Print
عماد الدين موسى

زاهر الغافري: الشعر ابن الحرية لكنه مصنوع من التراب

28 أغسطس 2019
حوارات
يرى الشاعر العُماني زاهر الغافري أنّ "الشعر ابن الحرية، لكنه مصنوع من التراب والعصب والعظام ولا يمكن أن يرتهن يوماً لا للأنظمة ولا لأي أيديولوجيا". ويتابع "من هذا المنطلق يمكن أن ننظر إلى تجارب الشعر الراهنة التي تحاول الوصول إلى لحظة الصفاء الشعري".
في رصيد الغافري، حتى الآن، ثماني مجموعات شِعريّة، هي: "أظلاف بيضاء" (1983)، "الصمت يأتي للاعتراف" (1991)، "عزلة تفيض عن الليل" (1993)، "أزهار في بئر" (2000)، "ظلال بلون المياه" (2006)، "كلما ظهر ملاك في القلعة" (2008)، "حياة واحدة، سلالم كثيرة" (2016)، "في كل أرض بئر تحلم بالحديقة" (2018(، حيثُ نشر في أغلب المجلات الثقافية في العالم العربي.
أقام الشاعر الغافري، من مواليد عُمان، في عدد من البلدان العربية والأجنبية منها: العراق، المغرب، فرنسا، أميركا، وأقام سنوات طويلة في السويد، وهو يقيم حالياً في عُمان، كما ترأس تحرير مجلة البرواز المعنية بالفنون البصرية.
ترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة، الإسبانية، الإنكليزية، الألمانية، السويدية، الفارسية، الهندية. وكان قد حصل على جائزة كيكا للشعر عام 2006.
هنا، حوار معه:


الشعر العربي متفاوت
(*) أصدرت ثماني مجموعات شِعريّة بين عامي 1983 و2018، إضافةً لمجموعتين قيد النشر، كيف تنظر إلى واقع الشِعر عموماً، وهل لاقت تجربتك الحفاوة المرجوّة؟
الشعر العربي متفاوت، هناك درجات صعود وأخرى خفوت، كنتُ أعرف ذلك منذ فترة الرواد، لكن بعد الحداثة الثانية أكاد أقول إن هناك نقلة نوعية حدثت قام بها جيل يمثله شعراء مهمون، لن أذكر أسماءهم فهم معروفون وأصدقاء. لكن سأقول كالتالي: الشعر ابن الحرية، لكنه مصنوع من التراب والعصب والعظام ولا يمكن أن يرتهن يوماً لا للأنظمة ولا لأي أيديولوجيا. من هذا المنطلق يمكن أن نرى تجارب الشعر الراهنة التي تحاول الوصول إلى

لحظة الصفاء الشعري، أي إلى المخيلة والنظر إلى الأداء الفني وارتباطهما والحروب وغلبة القوة في العصر الذي نعيش فيه طبعاً وفق رؤية كل شاعر على حدة، وأتحدث هنا عن الشعر المتحقق وليس عن نوع الخواطر المنتشرة الآن في وسائل التواصل الاجتماعي. أما بالنسبة لتجربتي فأستطيع القول إن هناك قدراً من الاهتمام عبر بعض الكتابات النقدية والمتابعات الصحافية، وعبر الرسائل الأكاديمية في أكثر من بلد عربي، وعلى العموم لا أولي هذه المسألة أهمية كبيرة، فما يهمني هو نوع من الاختراق الشعري داخل تجربتي نفسها.


(*) هل يحقق الديوان الشعري نسبة مهمة من المقروئية في العالم العربي، أم أن الغلبة للرواية والفنون السرديّة الأخرى؟
هذا النوع من الأسئلة يحتاج إلى تأطير إحصائي فأنا نفسي أقرأ الشعر والرواية ولا أظن أن الرواية تتسيد المشهد الثقافي، الرواية جزء من تململ ثقافي وأدبي عام. ولا أذهب مثلما ذهب الدكتور جابر عصفور عندما قال إننا نعيش عصر الرواية. صحيح أن الرواية في العشرين سنة الأخيرة قدمت أسماء مهمة لكن الرواية العربية في المجمل تفتقر إلى الخيال.


(*) أقمت في عدد من البلدان العربية والأجنبية منها العراق، المغرب، فرنسا، أميركا، السويد؛ تجربة المنفى هذه ماذا أضافتْ لتجربتك الشِعريّة؟
لم تكن تجربتي تجربة منفى بدقيق الكلمة بل هي منفى شخصي أو سمها تجربة الترحال الطوعي، وقد بدأ هذا منذ الطفولة من مدينة إلى أخرى، من بلد إلى آخر، وهكذا، بالتأكيد أضافت هذه المعرفة الحياتية بتنوع أشكالها بحيث أصبحت ذخيرة صبت في كتاباتي الشعرية دون أن أفرق بين الكتابة والحياة إلا بما ينسجم مع شروط الكتابة وعيش الحياة فأنا لا أستطيع أن أعيش حياة مبتذلة أو مرهونة لما هو سطحي. لهذا أظن أن الإضافة إلى شعري هي الانتباه لما يقوله الصوت الآخر.


ماذا تضيف الترجمة
(*) تُرجمت بعض أعمالك إلى لغات عديدة، كالإسبانية، الإنكليزية، الألمانية، السويدية، الفارسية، الهندية؛ ما الإضافة التي حققتها الترجمة؟
ماذا أضافت الترجمة يعود ذلك إلى المتلقي. بالنسبة لي الترجمة حوار وإصغاء. وأستطيع أن أقارن عملي بالعربية والترجمة الإنكليزية مثلاً أو السويدية. لكن تترجم بعض أعمالك إلى

الملايلمية وهي إحدى لغات الهند ويتكلم ويكتب بها ثلاثون مليون نسمة فهذا أمر آخر. وحدث هذا مرة كنت أقرأ بالعربية وزميلي يقرأ الترجمة سمعتُ تصفيقاً عبر اللغة أليس هذا غريباً وأنا لا أعرف كلمة واحدة من تلك اللغة. أليس هذا أيضاً الحوار والاصغاء، هل هناك إشراقة أكبر من الأخوة الشعرية. تلمست هذا الأمر في عديد المهرجانات التي دعيت إليها في فرنسا وبريطانيا وإيرلندا والسويد وإسبانيا خارج العالم العربي.



(*) كيف تنظر إلى واقع النشر في العالم العربي، ألا ترى أن ثمّة رداءة في التعامل من قبل الناشر العربي مع الكتب الشِعريّة؟
نعاني من الأمية ومشاكل التعليم والنشر غير الاحترافي. من هنا يقع الكاتب والشاعر في مزالق صعبة. والرابح الوحيد فيها هو الناشر وإذا طبعت ألف نسخة مثلا ونفدت فإن الناشر سيطبع ثلاثة آلاف نسخة دون العودة إلى حق المؤلف حتى لو كان هناك عقد. والأمر ليس في الكتب الشعرية فحسب بل في كل المجالات.



(*)
تنشر بين فينةٍ وأخرى، في صفحتك في الفيسبوك، مقاطع من "الخروج من الفردوس (سيرة حياة ومذكرات)"، لماذا السرد، هل القصيدة ضاقتْ لتذهب إلى السرد أم أن هناك أسباباً أخرى؟
اخترت السرد لأنني أكتب تجربة حياة تمتد لستين عاماً. أعرف أن هناك بعض الشعراء كتبوا أو استلهموا من حيواتهم بعضا من السيرة الذاتية كقصيدة صور لعباس بيضون لكنه في الأخير أصبح روائياً دون أن يترك بطبيعة الحال الشعر. شخصياً لأنني ابن ترحلات ومدن وقرى في الشرق والغرب وأفريقيا وجدت نفسي أكتب سرداً يخص حياتي واعتمدت في ذلك على حياة الطفولة وذاكرتي الصلبة وعلى جزء من خزائن العائلة.