Print
سارة عابدين

أسماء يس: الشاعر "عامل بدوام كامل" لدى الشعر

9 يوليه 2017
حوارات

أسماء يس شاعرة مصرية، صدرت لها أربعة كتب شعرية ما بين شعر ونصوص وقصص، وهي تعمل محررة لسلسلة الشعر ومسؤولة إدارة التحرير في المركز القومي للترجمة، تختار دائما أن تكتب الشعر بحرية، ولا توظفه لخدمة الإيديولوجيا السياسية أو الاجتماعية. ترى أن الشاعر هو "عامل بدوام كامل ويومي" لدى الشعر، وكل ما في الحياة مسخر للشاعر/ للشعر، العمل والشوارع واليومي من أكل وشرب وجنس وتعاملات، كل الأشياء تعمل عند الشعر، ويبدو ذلك بوضوح في قصائدها، التي تزخر بالتفاصيل التي تتأرجح بين الحكي والتذكر، وبين محاولات تفصيل العالم، واختزاله ليناسب الشعر ويرضخ له. بالرغم من عدم اعترافها بالكتابة المفاهيمية أو الإيديولوجية، لكن لا يمكن اعتبار قصائدها سوى وسيلة للاستمرار في مواجهة العالم، وتكسير ثوابته.

هنا حوار معها:

* تمضي إصداراتك بوتيرة تبادلية ثابتة بين الشعر والنصوص، ما الفارق الذي ترينه بين الشعر والنصوص، ألا يمكن أن تندرج النصوص أيضا تحت مظلة قصيدة النثر لتصبح شعرا هي الأخرى؟

بسذاجة كتبت على كتابي الأول كلمة "نصوص"، في حين كان لا بد أن أكتب عليه "قصص"، لكنني ما أزال أرى أن "كرسي أزرق في نهاية البهو" هو كتاب قصص، في حين أن أغلب من قرؤوه وأبلغوني برأيهم فيه رأوه شعرًا! في عام 2006 حين نشرت الكتاب لم أكن أرى نفسي شاعرة، ولم تكن تصوراتي عن قصيدة النثر واضحة تمامًا، كانت ثقافتي كلاسيكية إلى حد كبير، وللحقيقة كنت أبتسم حين يتكلم أحد عن الشعرية في كتابي الأول! ولم أجرؤ على التصريح بأني أكتب شعرًا فعلا إلا بعدها بخمس سنوات.
 لا ينسحب الكلام على مجموعتي القصصية "البعد الرابع" التي صدرت مؤخرًا، وهي كتاب قصصي، ولو كره القاصون!

في عام 2013 نشرت ديواني الأول "البحر سر العازف" فلم يندهش من يعرفونني، كانت خطوة متوقعة. وصولًا إلى ديوان "صندوق الأحجار الملونة" الصادر في فبراير الماضي، يراني الجميع شاعرة فقط، أنا أيضًا أراني شاعرة، لكني أراني قاصة بالقدر نفسه.

العمل تحت راية جندرية إهانة للفن

* بالرغم من أن كتابتك في أحيان كثيرة تشتبك مع السائد، وتحاول التشكيك في المشهد الاجتماعي، فأنت ترفضين تماما تصنيف الكتابة النسوية وأن تكوني جزءا من أي مشروع نسوي شعري أو أدبي.. لماذا؟

 الكتابة النسوية مصطلح مضحك، كل كتابة تحت عنوان/ أيديولوجيا/ مفهوم/ هي كتابة تافهة، ولن يمكنها النجاة من الشعارات وعلو الصوت. لهذا يعرف العالم الآن مثلًا أن غوركي الذي كتب لخدمة الأيديولوجيا كاتب تافه في مقابل دستويفسكي. الكتابة عمل فردي، الشاعر/ الكاتب يعيش فردًا في مواجهة العالم، والعمل تحت راية جندرية إهانة للفن، برأيي. بخصوص المشهد الاجتماعي، المنحط في أغلب حالاته، فإنني واجهته، ودفعت ثمن ذلك، تخلصت مما كان يكبلني، وأتخلص مما يستجد، وعلى الباقيات أن يفعلن كذلك، لكن لن أوظف ما أكتب للدفاع عن أي فكرة.

* تقومين بترجمة الشعر من الإنجليزية، كيف تؤثر الترجمة عليك كشاعرة، وعلى نصك شكلا ومضمونا؟

 لم تؤثر الترجمة بعد على كتابتي، فأنا مترجمة مبتدئة، ربما يكون لها تأثير لاحقًا، وحتى الآن كل ما نشر من كتبي سابق لفكرة الترجمة. لكن من زاوية أخرى، لا أعتقد أن فينا، شعراء قصيدة النثر، من لم يتأثر بما هو منشور بالفعل من الشعر المترجم، مهما كانت درجة التأثر ضعيفة، ومنتَبه لها. هناك شعراء تأثروا كثيرًا بالترجمة، وهناك من تأثروا بالقراءة بأكثر من لغة. كان من المفيد جدًا لي مؤخرًا أن أقرأ بالإنجليزية بشكل شبه يومي، فأصبحت أرى ظل شعر العالم في قصائد شعراء مصريين وعرب وأميزه.

* بين كتابك الأول "كرسي أزرق في نهاية البهو" وكتابك الأخير "صندوق الأحجار الملونة" سنوات وتغيرات، وعندما تنظرين إلى مجمل كتاباتك، ما التغير الذي تلحظينه على نصوصك، وعلى طريقة تفكيرك بالشعر أثناء كتابته، وعلى نظرتك الشخصية إلى معنى الشعر؟

ليس عندي تصور تام للتغيرات التي حدثت لكتابتي، لكن هي الآن أفضل طبعًا، وأكثر دقة، ولا أدري إن كان مصطلح الدقة مفهومًا هنا أو لا، لكن بالتأكيد أعرف أن لغتي، وهي شيء يشغلني دائمًا، تخلصت من المجاز بنسبة كبيرة، بصراحة أنا لا أعاني في أثناء الكتابة، على مستوى اللغة تحديدًا. ربما توصلي إلى تصور ثابت عن معنى الشعر هو ما جعلني ما أنا عليه الآن، الآن يعني في 2017، لا غير. وحين أدركت أنني شاعرة، ولا شيء غير ذلك، أو ولا شيء قبل ذلك، تعاملت مع الحياة بشكل مختلف تمامًا، الشاعر هو عامل بدوام كامل ويومي لدى الشعر، كل ما في الحياة مسخر للشاعر/ للشعر، العمل والشوارع واليومي من أكل وشرب وجنس وتعاملات، كل الأشياء تعمل عند الشعر.

 

بوكوفسكي وجون أشبري

* ترجمت الكثير من القصائد للشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي، لماذا تفضلين بوكوفسكي، وما رأيك في تعامل بعض الشعراء معه كموضة شعرية ليس أكثر؟

 أفضل بوكوفسكي لأنني أقرأه بشكل يختلف عما يقرأه الآخرون، أنا أميز بوضوح الجانب الإنساني اللطيف في قصائده، المختبئ فيما وراء فجاجته وعنفه. لا أنكر أن قصائده هي التي دفعتني إلى تجربة الترجمة، لكنه في النهاية لا يمثل ذائقتي الشعرية، وأعترف أني أمرّ من وقت لآخر بحالة من الحماسة والعنف تجاه الحياة يلزمها شاعر يعبر عنها، مثلما كان أمل دنقل هو شاعر مراهقتي الأول، وكان كتاب أعماله الكاملة يصحبني في كل سفرياتي من دمياط إلى أبوظبي إلى رأس البر. لكن عندما قررت أخيرًا العكوف على ترجمة كتاب شعري كامل ونشره، اخترت جون أشبري، وهو يختلف تمامًا عن بوكوفسكي، بل إن أشبري يختلف عن الجميع في رأيي.

* من وجهة نظرك، ما الفارق بين تجربة النشر الخاص والحكومي؟ ولماذا يأتي الشعر دائما في ذيل اهتمامات الناشرين، بالرغم من الانتشار الكبير للشعر وقصيدة النثر في السنوات الأخيرة؟

النشر في مصر تجربة لعينة ومحبطة في كل الحالات، والنشر الحكومي كانت ميزته الوحيدة في التوزيع، فالمفترض أنه يتجاوز مركزية العاصمة ويصل إلى القراء في كل مكان، لكن حتى هذه الميزة اختفت، والناشر الخاص تاجر في معظم الحالات، والكتاب سلعة، والشعر لا يباع، في المقابل نحن لم نفعل ما ينبغي علينا فعله لمقاومة ذلك. أختلف مع القول إن هناك انتشارا كبيرا للشعر ولقصيدة النثر في السنوات الأخيرة، فهو انتشار نسبي مقارنة بما كان يحدث قبل ذلك. على كلٍ ليس مطلوبًا من الشاعر، ولا أظنه يسعى، لأن يكون شاعر القبيلة الذي يجتمع الجميع حوله.

* تعملين كمحررة لسلسلة الشعر، ومشرفة على إدارة التحرير في المركز القومي للترجمة، ما الذي يجعلك تقترحين عملًا معينًا للترجمة؟ وكيف أثر عملك في التحرير على مراقبتك لنصك الشخصي؟

 على مدى ما يزيد عن عشر سنوات في العمل الحكومي، لم أطمح إلى شيء نهائيًا إلا الإشراف على سلسلة الشعر في المركز. وبالنظر إلى قائمة الكتب في المركز، وجدت أن السلسلة نشرت الشعر القديم فقط، القديم جدًا في الحقيقة، صحيح أن المركز نشر أعمالا شعرية مهمة، الشاهنامة والإلياذة وشعر حافظ وشكسبير، لكنه تجاهل ما يحدث على خريطة الشعر في العالم في المائة عام الأخيرة، اللهم إلا كتب قليلة، فعندنا كتابان لبيسوا، وكتاب لتشارلز سيميك، وكتاب لفيليب لاركن، وكتابان لإزرا باوند. أسعى قدر طاقتي لنشر كتب لشعراء معاصرين، ليس معقولًا أن يكون سيميك الذي تخطى السبعين هو الشاعر الأكثر شبابًا في المركز! وليس مؤكدًا بالنسبة لي إن كانت تلك المشكلة تخص المركز أم تخص المترجمين وما يقدمونه من مقترحات، فالمركز يستقبل كل المقترحات، لكن المترجمين من الجيل الحالي لا يفضلون التعامل معه، لأن الأمر فعلًا لا يخلو من تعقيدات بيروقراطية سخيفة وطاردة.

أما كيف أثر التحرير على نصي الشخصي، فهو يؤثر طبعًا، لكن ليس على النص، يشعرني بالحنق، صحيح أن تحرير الكتب عملية ممتعة للغاية، لكنها تستهلك الكثير من الطاقة، ربما الفائدة الأساسية منها أنها تجعلني أقرأ لست ساعات يوميًّا، وهو شيء مفيد معظم الوقت. وهي مهنتي قبل كل شيء وبعده.

أكتب الشعر ببساطة

* كتبت أغنية فيلم "جان دارك المصرية"، وهو فيلم وثائقي يدور حول قضايا تحرر المرأة في مرحلة ما بعد الثورة في مصر، ويُسلِّط الضوء على قضايا القمع والإحساس بالذنب لدى النساء المصريات ولا سيما الفنانات. حدثيني عن تجربتك مع الفيلم، وهل يمكن ببساطة كتابة شعر مُوجّه لهدف ما؟

 ترددت كثيرًا قبل أن أقرر في النهاية الاستجابة لطلب إيمان كامل مخرجة الفيلم، ورأيت الفكرة من زاوية الثورة، وهي زاوية مهمة عندي، وأعتقد أنها تخصني، وتمسني، لذلك وافقت في النهاية. والحكاية ليست في بساطة كتابة الشعر الموجه أو غيره، فإيمان طلبت مني قصائد لأنها رأت فيما قرأته لي معبرًا عنها، وليس العكس، وفي الآخر الشاعر يكتب الشعر لأنه شاعر. إذا أحس كتب. وأنا أكتب الشعر ببساطة فعلًا.