مثل نديمٍ نقيٍّ وقتَ الثمالةِ

بعيدةٌ مثل حلمِكَ الأوّل،

حلمكَ الأوّل الذي لا تنساهُ ولا تستطيع أن تتذكَّره.

 

 ما الوهمُ؟

 

 

تفتحُ عينيكَ لا ترى شيئاً،

تقفلهما فتبصرُ عالماً لم يكن يُرى.

تحت جفنيكَ

خزَّانُ أمنياتٍ أخفقت

يبعثُ لحظاتَه المبتورة من الزّمن

لتتمدَّدَ كسجادٍ على أرضِ مخيِّلتِك.

تطأ قدماكَ زمناً تغيبُ فيه الفيزياءُ،

ليس حاضراً، ولن يكون مستقبلاً قطّ؛

إنَّه ذاك الزمن الذي وددتَ أن تضعَ سريركَ في غرفِ نومِه

لتشاهدَ من النافذةِ أبناءَه الطيبين

يتبادلون أيامَهم كصحونٍ مملوءةٍ بالأطعمةِ الشهيَّة

يسيرون حفاةً لئلا تقسوا أقدامهم على بشرةِ الأَرْضِ

يتحدّثون بخفوتٍ لتنعم آذانُ الطبيعةِ بالسكينة

ولا تجفلَ زهورٌ متفتّحة لتوّها.

إنَّه ليس زمنكَ حتماً.

ليس زمنَ أحدٍ.

لن تصافحكَ فيه يدٌ حمراء من الدَّماءِ

ولن تستوقفك وجوه يائسين يهزّون رؤوسهم بحسرةٍ

ولن تجدَ عشّاقاً في مصحّات نفسيّةٍ

أو مكتئبين ينتظرون النَّهرَ ليبتلعهم.

 

كلا.

ليس زماناً ستراه.

ليس سوى وهمٍ حلوٍ صنعَ مثل عصفورٍ

عشّه في ذاكرتِكَ الجافّة كالقشّ.

مجرَّد

وهمٍ

تعيشُه

مغمضاً عينيكَ

فارّاً من ملامحِ القسوة.