Print
زياد عدوان ومحمد أبو لبن

صادق جلال العظم (2):الزعيم كلمة ميّتة في القاموس الأوروبي

9 ديسمبر 2016
حوارات

أُجري هذا الحوار المطوَّل مع المفكر السوري، صادق جلال العظم، في شهر نيسان/إبريل 2016، نُشرت ترجمته الإنكليزية في العدد الأول من مجلة "A Syrious Look" الصادرة في برلين في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. تنفرد "ضفة ثالثة" بنشر الترجمة العربية للحوار مع العظم، الذي أجراه زياد عدوان ومحمد أبو لبن، بناء على اتفاق خاص مع هيئة تحرير المجلة.

هنا حلقة ثانية وأخيرة:

 

 

- أريد أن أعود إلى مسألة أدوات التعبير التي شهدناها في ثورات الربيع العربي إن كان في الثورة السورية أو الثورة المصرية. هل استطاعت الثورات أن تطور خطاباً مغايراً مستقلاً عن خطاب الأنظمة الحاكمة التي ثارت ضدها أم أن الخطاب الذي تُنتجه معتمد على مبدأ العدو. هل لدى الحراك في سورية مثلاً إمكانية تطوير هذا الخطاب المستقل المغاير؟

صادق العظم: على مستوى الخطاب واللغة يمكن تطوير خطاب يقوم على قطيعة كاملة مع السابق. لنأخذ نموذج أردوغان؛ بدأ بداية واعدة جداً، ولكنني فكرت وقتها أن المجتمع التركي ما زال مجتمعاً سلطوياً، على صعيد الثقافة اليومية العادية، بمعنى سلطة الأب والمدرسة والجامع. على هذا الصعيد فإنه ما زال سلطوياً، ربما يكونون أفضل منا بقليل، لكن هذه السمة عادت لتنعكس في سلوك أردوغان التسلطي و"السلبطجي" الذي وصل إليه. الشيء نفسه ينطبق على فكرة سورية الفدرالية وما قام به الأكراد. أخاف أن ينشأ في كل نقطة فدرالية في العراق أو سورية حافظ الأسد صغير، لأن الثقافة السلطوية معتادة على الزعيم، وتحتاج إليه. لن يكون التغيير سهلاً على الإطلاق. يحتاج الأمر إلى جهد ووقت. انظر إلى فدرالية أو كانتون الأكراد في العراق، على رأسه حافظ الأسد آخر. تخوفي أيضاً أنه بعد الثورة ستعيد الثقافة السلطوية إنتاج نفسها، أرجو في ذلك الوقت أن يكون النموذج أخف مما شهدناه ونشهده حالياً أن يكون مُسيطَراً عليه قليلاً.

- كيف تترجم كلمة الزعيم إلى اللغة الإنكليزية؟ أحاول كثيراً التطرق إلى هذا المفهوم في حديثي مع غير العرب عن أردوغان وحافظ وعبدالناصر لأشرح شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع. الزعيم ليس قائداً فحسب. ولم ترغب الأسماء السابقة في أن تكون قادة فقط، كانت رغبتهم أن يكونوا زعماء. لم أستطع أن أجد مرادفاً لهذه الكلمة في اللغة الإنكليزية؛ المرادف الشعبوي لهذه المفردة!

صادق العظم: إن أردت أن تجد مرادفاً عليك أن تعود إلى فترة كرومويل، ماذا كانوا يطلقون على كرومويل في أيامه؟ كرومويل لم يكن فقط محرراً وقائد ثورة، كانت لديه خصائص الزعيم. بعيداً عن الأوصاف التي أعطاها له المؤرخون، سأعود لأبحث عما كانت جماعة كرومويل ينادونه به، ما كُتب عنه في الشعر أو الجرائد. كانوا يمجدونه في القصائد أيضاً. هناك ربما ستجد كلمة مرادفة لكلمة الزعيم التي ستكون كلمةً ميتة في القاموس الأوروبي المعاصر. إن جزءاً من أهمية كلمة زعيم يأتي من الشحنة العاطفية التي تحملها والتي من الصعب أن تجدها في أوروبا. يمكن أن تبحث في الفرنسية مثلاً عما كان يُوصف به دانتون أيام الثورة الفرنسية.

 

مراقبة ما يصدر عن الأقليات

- في سورية لدينا مسألة الأقليات التي حاولوا الضغط بها على الحراك الثوري. أنت شخصياً كتبت نقد الفكر الديني، وانتقل اهتمامك بعد ذلك إلى نقد الفكر الإسلامي. هل ترى أن الأقليات بحاجة إلى نقد فكرها الديني أم أنها الآن في أكثر فترة تحتاج فيها إلى التمسك بالدين لتحافظ على وجودها؟

صادق العظم: إن أرادوا الحفاظ على وجودهم فهم ليسوا بحاجة إلى النقد، أما إن كانوا يريدون خلق وجود جديد يدخلهم في المجتمع بمنطق المواطنة والمساواة فلا بد لهم من النقد. وحالياً أي شيء عدا ذلك هو تحقيق للسيناريو الأسوأ على الأرض. قد يكون النقد في هذا الوقت صعباً، ولكن هناك بيانات تتحدث عن تصحيح، وإعادة نظر، وتوضيح، وأعتقد أننا نستطيع أن نعتبرها بوادر تتجه نحو النقد الذاتي. ومن هنا كان اهتمامي بما يصدر عن الأقليات من مراجعات وانتقاد ذاتي. وعلى هذا النسق كان اهتمامي على سبيل المثال بالأقاويل التي تتحدث عن وثائق لفئات علوية تفكك وجودها الديني عن سيطرة بشار الأسد، لكنني لم أستطع العثور على أيٍ من تلك الوثائق. يتطلب الحفاظ على الهوية عملية تكيّف وتوافق وتعايش، بدلاً من التشبث والتمسك والبقاء على الحال. في هذه الحالة تحتاج الأقليات إلى نقد فكرها الديني، جميع الطوائف وليس العلويون فقط.

عملياً، كتاب (نقد الفكر الديني) هو نقد الفكر السنّي ولذلك لم ينزعج الشيعة من الكتاب في تلك الأيام. المسيحيون انزعجوا أكثر. كان مصدر تخوفهم هو الرأي التالي: إن كنت أتعاطى مع ديني بهذا الشكل، فما الذي سأفعله عندما أتعاطى مع المسيحية. وقتها كان موضوع نقاش الدين والعلم في مصر ولبنان على أشده، في سورية لم يكن على ذلك المستوى. وكان هناك ترويجٌ لفكرة أن الإسلام والعلم توأمان سياميان لا ينفصلان. وتحديداً في لبنان، كانوا قد أقاموا الحوار المسيحي الإسلامي، طبعاً كانوا يكذبون في مسألة الحوار، وهذا ما قلته في الكتاب، فبدلاً من أن يكون حواراً تبيّن أنه تحضير للحرب الأهلية. لم أدخل في (نقد الفكر الديني) في الفقه، كان كتاباً عن نقد اللحظة الراهنة تلك. كان سائداً في ذلك الوقت مسألة التوفيق بين العلم والإسلام، فأخذت نماذج عن ذلك التوفيق ونقدتها. وقتها أدونيس تبنى الكتاب ودافع عنه في مجلة مواقف، ولكنه سكت بعد ذلك عندما أُثيرت قضية سلمان رشدي بعد ثورة الخميني. على ضوء هذا الأمر راجعت نفسي واعتبرت أن أدونيس كان باطنياً، بمعنى أنه يعمل ضمن مواقف الحرية والتغيير والإبداع، ولكن عندما أتت ثورة الخميني اعتبرها هي الإبداع والتغيير، ثورة ولاية الفقيه. فوصلت إلى قناعة أنه وقف مع كتاب نقد الفكر الديني لأنه عملياً نقد الفكر السني.

أريد أن أشير إلى نقطة أخرى في معرض حديثنا عن (نقد الفكر الديني). عندما كتبت "مأساة إبليس"، لم تكن مسألة نقد الفكر الديني حاضرة كثيراً في ذهني. ما كنت أفكر فيه وقتها هو أن لدي كل هذا التراث من القصص والأساطير الذي لم أعد أستطيع الاعتقاد به، ولم يعد هذا التراث يعنيني على المستوى الإيماني أو الاعتقادي. ولكن ماذا سأفعل به؟ أفضل ما ارتأيته هو أن أحوّله إلى أدب... دراما... أعطيه معنى مستمداً من وضعي الآن. وأنا أعرف المسرح وقرأت سارتر وابسن وشكسبير.. إلخ. أخذت قصة إبليس في القرآن وأعدت صياغتها على شكل تراجيديا، أو مثلما فعل سلمان رشدي عندما أخذ قصة الغرانيق وحولها إلى رواية. كان همي وقتها ألا تستأثر بي هذه الثروة، إنما أريد تطويعها حسب وضعي الحالي وموقفي من العالم الذي أعيش فيه واهتماماتي الراهنة. لا أعني بذلك اهتماماتي الشخصية بالضرورة بل الثقافية العامة. تلك كانت الفكرة من العمل على مأساة إبليس.


امتحان النصوص

- هل سيؤدي ما يقوم به داعش إلى مراجعة الفكر الديني السنّي؟

صادق العظم: داعش وضع الفكر الإسلامي، إن كان سنياً أم شيعياً أمام امتحان حقيقي، بمعنى النصوص التي يستند إليها داعش، هي نصوص القرآن. مثلاً اسأل شيخ الأزهر عن العبودية: هل هي حلال أم حرام؟ لن يستطيع تحريمها، سيلف ويدور. موضوع السبي، داعش يسبي، اسأل أيضاً عن هذا الموضوع، إن كان حلالاً أم حراماً ما حكمه الآن؟ سيلف ويدور أيضاً لأن النبي كان لديه سبايا. موضوع العقوبات، عندما أحرق داعش الطيار الأردني غطوها بآية من القرآن، آية الحرابة، الطريف في الموضوع، أن الأزهر الذي دان حرق الكساسبة استخدم الآية نفسها ليعاقب داعش بها؛ من أحرق الكساسبة جزاؤه الصلب والحرق والتقطيع. عدا عن ذلك، في كل ما قيل عن داعش لم يخرج أحدٌ من المفتين ليقول إن الصلب ممنوع في هذه الأيام. انظر إلى المناهج التي تدرّس في كلية الشريعة أو في الأزهر، ستجد المستند النظري لما يقوم به داعش الآن ولما قامت به طالبان سابقاً عندما هدمت تماثيل بوذا على اعتبار أنها أصنام.

- هل سيبقى مفهوم الدولة، بشكله الذي نعرفه؛ الجيوسياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، صالحاً كي يكون شكلاً للتجمع أم ستصبح الدولة مفهوماً بيروقراطياً بالنسبة للناس أكثر منها حاملاً للهوية؟

صادق العظم: لا أرى أنه سيكون هناك إعادة نظر في مفهوم الدولة من جهة العامل الجغرافي. أعتقد مثلاً أن العراق، كجغرافيا عامة، سيبقى عموماً هو العراق. ولكن كيف سيُقسّم من الداخل وإلى آخر ما هنالك فهذا أمر على المحك الآن، شيءٌ ما يحدث فيه الآن. سورية كذلك ولبنان والأردن، لا أرى أن تحولاتٍ كبرى ستحصل. ربما سنشهد دولاً فاشلة، هذا لا يمنع. لدينا العقدة القديمة المرتبطة بالتقسيم، كلما جاء الغرب فإنه سيقسّم المنطقة. ولكن هذه المرة لا أعتقد أنه سيكون هناك تقسيم، رغم الانقسامات الحاصلة حالياً. إحساسي أن الدول الكبرى تفضّل أن تتعامل مع شيء اسمه سورية بوضعه الجغرافي الحالي على أن تتعامل مع كانتونات متفرقة. أتوقع أننا سنشهد في سورية عملية إعادة بناء شبيهة بما حصل في لبنان، سيخرج حريري واثنان وثلاثة في سورية، سيكون مزيجاً من رأس المال الخليجي السعودي ورأس المال المحلي، إن كان رأس مال جديد أو رأس مال البرجوازية القديمة السورية. أظن أن المرحلة القادمة هي مرحلة ستلعب فيها البرجوزاية هذا الدور.




- هل تظن أن هناك صعوداً جديداً للبرجوازية ودورها في المنطقة؟ البرجوازية السورية من خمسينيات القرن المنصرم من عبدالناصر إلى حافظ الأسد إلى بشار الأسد هي من أكثر طبقات المجتمع التي شهدت دراما تحولات وتغيرات وصعوداً وهبوطاً وإعادة إحياء.

صادق العظيم: مع حافظ الأسد وبشار كانت برجوازية دولة. ولولا الدولة، لما استطاعت البرجوازية الجديدة المتمثلة برامي مخلوف وأشباهه تجميع ثرواتهم ومراكمة رأس المال. إن حصل تغيير ما، فالاحتمال الذي أتصوره هو غياب برجوازية الدولة، وستظهر البرجوازية التقليدية، ربما سيكون للدولة وقتها دور في إعادة توزيع الثروة. ما أتحدث عنه الآن هو تنبؤات من الصعب تأكيد أيٍ منها، ولكنني أرى أنه عندما تهدأ سورية لن يكون الاقتصاد موجهاً، هذا قد انتهى مع نهاية الحرب الباردة.

الخطر القادم من لبنان

- في إحدى السهرات في دمشق عام 2006، وكان فيها مجموعة من المثقفين والسوريين إضافة إلى أحد الضباط المقربين وقتها من بشار الأسد، يومها قلت للضابط: "لقد نجوتم من قضية مقتل الحريري، ولكنكم على وشك تلقي ضربة أقسى من التي نجوتم منها، هل أخذتم حذركم أم لا؟" رد الضابط باستعلاء: "نجونا وسننجو من أي شيءٍ قادم أيضاً!" من أين لك بهذه المعلومات في ذلك الوقت حول احتمال وجود ضربة أخرى قادمة؟ على ماذا استندت حتى ارتأيت أن هناك ضربة أقسى من موضوع الحريري؟

صادق العظم: لهذه الحادثة مرجعية يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار؛ قبل مقتل الحريري بقليل كان كيري في زيارة إلى دمشق وأقامت له السفيرة الأميركية وقتها حفلة عشاء وكنت أحد المدعوين. كان الموضوع وقتها قضية إميل لحود وفرضه على لبنان بالقوة. حفلة العشاء هذه كانت قبل مقتل الحريري بأسبوعين تقريباً. ركز خطاب أحد مسؤولي الحكومة السورية الذي كان حاضراً في العشاء على عدم وجود مشكلة بين سورية ولبنان، وتكلم عن روابط أسرية بين البلدين وما إلى ذلك.. يومها رددت على كلام ذلك المسؤول، إنه يتفّه المسألة، وإن المشكلة كبيرة جداً، وإن كان ثمة خطرٌ قادمٌ على سورية فسيأتي من لبنان. سألني كيري يومها بماذا تنصح أنت؟ قلت له إنني أرى وجوب إعادة انتشار للجيش السوري في لبنان؛ انسحاب من المدن إلى البقاع، وبشكل تدريجي يتم سحب الجيش السوري من لبنان بالكامل. قلت لكيري: غداً ستقابل الرئيس السوري أرجو أن تُناقش هذه المسألة على أعلى درجات الجدية. طبعاً ليلتها وصل تقرير إلى الأسد بأن صادق العظم يحرض كيري كي يضغط لسحب الجيش السوري من لبنان. وقتها ضجت البلد بهذه القضية.

في الوقت نفسه كانت هناك معطيات تدعو من يراقب الوضع في المنطقة إلى التوجس، فقد كانت أميركا قد استصدرت القرار 1559 من مجلس الأمن الذي يدعو لخروج كل القوات الأجنبية من لبنان. شرح الأميركان موقفهم وقتها، إنهم لزّموا لبنان لسورية مدة الحرب، والآن انتهى التلزيم. كان جورج بوش في أيامها يعطي كل يومٍ تصريحاً عن سورية ولبنان. بنيت جزءاً من قراءتي وتصوري لما سيجري على الضغط الذي اشتغل فيه الأميركان على هذا الموضوع. كان ضغطاً غير طبيعي، هذا ما جعلني أتوجس أن هناك شيئاً مخفياً أكثر بكثير مما ظهر لنا.

هناك تفصيل آخر يحضرني عن ذلك العشاء بعيداً عن الشأن اللبناني، سأل كيري المسؤولين السوريين الموجودين وقتها: "ماذا تفعلون في هذا الأيام؟" فأتاه الجواب من إحدى الموظفات الحكوميات إنهم بدأوا مشروع القروض الصغيرة، فاستغرب كيري وأربك الموظفة برده: "ألا يتنافى هذا مع كونكم دولة اشتراكية؟" لم تعرف الموظفة بماذا ترد على ذلك السؤال، فعقّب نائب رئيس الوزراء الذي كان حاضراً وقتها على السؤال، إن لدى الحكومة حالياً خطة خمسية لتحرير الاقتصاد، فأجابه كيري: "تحرير اقتصاد وخطة خمسية؟! كيف هذا؟ إما أن يكون لديكم خطة خمسية أو أن تحرروا الاقتصاد وترفعوا القيود عنه! هذان أمران لا يتماشيان مع بعضهما بعضاً". فأجابه نائب رئيس الوزراء بشكل صارم: "يجب علينا أن نسميها هكذا". كان تعبير تحرير الاقتصاد يُرضي أميركا والخطة الخمسية تُرضي تسمية سورية كدولة اشتراكية. عقّبت على كلام نائب رئيس الوزراء: إذاً فأنتم تضحكون علينا!... كان هذا جزءاً من المناخ الذي أوصل في النهاية إلى اندلاع الثورة.


فقدان مؤقت

- سنختم هذا اللقاء بالشتات السوري، ما الذي سنحصل عليه، إن قارنا الشتات السوري بالشتات الفلسطيني؟ هل تجد هذه المقارنة جائزة؟ من جهة تكوين ثقافة المنفى أو هوية المنفى؟ هل تتشكل هذه حالياً عند السوريين؟

صادق العظم: ليس لدى السوريين إحساس أنهم فقدوا بلدهم بشكل دائم، بينما ستجد هذا الإحساس عند الفلسطيني.

صادق العظم: عند السوري أمر فقدان سورية مرتبط بمن يسيطر على سورية، وبأنها بلد لم تعد صالحة للحياة في هذه الظروف، مثل العراقيين أيام صدام حسين؛ العراق موجود وسنعود إليه، ولكن عندما يرحل الطاغية. قناعتي أن القسم الأكبر من السوريين سيعودون. أنا أتساءل بالنسبة للفلسطينيين مثل شرابي وأبو لغد.. النجوم الفلسطينيون الذين لمعوا في أميركا، هل كانوا عادوا حقاً لو سنحت الظروف؟ إدوراد سعيد مثلاً، كتب "خارج المكان" ولكني سألت نفسي، وأعرف إدوراد جيداً، أين مكان إدوارد الصحيح؟ من يعرف إدوارد يعرف أن مكانه الصحيح هو جامعة برينستن وهارفرد وكولومبيا وليس رام الله أو نابلس. سيكون هناك سوريون على هذا المنوال، سيكون مكانهم الصحيح هو باريس أو واشنطن أو برلين، ولكنهم سيكونون النخبة أو يكونون مثل الذين يذهبون للعمل في السعودية، أي مهاجرين اقتصاديين يرسلون نقودهم إلى عائلاتهم في بلادهم الأصلية ويبنون فيها.

هل بقي هناك شيء اسمه سورية الآن؟

صادق العظم: (يضحك طويلاً) على الخريطة نعم.

- وعلى خريطتك الشخصية؟

صادق العظم: أنا لدي ولاء للبلد. كانوا في السابق قد منعوني من مغادرة سورية، وكلما أردت السفر كان علي أن أطلب إذناً من المخابرات، كان علي مراجعة ضابطٍ محدد. كان يقول لي وهو يعطيني إذن السفر، إن هذه عبارة عن بطاقة ذهاب بلا عودة، إن عدت فستعود إلى حالة منع السفر ذاتها وستعود إلي. كانوا يضيّقون عليّ كي أذهب ولا أعود. في إحدى المرات أجبت ضابط الأمن، إن بيت العظم هو الشام، سأعود. لو كنت أريد أن أكون مثقفاً عربياً في المهجر لفعلتها منذ زمن بعيد، مع احترامي لمثقفي المهجر، هم اتخذوا قرارهم وتصالحوا معه وأنا اتخذت قراري وتصالحت معه.

- ستعود الآن إن هدأت الأحوال؟

صادق: لا أظن أنني سأعيش حتى تلك اللحظة بسبب وضعي الصحي، لا أظن هذا ممكناً، ولكن إن حدث هذا فإني بالتأكيد سأعود.

 

(بورتريه صادق جلال العظم لأنس عوض، العربي الجديد)