Print
بروكسل- ضفة ثالثة

احتفاء بالشعر والرواية الفلسطينيين في بروكسل

6 نوفمبر 2019
هنا/الآن

استضاف "أتيليه كيتو" في بروكسل ضمن برنامجه الثقافي الشهري أمسية شعرية وروائية احتفاء بديوان الشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة "ثقوب واسعة" الصادر عن دار المتوسط ورواية الروائية الفلسطينية نسمة العكلوك "نساء بروكسيل" الصادرة عن دار الأهلية. وأدار القاص والكاتب المغربي علال بورقية الحوار بين الكاتبتين واستهله بمقدمة ترحيبية بالجمهور الذي غلب عليه الطابع العربي وبالكاتبتين اللتين صادف أنهما قادمتان من مدينة غزة بفلسطين مما أكسب الأمسية طابعاً فلسطينياً بامتياز.

كتاب أسود لأحوال الجسد
في معرض تقديمه لديوان "ثقوب واسعة" وصفه بورقية بأنه "الكتاب الأسود لأحوال الجسد، فهو جرد لشروخات الروح وتشظيها، نكاد نسمع عواء هذا الجسد في الديوان، كتبت قصائده بمزاج سوداوي سيء، لكنه شُيِّد بتوفيق مبني على وحدة موضوعية وعلى وحدة قاموس شعري حيث مفردات الجسد هي المهيمنة"، وهو الأمر الذي اتفقت معه الشاعرة في ردها حيث قالت "إن عالم الديوان كان سوداوياً لأنه كان وليد مرحلة ما بعد التأقلم على الاغتراب، مرحلة التساؤل والاستغراق في الذات ولذا أتفق تماما على كونه ذاتياً وسوداوياً رغم أن هناك إشراقات هنا أو هناك حيث أن حضور الحب أيضاً في الديوان صنع توازناً ما حال دون إغراقه في السوداوية".
تحدث بعدها بورقية عن أن "الثيمة الغالبة في الديوان هي ثيمة الموت والحب والجسد ومن خلال هذه الثيمات تعبر عن حالة اغتراب فهل كان لتغيير المكان تأثير على تغيير هذه الثيمات؟"، ثم سأل الشاعرة عن قدرتها على "إثارة هذا النوع من الموضوعات في مكانها القديم". وأجابت الغرة: "بداية لا أؤمن بصيغة الفرضيات وأقصد بها "لو كنت" لأني لا أعرف كيف يمكن أن أكون لو بقيت هناك لكن ما يمكنني قوله إن الأسئلة الجوهرية التي أوجهها لذاتي تنبع من فهمي لهذا الجسد من خلال مساءلتي له فهو الرفيق الأقرب لي وما يسكنه هو الصاحب الدائم كما أنه يكون العدو أحياناً وبالتالي أقيم حوارية معه، أسأله وأتلقى منه أجوبة أحياناً وأفهم من خلاله الكثير عن نفسي وعن الكون وعن الإنسان وعلاقاته المتشابكة". وبالنسبة إلى السؤال حول فرضية فيما لو، أضافت الغرة أن "النصوص التي كتبتها في غزة اختلفت عن التي كتبتها في الغربة حيث طغت الحمولة الشعرية الثقيلة على النصوص في غزة رغم الانحياز إلى كسر التابوهات وفق قناعة راسخة بأن الشعر كائن حر إلا أنه يبدو أنني كنت أقنعه بتلك اللغة ثقيلة الوزن والتي انتبهت بعد سنوات الغربة أنني تخلصت منها وجنحت لغة الكتابة عندي إلى البساطة أكثر والمفردات التي تخلص للشعر بعيداً عن تزيينه باللغة". وتبع الحوار مع الشاعرة قراءات لقصائد متفرقة من الديوان.

نماذج نسائية منتقاة بعناية
في تقديمه للروائية العكلوك قال بورقية "تقدم الروائية الفلسطينية نسمة العكلوك روايتها الجديدة (نساء بروكسيل) كتشكيلة من بورتريهات نساء عربيات في أغلبهن. وتسرد فصول الرواية نتفا من حيوات وهموم هؤلاء النسوة، كما تعود بنا إلى ماضيهن من خلال عرض الكثير من التابوهات مثل البكارة والعنف الذكوري المسلط عليهن، والعلاقات المقامة خارج إطار الزواج. لكن حاضر نساء بروكسيل، وعلاقتهن الإشكالية مع الرجال، يشكل صلب المتن الروائي. وتبدو هذه النماذج النسائية منتقاة بعناية، ومستلهمة من معادلات موضوعية في الواقع. وتصل الاختلافات الجوهرية بينهن حدا يجعل فن البورتريه يرتقي إلى الشكل الروائي (سعاد التونسية المتحررة، لور الفلامنكية المتعاطفة اللامشروطة مع الفلسطينيين وقضيتهم، مريم العراقية والموزعة بين أستاذ جامعي يكبرها سناً وبرونو، سارة الفلسطينية المولعة بالتصوير الفوتوغرافي، ومها السورية والأكثر ضياعا ربما بسبب ضياع والدها جراء مرض ألزهايمر)".
بعد قراءة مقاطع من الرواية ناقش بورقية الكاتبة في نساء روايتها متسائلاً عن سبب ضعف حضور المرأة المغربية مع أنها تمثل أغلبية في بلجيكا، فأجابت العكلوك بأنها رصدت قصص نساء التقتهن ولم تتقصد أن تضع خريطة للجنسيات العربية الموجودة في بلجيكا.
وكان للجمهور مشاركة في طرح الأسئلة المتعددة على الكاتبتين ساهمت في خلق حالة تفاعل. وعبر الكثير عن سعادتهم بهكذا نشاط مثل الصحافية المغربية نعيمة عبدلاوي التي أبدت سعادتها بحضور هذا اللقاء خاصة لأنه "سمح لي باكتشاف قلمين نسائيين عربيين من أصل فلسطيني، وطبعا الحضور المغربي القديم في بلجيكا منحنا أقلاما نسائية تكتب بلغات البلد الوطنية الفرنسية أو الفلامانية، لكن للعربية أيضا حضور في بلدنا كلغة للإبداع والجمال ألهمت كثيرا من العربيات والعرب هنا، خصوصا الذين أخذوا تعليمهم الأول في بلدانهم الأصل، ولأن الشعر العربي يظل عشقي الأول والرواية تستهويني وأينما كان أجدني كفراشة تبحث عن الرحيق".
واختتمت الغرة الحديث في الأمسية بتوجيه كلمة خاصة عن الشاعر الكبير أمجد ناصر الذي رحل منذ أيام متحدثة فيها عنه كشاعر يعتبر مدرسة شعرية أثرت في أجيال من الشعراء إضافة للصداقة التي كانت تجمعها به، ثم شكرت القائمين على هذه الفعالية، فيما أكدت العكلوك أنها "كانت تجربة جميلة أن تُحتضن أصوات عربية في الشعر والرواية في أتيليه كيتو الحميمي المزين باللوحات والكتب المبعثرة في كل اتجاه بشكل يسر العين وهذا يعكس صورة جميلة عن الفن ويجمعه سويا مع الأدب ليدفيء الروح"، مؤكدة أن "الحوار مع الكاتب المغربي علال بورقية الذي قاد الحوار في الأمسية الشعروائية كان متعمقا في تفاصيل الرواية والكتاب الشعري مما جعل العمل حيا للحاضرين وجعلني ممتنة للقراءة الجادة واهتمامه بالتفاصيل التي أثارت الفضول ودفعت الجمهور إلى التفاعل وطرح الأسئلة".


قيمة تعريفية وتفاعلية
الكاتب ومدير الأمسية علال بورقية أوضح فيما بعد لـ"ضفة ثالثة" أهمية تنظيم هكذا فعاليات عربية في بلجيكا فقال "إن مواعيدنا الثقافية والفنية لها دور في مواكبة وتغطية كل إنتاج إبداعي جديد؛ هذه المواكبة موجهة لجمهور يعكس أكثر من أي جمهور آخر في بيروت أو القاهرة أو الرباط التنوع العرقي والديني لعالمنا العربي، وتماشيا مع وعينا بضرورة أن يصل النص الإبداعي المهجري إلى جمهوره، فنحن نسعى من خلال أنشطتنا إلى الحثّ على الاشتباك به ويأخذ هذا الاشتباك طبعا شكل قراءة أو مساءلة صاحبه حول حيثيات وتفاصيل العمل المقدم، وأعتقد أن هذه الخطوة هي الإضافة الحقيقية إلى المشهد الثقافي في أوروبا؛ إذ لا تكتسب المعادلة الثقافية والفنية معناها الحقيقي خارج هذا المتلقي الذي يجب البحث عنه باستمرار".
أما الفنان التشكيلي السوري كيتو سينو، المضيف والمنظم لهذه الفعاليات، فأكد أن "قيمة تنظيم هكذا فعاليات هي قيمة تعريفية وتفاعلية، حيث أن الاصدارات الجديدة المكتوبة باللغة العربية بحاجة إلى كواشف تجعل أكبر عدد من المهتمين يطلع عليها ويتفاعل معها وأن يُعكس هذا التفاعل بينهم من خلال اللقاء في مكان له طابع فريد سواء في الحوار أو مفهوم المكان حيث أن الأتيليه وإلى الآن استطاع أن يبني أسلوبا خاصا به في تقديم المنتوج الأدبي من حيث العلاقة الحرة بين المكان والمحاور والجمهور، وهذا انعكس بوضوح على طريقة تفاعل المهتمين بالمنتوج والمبدع وفيما بينهم وهذا جزء مهم مما نريده بالإضافة إلى الناحية الجمالية وإنمائها، من خلال الأجواء الخاصة للمكان ونوع من التحدي للشروط المؤسساتية .. إلخ. وبالنسبة للنشاطات باللغة العربية فقد نشأت الفكرة عندما طرح علي الصديق الكاتب هوشنك أوسي أن نقيم بعض الأمسيات باسم رابطة الكتاب السوريين حيث أدار هذه الأمسيات وفي هذه الأثناء تصادقنا أنا والكاتب علال بورقية والذي بدأ ينشئ أمسيات تحت اسم أتيليه كيتو". وما هو جدير بالذكر، كما يضيف كيتو، "أنني رأيت أن كاتبتين من فلسطين كسرتا احتكار الأتيليه من جانب الذكور، وأثارتا قريحة الجمهور حول ما أرادتاه، بعد أن سمع فاتنة الغرة وهي تكمل كسر التابوهات شعرا وبإلقاء فيه خصوصية، ونسمة العكلوك التي جعلت حضور المرأة في المكان أكثر كثافة بروايتها".