Print
هشام أصلان

يوسف شريف رزق الله.. رحيل الناقد الجماهيري

12 يوليه 2019
هنا/الآن
من المؤكد أن يوسف شريف رزق الله هو أشهر ناقد سينمائي عند الجمهور العادي في الشارع المصري، وربما العربي. وللدقة، هو الناقد السينمائي الوحيد الذي يعرفه هذا الجمهور، وإن لم يعرف المُسمى المهني. المفارقة، وعكس المُعتاد، أن هذه الشهرة باتت مساحتها أضيق، وأكثر نخبوية، عند الأجيال الأجدد، التي كبر أبناؤها مع انتشار وسائل التواصل والمعلومات والسوشيال ميديا.
رحل يوسف شريف رزق الله بالأمس، عن 77 عاماً، بعد فترة مرض.
والراحل يعني بالنسبة لجمهور الشارع المصري، قبل انتشار الفضائيات، مجموعة من برامج لفزيونية شهيرة، أعدها وقدم بعضها مثل: "أوسكار"، و"تلي سينما"، و"سينما في سينما"، فضلاً عن كونه كان ضيفاً دائماً جميلاً على برامج سينمائية أخرى، تمحورت كلها كما هو واضح حول الأفلام وصناعتها، غير أن تلقيه الجماهيري هذا لم يكن سببه، فقط، حضوره الدائم على الشاشة، ولكن كان بسبب ملكة ملحوظة في مساعدة المتفرج على تلقي ما هو نخبوي في صناعة الأفلام بسهولة، وذلك عبر نقد شفاهي وشرح بسيط لعناصر الفيلم، فضلاً عن المجيء من مهرجانات السينما في العالم بالكثير من المعلومات التي كان يعرضها بشكل جميل ومشوق، وذلك في بعض البرامج كان ضمن فقرة تصاحب عرض فيلم السهرة، التي تنتهي على الأكثر
عند منتصف الليل أو بعده بقليل
بينما يعني يوسف شريف رزق الله، بالنسبة لأهل هذه الصناعة، عدداً من المعاني المهمة، ذلك أنه يُعد مثقفاً سينمائياً موسوعياً، ومرجعية لكثير من المهتمين بهذا الشأن، سواء عبر وجه الناقد والصحافي الكبير، المشحون بموهبة وخبرة قوامها الاحتكاك النظري والعملي بأحوال السينما في العالم، أو عبر مشاركته الفعالة والحيوية في الفعاليات السينمائية المهمة والفنية والإعلامية في مصر، كان منها عمله رئيساً لتحرير النشرات الإخبارية فى مراقبة الأخبار باتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئاسة قناة النيل الدولية، ورئاسة قطاع التعاون الدولي بمدينة الإنتاج الإعلامي، ورئاسة جهاز السينما بالمدينة، وربما كان آخرها، وأهمها سينمائياً، منصب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وطبعاً مشاركته في لجان التحكيم في عدد من مهرجانات السينما الكبيرة في العالم؛ قيمة أهّلته لنيل وسام الفنون والآداب بدرجة فارس من الحكومة الفرنسية.
وربما أصاب بيان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الدقة، في نعي الراحل، حين اعتبره أباً روحياً لكل العاملين في المهرجان: "نعى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، برئاسة المنتج والكاتب محمد حفظي، بكل الحزن والأسى المدير الفني للمهرجان، الناقد السينمائي الكبير يوسف شريف رزق الله، الذي هو أب روحي لكل العاملين بالمهرجان، وقامة سينمائية وإعلامية كبرى ساهمت في قيادة دفة المهرجان على مدار أربعين عاماً، منذ أن كان سكرتيراً فنياً له عام 1978، ومديره الفني منذ عام 2000، ليساهم بكل جهده في دفع المهرجان للأمام، بعد أن منح الحياة السينمائية عمره، وتتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من النقاد والسينمائيين، وعلامة فريدة في عالم السينما، ليس في مصر فقط بل والعالم العربي أجمع، وإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معاني النبل والشرف".
لوقع رحيله إذاً أكثر من طبقة للتلقي والحزن. فبينما اهتم أهل السينما على اختلاف تخصصاتهم برحيل أستاذ كبير وأحد أثقل المراجع الحيّة في مجاله، كان هناك، في دائرة أوسع، تجل لحالة ليست صغيرة من حالات النوستالجيا المتأهبة للاستيقاظ دائماً عند أبناء المرحلة العمرية التي
حول الأربعين. هؤلاء الذين صادفت طفولتهم دخول التلفزيون الملون بثلاث قنوات أرضية، وقضوا سنوات كثيرة مع عدد محدود من البرامج المعروفة، كان ليوسف شريف رزق الله نصيب كبير منها، حيث لم يكن لدينا متسع من أفق الاختيار للفرجة، وتسمّرنا مضطرين أمام ما تعرضه الشاشة الصغيرة، ما شكّل ذكريات مشتركة. كنا محظوظين بمراهقة وشباب يربط بين ما قبلنا من حدود شديدة الضيق للتسلية ومصادر المعلومات، وبين ما بعدنا بانفتاح لا حدود له على العالم، غير أننا احتفظنا بحق عضوية ذلك اللوبي الكبير المسمى بـ"مواليد السبعينات والثمانينات"، حيث لا يحتاج أحدنا لكلام كثير يشرح به مشاعره تجاه أحداث مثل هذه. لذا، بمجرد قراءة خبر رحيل يوسف شريف رزق الله، توقعت ما ستقع عليه العين في منشورات الأصدقاء حول ذاكرة الطفولة والمراهقة التي يختفي أصحابها تدريجياً برحيل تلو الآخر.