Print
فاتنة الغرة

محمد بكري: السينما الفلسطينية أثبتت نفسها بالسنوات الأخيرة

28 نوفمبر 2019
حوارات
حينما تقف أمام ممثل بقيمة الفنان الفلسطيني محمد بكري فلا يسعك إلا أن تمطره بالأسئلة التي تتعلق بتجربته الخاصة والتي وإن لم تكن جماهيرية فإن بصمتها في السينما العربية أو الفلسطينية تشكل حالة خاصة من نوعها.

بكري تحدى مغريات الشهرة التجارية وظل التزامه السياسي والإنساني هو الذي يقوده ويضعه في تحديات كبرى بدءاً بعمله السينمائي الأول "حنّه K" الذي حورب بشراسة، مروراً بفيلم "جنين جنين" الذي وضعه منذ سنوات بعيدة وحتى اللحظة الراهنة تحت المساءلة القانونية من قبل المحتل الغاصب، وانتهاء بفيلمه القصير "المدن الغريبة مألوفة" الذي حاز على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان "نظرة" في إيطاليا مؤخراً. هنا حوار معه:

(*) التعاون الأول لك كان مع مخرج يوناني كبير هو كوستا غافراس عبر فيلم "حنّه K" لماذا لم تتوال مشاركاتك في الأعمال الدولية بعد هذا الفيلم؟
ـ الحقيقة أنني عملت في بعض الأفلام بعدها وطالما وجدت لدى المخرج شجاعة كنت أعمل، لكن هذا كان قليلا، وحتى غافراس نفسه لم يستطع الصمود وانحنى لأن اللوبي الصهيوني حاربه بشدة فاضطر لصناعة حوالي ثلاثة أفلام تتحدث عن الهولوكوست من أجل محاباة الصهاينة وذود تهمة اللاسامية عن نفسه. لا أقول إنه عادى الفلسطينيين لكنه لم يعد كما كان وأمثاله كثر، كالممثلة الأميركية جيل كلايبورج التي لعبت الدور المقابل لي في نفس الفيلم وهوجمت بشراسة ولم تعد للعمل في السينما في هوليوود لسنوات على الرغم من أنها كانت نجمة كبيرة حاصلة على جائزة الأوسكار عن فيلم "امرأة غير متزوجة"، كما أنه تمت مقاضاتها.

وبالنسبة إليّ فقد وُضعت منذ ذلك الحين تحت المجهر الإسرائيلي، حتى جاءت القشة التي قصمت ظهر الجمل حينما قدمت أفلاماً أخرى عن القضية الفلسطينية بشكل مباشر كان من أهمها "جنين جنين" و"من يوم ما رحت" و"زهرة" و"48" و"عيد ميلاد ليلى" وغيرها والتي تصب كلها في نفس التوجه. وكان لفيلم "جنين جنين" نصيب الأسد في توجيه الحرب الشرسة ضدي والتي تستمر من عام 2002 الى هذا اليوم، وهي حرب بلا هوادة ومضايقات مستمرة أبرزها أنني أواجه حتى اليوم محاكمة في المحاكم الاسرائيلية متهما بالتحريض فيها وتشويه الجيش الإسرائيلي ومطالباً بدفع تعويض للجيش هو مبلغ خيالي يصل إلى مليونين وستمئة ألف شيكل.

(*) ما هو أصعب دور قمت به سواء كان على خشبة المسرح أم أمام كاميرا السينما؟
ـ الدور الذي أقوم الآن بالعمل عليه هو أصعب دور أمثله لأنه يتنافى مع قناعاتي، فهو دور يتحدث عن رجل كبير في السن يحب فتاة عشرينية ويقوم باغتصابها وإجبارها على قبول عرضه ويمارس ضدها السلطة البطريركية التي أرفضها.


خطوط حمراء
(*) هل تعتقد أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن للممثل تجاوزها؟
ـ هناك خطوط حمراء دائما. ومن يقول إن الممثل بإمكانه لعب أي دور مهما كان يرتكب خطأ كبيراً من وجهة نظري.

مثلاً لا يمكنني أن أؤدي دور مستوطن إسرائيلي ملتح قبيح الشكل والروح يطلق النار على فتاة من نابلس لمجرّد كونها فلسطينية. كما أنني غير مستعد لأداء دور شخص مثل هتلر. وقد حدث قبل سنوات أن اقترح عليّ لعب دور الشيطان فوافقت في البداية وحينما رأيت القناع الذي يمثل الشيطان وكان قناعاً لشخص لا حياة فيه، ميت ويميت الآخرين بفعل كل الذئاب الموحشة التي كانت تسكن روحه، عدلت عن أداء الدور.

(*) ما هي مساحة المسرح في حياة محمد بكري؟
ـ الشعر هو الذي قادني للمسرح حيث كنت مفتوناً بالشعر الجاهلي، بالصور والموسيقى واللغة التي كانت تفتح أمام عيني مشاهد مختلفة ومتنوعة، وأول ما وقفت على خشبة مسرح كنت غلاماً في الصف التاسع عمره نحو أربعة عشر عاماً، ولذلك يحتلّ المسرح مساحة كبرى عندي، فأنا ممثل مسرح بالأساس ولم أدرس السينما بل درست المسرح وثقافتي مسرحية أكثر منها سينمائية التي جاءت بالممارسة والمشاركة في عدد كبير من الأفلام سواء كانت فلسطينية أو دولية.


(*) ما هو أهم عمل مسرحي قمت به؟
ـ عملت في عشرات المسرحيات لكن أهمها مسرحية المتشائل المأخوذة عن رواية "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" لإميل حبيبي، وهي المسرحية التي بدأت في عرضها عام 86 ولم ينته عرضها حتى هذه اللحظة.

أنا الآن أبلغ ستة وستين عاماً وكنت في الثالثة والثلاثين وقت العرض الأول ولدي عرض قريب في رام الله. وقد قمت بعرضها أكثر من ألفي مرة في كل العالم، من أميركا إلى أوروبا سواء الشرقية أو الغربية والبلاد العربية مثل الأردن وتونس ولبنان ومصر، وأهميتها تنبع من إيماني بأنه من المهم لأصحاب الحقوق الضائعة إعادة رواية حكايتهم لإعادة بناء الإنسان فيهم وهذا يحدث من خلال إعادة نشر ثقافة هذا الإنسان التي ترسم هويته، فالمتشائل رواية تقف بالمرصاد لكل ما تدعيه الصهيونية من أن لها الحق في هذا الأرض معتمدين على الله الذي هو حق للجميع مؤمنين كانوا أم غير مؤمنين، هم ابتلعوا المكان واضطهدوا الإنسان وطردوا من طردوا ويحاولون طرد الباقين، وأنا من الباقين، ولذلك أحاربهم بما تبقى لي، ولذا أيضاً أنا متشبث بهذا العمل ولن أكلّ عنه ما زال هناك محتل وغاصب.

السينما الفلسطينية أثبتت نفسها
(*) أين ترى السينما الفلسطينية على خريطة السينما العربية؟
ـ برأيي السينما الفلسطينية أثبتت في السنوات الأخيرة نفسها في المحافل الدولية على وجه الخصوص أكثر من أي سينما عربية أخرى،

ويكفي أن نعرف أن نصيب السينما الفلسطينية من الأفلام التي ترشحت سواء للأوسكار الأميركي أو مهرجان كان العالمي أو الجولدن جلوب وغيره حتى اللحظة أكثر من سبعة أفلام في حين أن هناك دولاً تمتلك رصيداً أكثر غزارة وقدماً في السينما لم يصل عدد كبير من أفلامها إلى الترشح لهذه الجوائز. وأظن أن السبب هو التقنيات العالية التي تتوفر فيها شروط فنية ربما لم تتوفر في أفلام عربية أخرى ونستثني منها بعض الأفلام التي ترشحت لهذه الجوائز، وربما مشاركة أوروبا بالإنتاج ساهمت أيضاً في دفع الفيلم الفلسطيني إلى دائرة الضوء.

(*) وما الذي ينقص السينما الفلسطينية كي تكون أكثر جماهيرية؟
ـ ما ينقصها أولاً شبكة توزيع، ومن ثم دور العرض السينمائية في فلسطين خاصة، فهي تعد على أصابع اليد الواحدة لدينا في مناطق 48 والضفة والقطاع. وأعتقد أن التلفزيون طغى على السينما وهو سبب آخر من ضمن مجمل أسباب عديدة جعلت الفيلم الفلسطيني نخبوياً أكثر منه جماهيرياً.

(*) ما الذي يشدك لأداء دور بعينه، هل هو المخرج أم السيناريو أم ماذا؟
ـ السيناريو أولاً وقبل أي شيء. يهمني أن أقرأه بتمعن وأن أعرف ما الذي يحاول قوله وإلى أين يريد الوصول خاصة إذا تعلق الموضوع بالسياسة والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فإنه يعنيني جدا معرفة وجهة النظر التي يحملها السيناريو المكتوب وأيضاً إن أعجبني النص من ناحية فنية وبناء على ذلك تتقرر مشاركتي من عدمها، أما بالنسبة للمخرج فأنا لا أستطيع الحكم عليه من دون العمل معه حتى لو كانت لديه أعمال أخرى.

(*) هل شاركت بأعمال لمجرد أن السيناريو أعجبك من دون الاهتمام بوجود ميزانية كبرى أو بمحدوديتها؟
ـ آخر ما أفكر فيه هو الميزانية. وقد حدث هذا بتجربتي مع الفيلم القصير الذي حاز جائزة أفضل فيلم دراما قصير في مهرجان "نظرة" للفيلم الفلسطيني القصير الذي نلتقي اليوم فيه، حيث أرسل لي المخرج سعيد تاج فاروقي برغبته في العمل معي على فيلم وسألني هل أنت مستعد للمشاركة معي فأجبت طبعاً في حال كان السيناريو جيداً، فقال لي إنه لا يمتلك ميزانية فأجبته: ومن تحدث عن الميزانية، أرسل لي السيناريو ولو أعجبني فسأقوم بالدور. وحينما أرسله لي وقرأته أحببته وأبلغته بقراري بالموافقة فسألني عن المبلغ الذي أتقاضاه من أجل هذا الدور فقلت له: فقط لا أريد أن أدفع من جيبي. ولا بُدّ من أن أشير أيضاً إلى أن هناك بعض أفلام فلسطينية قمت بالمشاركة فيها وتقاضيت عن مدة شهر ونصف شهر أو شهري تصوير ما تقاضيته عن يوم عمل فقط في السينما العالمية.

(*) أيهما أكثر متعة بالنسبة لك المسرح أم السينما؟
ـ أنا أتمتع أكثر من دون جدار، بتلك المواجهة المباشرة، مع أني أشعر بأنها أهون من جانب لكنها أصعب من جانب آخر، أهون لأن النظر للجمهور يعطيني ثقة ويزودني بالطاقة وأصعب لأنك تحس أنك عارٍ تماماً. وفي السينما أتعامل مع الكاميرا مثلما أتعامل مع المسرح ولكن مع الكاميرا تختلف التقنيات. وهذا ما تعلمته من العمل مع الأوروبيين، أن يبقى الوجه ثابتاً وأن تخرج انفعالاتك الداخلية على الوجه فترسم الأثر المطلوب.