Print
عماد الدين موسى

الجوائز الأدبيّة العربيّة.. ماذا قدّمتْ للمؤلف والكِتاب؟ (2/1)

30 يوليه 2019
هنا/الآن
هل تعد الجوائز الأدبيّة تدخُّلاً سياسياً في الفعل الكتابي لتحفيز العقل الإبداعي، أم هي فعل هيمنة على الكاتب؟ للجائزة قدرة ليست سحرية ولكنَّها مؤثِّرة. لقد حاز عليها عربياً نجيب محفوظ، وهي ليست كأيِّ جائزة؛ (نوبل) التي تُعتبر جائزة الجوائز. فماذا أضافت له، أم هو الذي أضاف لها كغيره من مبدعين حازوا عليها؟
لننظر إلى مبدعة أخرى مثل جوخة الحارثي التي حازت جائزة "مان بوكر الدولية" لأفضل عمل أدبي مترجم للغة الإنكليزية عن روايتها "سيدات القمر"؛ كانت قد كتبتها عام 2010 ولم يحتفل بها القارئ ولا الناقد العربي؛ بل نسيها مثل كثير من الأعمال الأدبية لكتَّاب عرب لا تجد مَنْ ينفض عنها الغبار، ولننظر كَمْ دراسة ومقالة كُتبت عنها حين فوزها بهذه الجائزة! أيَّ عقلٍ نقدي هذا العقل العربي؟!!
عربياً هناك العديد من الجوائز: جائزة نجيب محفوظ وجائزة الطيب صالح والجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" وجائزة "كتارا" للرواية العربية وجائزة زايد للكتاب وجائزة حمد للترجمة وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والأدب وجائزة عبد العزيز سعود البابطين وجائزة جامعة "فيلادلفيا" وغيرها. ماذا قدَّمت هذه الجوائز لِمن تُوِّج بها من الكتَّاب العرب وكيف ينظر إليها الأدباء؟
هنا الجزء الأول من هذا الملف الخاص:

 

فيصل خرتش (سورية):
صفعة الجائزة
كنا اثنان، أنا وصديقي الروائي، في غرفة من غرف مقهى الجميلية، وكانت ابنتي قد أرسلت لي أخبار جائزة الطيب صالح على (الواتس آب)، قلت لصديقي الصامت، لماذا لا تقدم على الجائزة، فقال: ليس عندي عنوانها، فأسرعت إلى هاتفي المحمول لأريه العنوان، وتذكرت أنني أحمل مجموعة من الروايات في (ملفاتي) وصديقي أيضاً قال: إنّه يحمل رواية، وهناك ورقتان يجب أن تلحقا بالرواية، واحدة عبارة عن طلب انتساب والأخرى تنازل عن طبع المخطوط وكان من المطلوب صورة حاسر الرأس.
صوّرت صديقي وتصوّرت، ودمجنا الكلّ، وأرسلنا بالبريد الإلكتروني كلّ هذه الأوراق بالإضافة إلى مخطوط الرواية. مرّ شهر، اثنان، ثلاثة، ونسينا الموضوّع، أنا وصديقي الروائي، وفي يوم شاهدت على بريدي الإلكتروني رسالة تقول إنّهم حجزوا لي على إحدى

شركات للطيران، سألت صديقي هل جاءك شيء، فقلب شفتيه، وصرت من يومها، أضرب أسداساً بأخماس، فقد أكون ضيفاً على التجمع، وقد أكون الثاني أو الثالث، لأنني لم أفكر بأن أكون الأوّل.
اتجهت إلى دمشق، تلك التي يسمونها قلب العروبة النابض، لقد كانت مدّة السفر طويلة، من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وجلست في الطائرة في حالة القرفصاء، هذا لأن كراسي الطائرة ضيقة، وهي بالكاد تتسع للركاب. وصلنا (نا هنا للتواضع) إلى الخرطوم، وكان هناك واحد سوداني ينتظرني، وقادني إلى الفندق، وكانت الساعة قد بلغت الخامسة صباحاً.
أغفيت صباحاً في الفندق، ونمت على فراش يتماوج تحت جسدي، والإفطار والغداء والعشاء في أعلى الطابق البرجي، وعندما نزلت إلى الطبقة السفلى، كانت هناك مجموعات يقود إحداها الروائي واسيني الأعرج، ومعه زوجته زينب الأعوج، الشاعرة، والاثنان من الجزائر، وجلست وحدي أراقب ماذا ستكون النهاية.
لم يبال بي أحد، وجاء الميكرو، ونقلنا جميعاً إلى قاعة المحاضرات وكانت واسعة، وأكثر من جميلة، تستطيع أن تقول إنّها تشبه نصف ملعب. وبدأت المحاضرات، ونحن نستمع إليها، وخلال ذلك علمت أن واسيني الأعرج هو عضو لجنة التحكيم، وضربت صحبة معه ومع زوجته التي كانت توزّع ديوانها على الملأ، وواسيني وزّع روايته "البيت الأندلسي" علينا، باعتبارها مطبوعة في الخرطوم، لكنه لم يقل لي شيئاً، بل على العكس فقد تجاهلني تماماً، يا أخي قل لي وأرجو ألا تخجل مني، هل جئت إلى هنا تكملة عدد، هل أنا الفائز الثالث أو الثاني، لكن واسيني لم يقل شيئاً إطلاقاً، وحانت اللحظة الحاسمة، فقد عملنا بروفه لأن نائب الرئيس سيحضر وهو سيوزع علينا الجوائز، وانتظرنا حتى المساء، وجاء نائب الرئيس، وبدأوا يندهون علينا، الجائزة الثالثة في الرواية، والجائزة الثانية، وعند ذلك أيقنت أنني فزت بالجائزة الأولى، وسحرني التصفيق، وطرت من الفرح، تمنيت أن أعانق الحضور، وأولادي وزوجتي وأخواتي، وكلّ الناس، وأدخلونا قاعة الشرف، وانهمر علينا الإعلاميون يسألوننا، وأنا كنت بحاجة إلى رشفة ماء، كي أقول لكم أنني ربحت الجائزة الأولى في مسابقة الطيب صالح.

 

سمير جريس (مصر):
تنشيط الحركة الأدبيّة
الجائزة تقدير للمبدع. لعمله. لإنجازه. تكريم لتاريخه في الكتابة أو الترجمة.
لكي تكون الجائزة كذلك، ينبغي أن تتمتع الجهة التي تشرف عليها بقدر معقول من الموضوعية والمصداقية والنزاهة. كما ينبغي أن تكون المعايير واضحة، وأن تكون هناك شفافية في الإجراءات. إذا حدث ذلك، فسيكون للجوائز دور كبير في تنشيط الحركة الأدبية في العالم العربي.
كنا قبل سنوات نشكو، وعن حق، من قلة الجوائز، ومن غياب التكريم للمبدعين. اليوم يشكو البعض من كثرة الجوائز التي تمنح لأعمال مشكوك في جودتها. والعيب ليس في الجوائز التي أتمنى أن يزداد عددها، العيب في بعض لجان التحكيم التي قد تختار، لأسباب كثيرة، أعمالا غير جديرة بالتكريم.
هذا شق. والشق الآخر هو التكريم المادي للحاصل على الجائزة، ولولا هذا التكريم لما استطاع

بعض الأدباء أو المترجمين مواصلة عملهم في ظل ظروف مادية صعبة، ومناخ لا يسمح للكاتب أو المترجم أن يعيش مما يكتب أو يترجم. هذا التقدير المادي يمثل طوق نجاة لكثيرين.
بالنسبة لي كانت الجوائز الثلاث التي حصلت عليها دافعا كبيرا كي أواصل السير في طريق الترجمة الشاق، لا سيما وأن لجان التحكيم في الجوائز الثلاث تمتعت بقدر كبير من المصداقية. الجوائز كانت أيضا دعما ماليا لا يستهان به، خاصة إذا نظرنا إلى مكافآت الترجمة الهزيلة في العالم العربي. ليس هناك مترجم أدبي في العالم العربي يستطيع أن يعتمد على الترجمة الأدبية وحدها لكي يحيا حياة كريمة (مع وجود استثناءات قليلة). وتزداد صعوبة الوضع عندما يعيش المترجم في بلد أوروبي ويترجم لدار نشر عربية.

 

عمران عز الدين (سورية):
الجوائز تفتقر إلى فنّ الإدارة
تُذكرنا الجوائز العربيّة بالأُعطيات والهِبَات الّتي كانت تُمنح قديماً من لدن الخلفاء والأمراء للشعراء النَهِمِينَ والمُتَيَمِينَ بالموائدِ العامرةِ بأطايب الطعام والشراب، تبدو تلك الجوائز أنَّها قد اختطت لِنفسها، بعد قصِّ الشريط الأحمر، أو التحديث العصريّ، مَسَاراً مُختلفاً، لكنَّها في حقيقة الأمر ما زالت ـ للأسف ـ أسيرةَ ما جُبِلَت عليه. فَتِلك الأُعطيات والهبات لم تكن جوائز بقدر ما كانت رشى، دَأَبَ الحكّام على دفعِها لشعراء كان يسيل لعابهم أمام بريق الذهب والدينار، ولن نجازف يقيناً إذا ما قلنا إنَّ جُلّ الشِعر العربيّ القديم كان شِعراً ارتزاقيّاً وولائميّاً. ما يمكنْ أنْ نعدّه جائزةً ـ يُعتد بِها ـ في تاريخ الأدبِ العربيّ هي تلكم المعارضات، والمبارزات الشِعريّة المُرتَجَلة الّتي كانت تشهدها أسواق الشِعر، وكانت تستمر لأيامٍ أحياناً، والجائزة/ الغَلبة فيها كانت تذهب للشاعر الأقدر والأجدر بالمُنَافَسَةِ، كانت الدنانير تذهب للشاعر الأفصح، الشاعر الّذي كان يجيدُ العومَ بكلِّ سَلاسةٍ في بحور الخليل قاطبة. نعم ثمّة جوائز، لكنَّها تفتقر لفنِّ إدارة الجائزة الّذي لا يتقنه للأسف القائمون على الجوائز والمسابقات العربيّة، هكذا تقول التسريبات، وهكذا تقول الكواليس، ثمّة تحضيرٌ للجائزةِ على قدمٍ وساقٍ، ولكنْ ثمّة أيضاً حِسابات

وتحضيرات وفنادق وبزنس ودور نشر ورجال أعمال ودعوات تخصُّ الجائزة، وهي أبعد ما تكون عن الإبداع، أو الهمّ الأدبيّ العربيّ، وكيفيّة السير به قُدماً نحو أفقٍ تَجريبيٍّ رحبٍ. لم تفلح هذه الجوائز بكلّ ثِقلها ومَالِهَا في أنْ تصنعَ أدباً (عليه القيمة)، أو أنْ تكتشفَ اسماً لأديبٍ يمكنّنا عدّه شيخ طريقة، بل كافأت مِنَ الكُتّابِ من قد بلغ به العمر أرذل القِصّص والروايات، وكافأت من وافقت أو واءمت توجهاته الكتابيّة والمؤدلجة، التوجهات ذاتها للجنة الحكم، أو فريق العمل المشرف على الجائزة. المشهد يقيناً ليس بهذا التطيّر الّذي سيقشعر له أوصال مَنْ في موقع المسؤوليّة وكرشه، إذْ تُمنح تلك الجوائز ـ في حالاتٍ طارئةٍ ـ لِعملٍ أَدبيٍّ على سويةٍ إبداعيّةٍ عاليةٍ. لِنتخذَ من جائزة البوكر للرّوايّة العربيّة مثالاً، فهي قد منحت جائزتها لروايّة "عزازيل" ليوسف زيدان في الدورة الثانية من المسابقة، وبغض النظر عن المُلابسات الإعلاميّة الّتي رافقت فوزها على أنّها روايّة مسروقة أو ما شابه، فلقد كانت الرّوايّة، تكنيكاً ومِعْمَاراً، مبدعة بحقٍّ، لكنَّ سلبيات بوكر وتجاوزاتها لا تغتفر البتّة، إذْ إنَّها (وَهَبَت) الجائزة في إحدى الدورات لكاتبةٍ عن عملٍ بائسٍ لها ولا يمت لجنس الرّوايّة بِقَشْرَةِ بَصَلَةٍ، كما أنها منحت الجائزة في دورةٍ أخرى لشابٍّ مُرتبكٍ لم تمر عليه في قاموسه الروائيّ (الثر) مفردة "مدقع"، فيقول ببلاهةٍ وعَبَطٍ: "فقر مدعق"، وفي لقاءٍ تلفزيونيّ؟ وأمام ملايين المشاهدين!؟. إنَّ ما حدث في الدورة الأخيرة من هذه المسابقة مثلاً يؤكّد أنْ لا أخلاق ولا ضوابط أو معايير تسير على نهجها الجوائز العربيّة، وهو الأمرُ الّذي لمْ تشهده حتّى البوكر الروسيّة الّتي تهيمن فيها المافيا على كلّ ما يبرق بأرض روسيا وسمائها، بل لم تشهده أيضاً البوكر الأفريقيّة، أفريقيا الّتي تُنعت بالجهل الرجيم من قبل القاصي والداني على حدٍّ سواء.
حال الجوائز العربيّة من حال العبث السياسيّ العربيّ الّذي خيّمَ بِظلاله التَعِسة ليس على الأدب فحسب، بل على كلّ مناحي وأوردة الحياة.  

 

د.علياء الداية (سورية):
صورة المؤلف
من اللافت للانتباه استمرارية الجوائز العربية وانتشارها في مجالات وبلدان كثيرة، وينعكس ذلك اهتماماً بالمؤلف والكتاب. فالجوائز متنوعة بحسب التخصصات، فمنها جوائز النقد، والإبداع كالأدب بأنواعه من رواية وقصة ومسرح ورحلات، وأدب الأطفال، ورسوم كتب الأطفال، وجوائز الترجمة. ومنها ما هو محلي ضمن بلد محدد، وما هو أوسع عربياً، وما يحتوي إسهاماً أجنبياً في لجان تحكيمه وفقاً للمنحى العالمي لبعض الجوائز. لجان التحكيم بعضها لجان معلنة متغيرة عبر دورات الجائزة، وبعضها لا يتم الإعلان عنه، ومنها ما يكون لجنة دائمة على شكل مجلس للجائزة.
هناك جوائز تقدم التشجيع لفئة من المؤلفين، حين تكون الجائزة متخصصة بالكتاب الشباب ضمن فئة عمرية محددة، أو حين تخصص للكتاب الأول لمؤلفه، أو حين تكون للمخطوط الذي لم ينشر بعد، حيث المنافسة محددة، مقابل الجوائز ذات الشروط الأكثر انفتاحاً حين لا تحضر الشروط السابقة.
وتقدم الجوائز تقديراً نوعياً للمؤلف أو المترجم حين يتم منحها له عن مجمل أعماله خلال مسيرته الأدبية، وهذا قد يجذب الإقبال الإعلامي، ويكون لإعادة إصدار أعمال المؤلف أو المترجم أثر في ثقافة الأجيال الجديدة ونشاط دور النشر الجديدة. الجوائز العربية متفاوتة جداً في مقدار المكافأة المالية المعلن عنها للفائزين، وهذا ما قد يقرن القيمة المعنوية للمسابقة أو الجائزة بقيمتها المادية.
إن حصول الكتاب على ترتيب في الفوز بالجائزة كالمرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو إدراجه في القوائم المرشحة لها يمنح فوائد للكتاب ومؤلفه، فيتم تداول اسم الكتاب، ويتحمس

القراء لاقتنائه، والاحتفاء به من خلال المقالات. أما التأثير في الاتجاه الآخر في غير صالح المؤلف فيكمن في بعض المؤلفين الذين سيقتصر تقديرهم لإبداعهم الذاتي على مدى صلاحيته للترشح للجوائز وموافقته لشروطها، ومن ثم الفوز بها، فيرى المؤلف صورته من خلال مرآة الجائزة فحسب، مما يزيد المسافة بينه وبين إبداعه.
بعض الجوائز قد تعطي الانطباع بأن معاييرها في التقييم والاختيار تعبر بشكل مطلق عن جودة الكتب، ولكن من البدهي أن كل جائزة منذ الإعلان عنها حتى الوصول إلى قائمة الفائزين محكومة بعامل الزمن، والقضايا والموضوعات التي تتقدم إلى الجائزة وتفوز أو لا تفوز بها ليست هي ذاتها قبل إعلان الجائزة، وليست ذاتها في السنوات القادمة، فهناك مدى واسع أمام إبداع المؤلف كل بحسب واقعه بمعزل عن التفضيلات المؤقتة.
ومن المشكلات التي يعاني منها القارئ والمؤلف، أن الاهتمام بالكتاب يكاد يقتصر على الحفل الختامي للجائزة، وقلما تطبع المخطوطات الفائزة أو يعاد طبع الأعمال في كتب صادرة عن الجائزة أو عن دار نشر، وقد تطبع ولا يتم توزيعها على نطاق واسع، فتكون بعيدة جداً عن أيدي القراء، مما لا يخدم الكتاب على المدى الطويل.

 

وجدي الأهدل (اليمن):
الجوائز والصدفة
بعد افتضاح العلاقة الجنسية بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون والموظفة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، قامت صحيفة الواشنطن بوست بإجراء استطلاع للرأي العام بين النساء، وطرحت عليهن هذا السؤال: "إذا عرض عليك الرئيس بيل كلينتون إقامة علاقة جنسية فهل توافقين؟". وجاءت الإجابات مفاجئة للجميع، إذ أجابت 50% من النساء الأميركيات بـ"نعم"، وأجابت 50% منهن بقولهن: "لا.. لن نمارس معه الجنس مرة أخرى"!!
وحال المبدعين العرب مع الجوائز العربية يشبه حال النساء الأميركيات مع الرئيس بيل كلينتون، فنصفهم يرغب فيها بشدة، والنصف الآخر يتظاهر بزهده فيها، لكونها مبتذلة وليست من مقامه!
وكلا الموقفين غير صحيح.. والأفضل أن يكتب المبدع مستمتعاً بما يقوم به، وبعد ذلك إذا كوفئ عمله بجائزة فأهلاً وسهلاً، وإذا لم تحدث هذه المفاجأة السعيدة فلا يغتم أو يحقد على الفائزين ومانحي الجائزة ولجنة التحكيم، ولينظر إلى المسألة كشيء ثانوي، فإتقان الكتابة الجيدة هو الهدف الأساس.
إن شر رذيلة يقع فيها مؤلف موهوب هي التعلق بالجوائز.. لأنه في حال لم يفز سوف يصاب بالإحباط، وينتج عن هذا الإحباط واحد من أمرين: إما أن يتوقف عن الكتابة، فنكون بهذا قد خسرنا موهبة ممتازة كانت في طريقها إلى النضج ولكنها انكسرت قبل تمام نموها، وإما أن ينحرف عن أصالته الفنية متوهماً أنها السبب في خسارته الجائزة، فيفقد ثقته في أسلوبه

ويستوحي في كتابته نماذج أسلوبية أخرى يراها جديرة بالجوائز والتكريم.
بالنسبة لي شاركت في معظم الجوائز العربية، بصفة شخصية أو بترشيح من دار النشر، ولكن التوفيق لم يحالفني في الظفر بواحدة منها، باستثناء جوائز صغيرة جداً كان عدد المشاركين فيها لا يزيد عن أربعة أو خمسة، وإحدى الجوائز فزت بها لأنني كنت المشارك الوحيد!
أتذكر أن النادي الأدبي اليمني بصنعاء أقام مسابقة للكتابة المسرحية في تسعينيات القرن الماضي، وحدثت المعجزة وحصل نصي المسرحي على المركز الأول والجائزة المالية الأكبر، ولكن الفائز بالمركز الثاني احتج على هذه النتيجة ورأى أنها غير عادلة، فأصدرنا بياناً مشتركاً نندد فيه بقرار لجنة التحكيم ونعلن رفضنا للجائزة جملة وتفصيلا! ويبدو أن عضواً من أعضاء لجنة التحكيم قد دعا عليّ - غفر الله له- فلم أُصب جائزة من يومها!
إنني أنصح أصدقائي من الأدباء الشبان بالمشاركة في كافة الجوائز المُعلن عنها، بشرط أن ألا يتعلقوا بالفوز، وألا يسمحوا للإحباط بالتسلل إلى أنفسهم في حال لم يحالفهم الحظ، وأن يحبوا الكتابة في ذاتها، فإن جريان القلم بما يعتلج في جوانحنا لهو المكافأة الحقيقية للمبدع، وأضرب لهم مثلاً بالروائي المصري نجيب محفوظ، الذي ظل يكتب بمثابرة عشرات السنين دون مطمح في جائزة.. وأما جائزة نوبل فكان حصوله عليها - كمبدع عربي- صدفة قد لا تتكرر سوى مرة واحدة كل مئة عام.

 

د. تحسين رزاق عزيز (العراق):
مواصلة الإبداع
الجوائز العربية للكتاب على الرغم من قلتها تمثل دعماً للكاتب وحافزاً له على الإبداع. إنَّ قلة دعم الحكومات العربية للمبدعين تجعل الكاتب يحلم بالحصول على مثل هذه الجائزة من أجل فوائدها المادية بالدرجة الأولى. وأعتقد أنَّ هذا الأمر يتساوى فيه جميع الكتّاب في العالم. فقد سمعت الكاتب الروسي يفغيني فودولازكين الذي فاز بجائزة البوكر الروسية عن روايته "لاوروس" يقول في حوار معه: الجائزة تجعلك لعدة سنوات لا تفكر في كيفية الحصول على

المال وتتفرغ كلياً للإبداع.
أما فيما يخص جوائز الترجمة فأبرزها جائزة الشيخ حمد للترجمة. وهذه الجائزة تأسست بالتعاون مع منتدى العلاقات العربية والدولية، وهي جائزة عالمية يشرف عليها مجلس أمناء مستقل، ولجان تحكيم محايدة، ولجنة تسيير احترافية. والجميل في هذه الجائزة أنها تحتوي على فئات مختلفة وبالإضافة إلى اللغة الإنكليزية تطرح في كل عام للجائزة لغة من اللغات الحية الأخرى.
والجائزة المهمة الثانية في مجال الترجمة هي جائزة الشيخ زايد للكتاب – فئة الترجمة. ولكن هذه الجائزة على الرغم من قيمتها المادية العالية إلا إنها تُمنح لكتاب واحد، وهذا يجعل فرصة الفوز فيها صعبة. لأن هناك الكثير من الكتب تصدر في العالم العربي مترجَمةً عن لغات مختلفة.
الجميل في هاتين الجائزتين المذكورتين أنه يمكن لجميع المترجمين العرب وغير العرب الدخول في المنافسة من أجل الحصول عليهما. وهناك ثمة جوائز للترجمة محلية وتقتصر المنافسة عليها على أبناء بلد معيّن، مثل جائزة الإبداع العراقي فئة الترجمة التي يقتصر التقديم لها على العراقيين حصراً، وجائزة سامي الدروبي في سورية التي تُمنح حصراً للسوريين وللمقيمين في سورية.
المبدع العربي، والمترجم على وجه الخصوص، يتمنى أْن يكون دعم الدولة أكثر ولا يقتصر على منح الجوائز، فالقيمة المعنوية للجائزة بالإضافة إلى قيمتها المادية تساعد الكاتب والمترجم على مواصلة الإبداع. وأقول بكل صراحة إني قبل عام قررت ترك الترجمة والتوجه إلى أي عمل آخر أكسب منه قوتي، ولكن الله أكرمني وفزت بجائزة الشيخ حمد للترجمة فئة الإنجاز. فساعدتني قيمتها المادية على مواصلة العمل الإبداعي في الترجمة والتفرغ كلياً له.