Print
بوعلام رمضاني

"المتوحشون".. رد فني على مثقفي المتاجرة بـ"الخطر الإسلاموي"

3 أكتوبر 2019
هنا/الآن
لا يمرّ يوم في فرنسا إلا ويتبيّن أن عنصرية المثقفين الإعلاميين في معظمهم قصيرة العمر ومحدودة التأثير فكريا وسياسيا لأنها تفتقر إلى الواقعية وتقطر حقدا دفينا فقط، الأمر الذي يجعل منها ورقة أيديولوجية خاسرة أمام حقائق تنسف بمشروع "الاستبدال الكبير" النظرية التي يروج لها رونو كامو وأريك زمور، والتي تعني استبدال الفرنسيين الأقحاح بآخرين عرب ومسلمين ينهبون أموال الخزينة العمومية ويعادون العلمانية ويسعون إلى إرساء جمهورية إسلامية في مهد العلمانية. هذه النظرية التي جمعت مؤخرا في ندوة الشابة ماريو مارشال الساعية إلى خلافة قريبتها مارين التي تترأس التجمع الوطني وأريك زمور ورونو كامو، فشلت فشلا ذريعا قبل رفض عائلة الرئيس جاك شيراك طلب زعيمة الجبهة العنصرية المعادية للعرب حضور جنازته إلى جانب سعد الحريري الذي خلف والده رفيق على رأس الحكومة اللبنانية، والذي كان أقرب أصدقاء الراحل إلى درجة مكنته من الإقامة في شقة صديقه الذي رحل قبله في عملية اغتيال ما زالت تسيل الحبر والدموع.



فشل العنصريين مجدداً
بعد أن باءت مناورة الزعيمة السياسية لنظرية "الاستبدال الكبير" بالفشل في ربح تعاطف ناخبين مستهدفين من الفرنسيين والعرب، فشل أيضا ممثلها أريك زمور الذي بنى شهرته بالترويج لخطر ذوبان الهوية الفرنسية بسبب زحف الإسلاموية على الأخضر واليابس في فرنسا، وذلك بعد الوقع الطيب والكبير الذي تركه مسلسل "المتوحشون" التلفزيوني الذي برمجته قناة "كانال بلوس" ليلة الرابع والعشرين من الشهر الماضي. هذا المسلسل الذي نجح على كافة المستويات الفنية حسب معظم النقاد المتعاطفين مع طرحه أم لا، أضحى صفعة فنية قوية في وجه عنصريين يرون أن الفرنسي الأسمر يبقى في كل الأحوال خطرا على هوية أصحاب البشرة الشقراء والعيون الزرق مهما قدم من ولاء سياسي ومن خدمات اقتصادية وثقافية لأمة فولتير وبودلير وموليير، ولم يكن عنوان "المتوحشون" كما يطلق زمور على العرب والمسلمين الذين يقطنون الضواحي المهمشة إلا رمزية ناطقة بذكاء مهني وفكري رد أصحابه على العنصريين بفريق تمثيلي عربي الأصول والبشرات، وهو الفريق الذي أسعد المتفرجين الفرنسيين وغير الفرنسيين ولم يهدد هويتهم كوحوش كما بينت ذلك  باقتدار كبير مخرجته ربيكا زلوتفسكي.

أوباما فرنسي غير إسلاموي

 الفنان رشدي زم
نجاح العمل انطلق من رواية الفرنسي الجزائري الأصل صبري الوضاح الذي رد عبر حديثه لـ"إذاعة فرانس إنفو" يوم عرض الحلقة الأولى على الروائي ميشيل ولبيك الذي تنبأ في روايته "خضوع" بوصول رئيس إسلامي إلى سدة الحكم في فرنسا خلافا لما يتنبأ به مسلسل "المتوحشون" الذي يترشح فيه الممثل الكبير البطل رشدي زم إلى رئاسة الجمهورية في حلة أوبامية نسبة إلى الرئيس الأميركي السابق أوباما، الذي خرج من رحم مجتمع سمح للسود بلعب دور هام في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية رغم كل محاولات التهميش بفضل ثقافة لم تجعل من الإسلام عدوا أيديولوجيا رغم تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. والمسلسل الذي قدم في ست حلقات لا ينطق بروح عربية كما يقول العنصريون لأن معظم الممثلين والبطل من أصول عربية ومغاربية بوجه خاص، لكنه فرنسي قلبا وقالبا، وأبدع كل صناعه كتابة وإخراجا وتمثيلا في أسر المتفرجين رغم أنوف المتاجرين ببشراتهم وبانتماءاتهم الأصلية، وإذا كان البطل إيدير شاوش (رشدي زم) قد سبق أن أكد موهبته التمثيلية في أكثر من فيلم شأنه في ذلك شأن أميرة قصار، فإن دالي بن صالح وسفيان زرماني قد برزا كموهبتين سيلقيان استحسان النقاد أكثر من أي وقت مضى بسبب تقمصهما دوريهما باقتدار لا يقل عن مثيله عند زم الذي سبقهم إلى الشهرة منذ عدة أعوام. والشيء الذي جنن قبيلة زمور اليمينية المتطرفة لم يكمن في مبدأ تصور رئيس فرنسي من أصل عربي وغير متوحش وغير إرهابي فحسب بل في التعايش العرقي الذي يراه خطرا على المجتمع الفرنسي والمستورد من البلدان الأنجلوساكسونية، وطغيان الأسماء الفرنسية من أصل عربي في المسلسل الذي جمع بين الروح الرومانسية والنزعة البوليسية الواقعية والمعالجة الأميركية لم يكن إلا ترياقا في الجسم العنصري الذي تمثله نخبة اجتمعت مؤخرا لتأكيد خطر الاستعمار العربي والإسلامي لفرنسا على حد تعبير كبيرهم زمور الأمازيغي والجزائري الأصل.

إن أسماء أميرة قصار وسهيلة يعقوب وشاهين بومدين وكريمة عماروش وفريدة رواج ولينا خذري وإلياس قادري كلها تشكل كابوسا أبديا في أحلام يقظة ونوم زمور. فهو يريدهم وحوشا وأضحوا صناعا للسعادة بالصوت والصورة.