Print
أيوب مليجي

صلاح حسن : العراق كل شيء بالنسبة لي

25 أكتوبر 2017
حوارات

صلاح حسن، شاعر وكاتب مسرحي ومترجم عراقي مقيم بهولندا، ولد في مدينة بابل عام 1960، تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح. نشر نصوصه في الصحف العراقية والعربية والهولندية والإسبانية، وقد ترجمت إلى عدة لغات: الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الهولندية، الفارسية، الكردية، الإسبانية والإيطالية. يعمل مديرًا لجمعية أور الثقافية في هولندا. شارك في الكثير من المهرجانات العالمية في أوروبا وأميركا اللاتينية والعالم العربي. له ثلاثون عملاً أدبيًا تتوزع بين الشعر والمسرح والترجمة والكتابة للأطفال.

التقيناه خلال حفل توقيع ديوانه الصادر حديثا "رأس في كيس" ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في الدار البيضاء، فبراير/شباط 2017.

 

* ما بين الشعر، المسرح، الترجمة والكتابة للأطفال، أين يجد صلاح حسن ذاته؟

أجد نفسي في الشعر أكثر من أي نوع أدبي آخر. المسرح يمنحني حرية أكثر في التعبير عن حالات لا أستطيع أن أعبر عنها في الشعر، في الشعر يجب أن أكثف الحالة وأن أقتصد لغويًا كي لا أسقط في النثرية، بينما في المسرح أستطيع أن أطرح الأسئلة وأن أقدم أكثر من إجابة عليها. أما في الترجمة فأحاول أن أنقل تجربة ثقافية جديدة إلى اللغة العربية غير موجودة أو أنها موجودة بشكل ضيق وغير كامل، ومن المعروف أن الشعر الهولندي غير معروف في الثقافة العربية والترجمات جاءت عن طريق لغة وسيطة ولم تكن من الهولندية إلى العربية مباشرة، لذلك حاولت أن أقدم هذه الترجمة للشعر الهولندي حتى يطلع عليها قارئ العربية مباشرة. وعن أدب الأطفال فإن أول كتاب صدر لي، كان مجموعة شعرية للأطفال الذين يعيشون في القرى، ولم تتح لهم رؤية المدينة ومعالمها وعجلاتها وقطاراتها وشوارعها، وكانت تجربة رائعة لأنني نقلت القرية إلى المدينة، والمدينة إلى القرية كي لا يدخل الأطفال إلى المدن ويصابوا بدهشة مضادة.

* نشرت ذات يوم في إحدى الصحف العربية مقالا تحت عنوان "شعراء فيسبوك" قلت فيه: "إن أيّ إنسان يمتلك إنترنت يستطيع أن يكتب ما يظنه أدبا أو شعرا، لينشره مباشرة بشكل فوري للعامة" هل تقصد أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالخصوص، قد ساهمت في انتشار "كتاب وهميين''، أم أن هذا الكم من الكتابات مفيد بكل الأحوال؟

 

كان يفترض أن يوفر الإنترنت، وهو وسيلة في غاية الأهمية، التواصل بين الناس فرصة للعرب لكي يطلعوا على ما يجري في العالم من منجزات واختراعات والوصفات الكثيرة المهمة لمعالجة الكراهية والتقارب بين الشعوب ونبذ العنصرية والكراهية، لكنه مع الأسف تحول إلى واجهة سريعة لتجنيد الشباب، إلى خوض حروب ليسوا طرفًا فيها في كل مكان في العالم. عندما يكون عندك إنترنت تستطيع أن توجه رسائل إلى كل مكان، لكن السؤال يقول ماذا تحمل هذه الرسائل وماذا تريد أن تقول فيها؟ أن تكتب الخواطر أو ما تظنه شعرًا وتنشره على المواقع ليس مهمًا، فالحرية متاحة ولن يلومك أحد لأنك تكتب أشياء تافهة وتظنها أدبًا، لكن المشكلة تكمن في مكان آخر حين يتحول الإنترنت إلى ممر لبث رسائل الكراهية والعنصرية ونبذ الآخر. لقد كتبت عن هذا الموضوع مقالة قصيرة، وأعتقد أن بالإمكان كتابة دراسة مطولة عن هذا الموضوع، لأن الأمر أصبح يتعلق بالإرهاب الدولي، فبدلاً من أن يكون الإنترنت وسيلة للتواصل أصبح وسيلة لتجنيد الإرهابيين لقتل الآخر المختلف.


* تعتبر أن "الشاعر والكاتب هو الناقد الأول لما يكتب، فهو من يقدّم رؤيته في نصه، أما النقد فهو لاحق للأدب بالضرورة أو مساير له"، هل تعني أن الشاعر أو الكاتب مطالب بامتلاك ملكة نقدية لتنقيح وتطوير نصوصه؟ وإلا فما دور الناقد إذن؟

الشاعر أو الكاتب الشاب يحتاج إلى النقد في بداية مشواره الكتابي، لأن خبرته في الكتابة قليلة، لكن بعد أن يصدر أكثر من كتاب يجب عليه أن يتحول إلى ناقد نفسه ومطور مدونته شخصيا هذا أولا، الشيء المهم الآخر والذي يتوقف عليه الإبداع الحقيقي هو أن يكون للشاعر مشروعه الشعري الخاص الذي يجعل منه بمرور الوقت نسيج وحده ولا يشبه أحدًا غيره من الشعراء وهذا ينطبق على الكاتب أيضًا. أما النقد، وهو عمل يأتي بعد إنجاز العمل الإبداعي، فمهمته تكمن في الإشارة إلى هذا العمل وإظهار الصفات الإبداعية فيه، وكيف استطاع الشاعر أو الكاتب أن يتوصل إلى هذا الإنجاز والتجديد بطريقة صارمة ممنهجة وتستند إلى نظرية أو فكرة مبتكرة يوفرها العمل الإبداعي.

* ''أنا مجنون لسبب، وأنت عاقل بلا سبب'' عنوان إصدار ضم مختاراتك الشعرية، هل تعتبر المبدع "مجنونًا"؟ 

أقول في واحدة من قصائدي "الجنون قفزة ناقصة إلى المستحيل" بهذا المعنى أنظر إلى فكرة الجنون أو مفهوم الجنون. الجنون ليس مرضًا كما يشير إلى ذلك ميشيل فوكو بقدر ما هو استحالة تحقق الذات بالطريقة التي يريدها من يصبح مجنونًا تاليًا. عنوان المختارات هذه هو شطر من قصيدة طويلة أيضا سبق أن فازت بالجائزة الأولى في العراق، وسببت لي مشاكل سياسية هربت على إثرها من العراق. بسبب هذه القصيدة حكم علي بالإعدام غيابيًا، وعندما طرح علي الصديق المرحوم الناقد والمفكر خضير ميري فكرة إصدار مختارات شعرية في القاهرة، وأنه سوف يكتب مقدمة لها عنوانها "الشعر والجنون" كان قد اختار في وقت مبكر هذا الشطر الشعري لكي يكون عنوانا للمختارات. وجاءت المقدمة حافلة بمفردات الجنون في القصائد التي ضمتها المختارات، لأن العيش في زمن الدكتاتور والكتابة عما يجري في هذا الزمن هو جنون كامل وجنون خطر. أن يكتب الشاعر قصيدة ضد الدكتاتور في الوقت الذي يمدحه فيه الجميع، ليس جنونا فحسب، بل انتحار مفكر به بطريقة عميقة. هذا هو جنوني كما أظن.

* فزت بالجائزة الأولى في مسابقة جواد الساعاتي لأدب الرحلات عن كتابك "من بغداد إلى حوض الكاريبي"، كيف جاءت فكرة الكتاب؟ وإلى أي حد أنت مهتم بتدوين رحلاتك.

أنا أسافر كثيرًا وأشارك في مهرجانات عالمية في أماكن كثيرة من العالم، وغالبًا ما أدون ملاحظات عن البلدان التي أزورها وأحولها إلى مقالات للنشر في الصحف والمجلات. اكتشفت أن هذه المقالات أصبحت كثيرة وتصلح أن تكون كتابًا من أدب الرحلات، وتحتاج إلى التنسيق فقط، وهكذا أصبحت كتابًا وفاز بالجائزة الأولى لمسابقة جواد الساعاتي في بغداد. نعم أهتم بتدوين رحلاتي إذا كان هناك ما يستحق التدوين، وأفكر الآن أن أكتب عن رحلاتي للمغرب بعد أن شاهدت العديد من المدن المغربية وسوف أرى ماذا سأفعل بها.

* قدمت للقارئ العربي ترجماتك للشعر الهولندي إلى العربية، إلى أي حد حاولت تفادي "الخيانة الشعرية" في ترجماتك؟ متى نرى مختارات شعرية عربية مترجمة إلى الهولندية؟

الخيانة في الترجمة تصح عليها التسمية حين يقوم المترجم بتقديم ترجمة خاطئة وبعيدة كل البعد عن النص الأصلي أو أن يضيف من عنده أشياء غريبة في النص المترجم. أنا حاولت قدر الإمكان ألا أقع في مثل هذه الأخطاء، وكنت وما زلت أستعين ببعض الأصدقاء حينما أجد شيئا غير مفهوم في النص الأصلي.. فمثلاً أنا الآن مشغول بترجمة مختارات للشاعر الهولندي الكبير رمكو كمبرت ووجدت في إحدى القصائد شطرًا شعريًا غريبًا عن سياق القصيدة، ترجمت القصيدة وتركت فراغًا لهذا الشطر الغريب لكي أعود له مرة أخرى وقررت أن أكتب إلى الناشر لكي أسأله عن هذا الشطر، فقد تكون هناك مفردة غير صحيحة في هذا الشطر، وإذا اضطررت كثيرًا فسوف أتصل بالشاعر نفسه لكي يوضح لي هذا الالتباس. هكذا أعمل في الترجمة ولا أظن ذلك يقع تحت ما تسميه الخيانة.

* نقرأ من قصيدة "رأس في كيس" التي تحمل عنوان الديوان نفسه:

 واقف في ظلمة الأبد

 شبح هش

 بانتظار السماء البعيدة ..

كيف يتصور الشاعر صلاح حسن شبح الغربة، هل هو في مصالحة معه أم في صراع مستمر؟ ماذا عن الوطن أيضا أليس شبحًا نفرّ منه؟

كفافي الشاعر اليوناني العظيم لخص ذلك في قصيدة قصيرة يقول فيها "خراب أينما حللت طالما أنك خربت زاويتك الصغيرة". فالمنفي لا يستطيع أن يستقر في أي مكان في العالم، لا يستطيع أن يعود إلى زاويته الأولى لأنه لن يجدها بعد هذا الفراق الطويل ولن يجد ناسه الأقدمين لأن كل شيء تغير جغرافيًا واجتماعيًا ونفسيًا بل حتى لغويًا. يجد المنفي الذي يعود إلى وطنه كل شيء مختلفًا وغريبًا حتى أفراد عائلته ولن يستطيع التواصل معهم. بالنسبة لي كنت مضطرا إلى البقاء في المنفى، لأنني لم أكن أملك أي مكان آخر، فقررت التصالح مع هذا المكان وهذه الثقافة الغريبة وحاولت أن أستوعبها وأفهمها حتى أصبحت جزءًا منها وبدأت أكتب بلغتها وأنشر في صحفها وأفوز بجوائزها الشعرية.

الوطن في العالم العربي منفى بامتياز لأنه يفتقر إلى أبسط شروط العيش، وإلى غياب الحقوق وانعدام الفرص في العمل، وأشياء كثيرة.

* في حديثنا عن الوطن، ماذا يمثل العراق بالنسبة للشاعر صلاح حسن؟ هل له نصيب في تجربتك الشعرية والمسرحية؟

العراق هو كل شيء بالنسبة لي، لأنه ببساطة شديدة هويتي التي لا يمكنني العيش بدونها. لا يوجد إنسان يعيش بدون هوية. لن تصدق إذا قلت لك أن كل أعمالي تقريبًا عن العراق، فهو يعيش منذ أكثر من نصف قرن في حالة من الفوضى والحروب والانقلابات مما يشكل لي مادة دسمة للكتابة طيلة هذه الفترة وحتى هذه اللحظة. بعد سقوط الدكتاتور عدت للعراق أكثر من مرة وحاولت الاستقرار، لكن عبثًا، ومع ذلك نشرت فيه أكثر من كتاب وقدمت لي مسرحيات على مسارحه الكبيرة.

* الشعر، المسرح، الترجمة، أدب الرحلات، والكتابة للأطفال، لكن ماذا عن الرواية؟ ألن يسافر الشاعر صلاح حسن إلى ضفتها كما فعل أغلب الشعراء؟

بالفعل اتجهت إلى الرواية بعد تخطيط وانتظار طويل، وقد أنجزت رواية قصيرة عن احتلال داعش للمدن العراقية وسبي النساء وذبح غير المسلمين، وقد انتهيت من الرواية قبل شهر تقريبا وأنتظر أن أعيد قراءتها قبل أن أدفعها للنشر. كتابة الرواية تجربة فريدة وقد استمتعت بكتابتها، خصوصًا أن لي تجربة في كتابة المسرحية.