Print
فرج بيرقدار

أصداء وقصائد أخرى

15 سبتمبر 2015
شعر
أصداء *

صوتها يهبط هوناً
دَرَجَ القبوِ وما زالت على أوجاعها
في غرفة التحقيقْ.
وأنا أهبط هوناً
تلك بطانيِّةٌ يحملها اثنان
يضلان الطريقْ.
أأنا أم هيَ فيها؟
صوتها المتعبُ يخضلُّ بما في جسدي
جسدي المتعبُ يخضلُّ بما في صوتها
كيف يخضلُّ الحريقْ؟
لم تكن حالاً ولا وصفاً
ولكني أناديها بأسماءٍ كثيرةْ
للصدى أجنحة تخفق من حولي:
سميرةْ.. رَهْ سميرةْ.. رَهْ سميرةْ.
لا يضيق اسمٌ على حاملهِ إن شاءَ
لكنَّ المكانْ
ضيِّقٌ في غُرفِ التعذيبِ في فرعِ فلسطينَ
فهل ضاق عليها
(أيْ عليهم وعليهنَّ جميعاً)
سهلُ دوما الحرّةِ المكسورةِ الأجفانْ؟!
صوتها يأتي
أرى بضعَ حماماتٍ
كما لو: كان يا ما كانْ.
صوتها يأتي
أرى بضعَ غماماتٍ
كما لو: سوف تحيا سورية حلماً وشعباً يا زمانْ
سوف تحيا يا زمانْ.

* إلى سميرة خليل



لا يكفيها

أنثى
من أقصى الأحلام
غزالةُ وجْدٍ يتهجَّد في الليل
يسبِّحُ أنجمهُ
ويسرِّح معجمهُ
ويسوق نهاياتِ الأصداء إلى الوديانْ.
هيَ زرقةُ ما فاضت أسماءُ الله
وزرقةُ كلِّ سماءٍ تهدّل فوق الأرضْ
لا يكفيها التاج ولا أقواس النصر ولا الأديانْ
فالحرية ريحٌ أخرى
روح أخرى
الحرية أنثى
خالصةُ الصورة والمعنى
لا يدرك فيض أنوثتها إلا السجناء.

اقرأ أيضاً: كأنني مشعوذة العزلة

انتظار

حزينٌ..
فقد صار لي غرفةٌ
وأحبَّتكِ جدرانها وشبابيكها
وَهْيَ تنتظر الآن مثلي.

حزينٌ..
فمذ صار لي غرفةٌ
لم تعودي!
وننتظر الآنَ
ليلتنا تستفيضُ
هو الليل أيضاً حزينٌ
ومزدحمٌ بالظنون
رويداً رويداً يلمُّ انتظاراتهِ
ثم يلقي على الفجر صمتاً وأسئلةً..
لم تعودي!!
وشارعنا
جالس في الطريق التي
قد تعودين منها
حزين هو الشارع الآن
يصغي لوقع الخطى:
........
.........
..........
أقبلتْ!
خطوةٌ.. خطوةٌ.. خطواتٌ
لقد أقبلتْ.
لم يكن باب غرفتنا مقفلاً
ربما لم يكن مقفلاً
فجأةً
دخلوا عابسين
بواريدهم جحظتْ
إذ رأتني وحيداً
على موعدٍ لم يكن بيننا
وحزين أنا
ربما سوف تأتين بعد قليلٍ
ولن تجدي أحداً
فجأةً دخلوا عابسين
وإذ أخرجوني
ابتسمتُ لشارعنا
كان أكثرَ حزناً
وكان على حالهِ
جالساً
في الطريق التي
قد تعودين منها.


حجر

من صلاة العيدْ
خرج الناس خفافاً وثقالاً
نحو مجد المقبرةْ.
قال لي جدّي من القبر كلاماً صامتاً
لم يضِف شيئاً على الصمت
سوى الصمت أبي
قلتُ لن أصمتَ
ما داما على صمت طوال الموتْ
مثلما كانا على حالهما من قبلهِ
لن يصمت القلب الذي بي
لن يواريني الثرى غيري
أواريني على أقصى صراخي
أيها الربُّ الذي يجلس مفتوناً
بما يسطو به العرشُ
أما آن لغفرانكَ
أن لا يدّعي الغفران؟
أين المغفرةْ؟


الشارع

لا يعنيني الشرعُ
ولا يعنيني الشارعُ
ما يعنيني
النبض بهذي الأرض
القبض، البسط، الملعون، القدِّيس
الداخل، والخارج، والساكن،
في آخرة الشارعْ.
في الشارع من يعوي
في الشارع من يضحكُ
مبتلاً بيباس الأحلام
ومن يبكي من غير غيومْ.
في الشارع أوراق صفراءُ
وريحٌ ذاهلةٌ
وحنينٌ ليس له أمٌّ
في الشارع أسماءٌ عجماءُ
وأسماءٌ حسنى.
في الشارع من يدري؟!
في الشارع روح اللهْ.


تقلُّبات

والذي مثلي
يخاف النومَ أحياناً
وأحياناً ينامْ
نومةَ الفهد إذا شاءَ
وإن شئتم كذئب البيد
عيناً دون عينٍ
ربما يعبر في خاطرهِ
صَيْدٌ حرامْ.

* * *

والذي مثلي
يرى الله جميلاً
وبعيدًا
وعلى سِدرته سبعةُ ألوانٍ تراهْ.
إنها لامرأةٍ خالصةِ المعنى
ولا بدَّ لها
أن تأخذ المنفى من السجنِ
أو السجنَ من المنفى
لعلَّ الله لا ينأى
ولا يبقى وحيدًا.
فأعيدوني إليها
أي أعيدوني إلى نفسي
ولو كانت سواها.
وأعيدوني إلى المعنى
ولو كان سواهْ.

* * *

والذي مثلي، كما قيل، يحبُّ المستحيلْ
يُرهِفُ السمعَ لمن لا صوتَ لهْ
كي يَعُدَّ الميِّتينْ
ويعدَّ القتَلَهْ
فاقرؤوها
اقرؤوا من أوَّل الدِّينِ
إلى آخرِ دنيا
واتركوني
سأرى سجني بلا أغلالهِ
وأرى نفسي بلا أسمالها
وأراني
أتهجَّى السنبلةْ.