Print
نجيب مبارك

جائزة الأركانة العالمية للشعر 2019 تختار الأميركي تشارلز سيميك

16 أكتوبر 2019
هنا/الآن
اجتمعَت لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالميّة للشعر، التي يَمنحُها بيت الشعر في المغرب، والتي تكوّنَت من الشاعر حسن مكوار (رئيساً)، والمترجم تحسين الخطيب، والشعراء حسن نجمي (أمين عام الجائزة)، ونجيب خداري، ومراد القادري، ونبيل منصر، ونورالدين الزويتني، والناقد خالد بلقاسم، وأعلنت أن جائزة الأركانة العالميّة للشعر للعام 2019 قد آلت، في دورتها الرابعة عشرة، إلى الشاعر الأميركي تشارلز سيميك، الذي لم تتوَقّف قصيدته، مُنذ ستينيات القرن الماضي، عن الحَفر في شِعاب الألم الإنسانيّ، وفي طيّات القلق الوجوديّ، وعن توسيعِ أفُق المَعنى، وتطوير الشكل الشعريّ.


شاعر يتحدى التصنيف
بحسب بلاغ هذه اللجنة، يتحدّى شعر تشارلز سيميك كُلَّ تصنيفٍ مُطمئِنٍّ إلى معاييرَ ثابتة. ويبدو مَسارُهُ الكتابيّ، الذي يَمتدُّ لأكثر مِنْ نصف قرن، كما لو أنّهُ يَنمو مُحَصَّناً ضدّ كلّ تصنيف جامد. فبقدر ما تنفَذُ قصائدُ سيميك إلى آلامِ الإنسان وأهوال الحياة، تنطوي أيضاً على بُعدٍ ميتافيزيقيٍّ يَخترقُها ويَكشفُ فيها عمّا يفيضُ عن الواقعيّ، وعمّا يُؤمِّنُ للمعنى سَعَتَهُ وشُسوعه وتَعَدُّدَ مَساربه. كما تنطوي، فضلاً عن ذلك، على تكثيفٍ فكريٍّ، ونَفسٍ تأمّليٍّ مَشدوديْن إلى مَقروءٍ مُتنوِّع.
لربّما كان نفاذُ قصائد سيميك إلى طيّات الواقعِ البعيدةِ هو ما حَدا بدارسيه إلى الحديث عن 
المسْحَةِ الواقعيّة في شِعره، غير أنّ هذه المسحة لا تنفصِلُ، من جهة، عن رهان شعريٍّ مَكين، ولا تجعلُ، من جهة أخرى، شعرَهُ واقعيّاً بالمعنى الضّيِّق لهذ التصنيف، ولا قابلاً لأن يُختَزَل أساساً في هذا التصنيف. إنّها مسحةٌ تُجدِّدُ فَهمَ الواقعيِّ، وتُلامسُ، في حَفْرها عن اللامَرئيّ في المَرئيّ، تُخومَ السرياليّةِ، لا بوَصف السرياليّة تصوُّراً كتابيّاً في مُمارسةِ سيميك النصيّة، بل بما هي خَصيصةُ واقعٍ فادحٍ في بُؤسه؛ سرياليّة تتكشّفُ من داخل التّوغُّل الشعريِّ في الحَفر عن المعنى، أي من قُدرة شعر تشارلز سيميك على النفاذ بعيداً في طيّات الواقع، والعُثور فيها على ما لا يُرَى. فشعرُ سيميك مُنشغِلٌ باللامَرئيِّ المَحجوب بالمَرئيّ. وفداحةُ ما يتكشّفُ من اللامرئيِّ في الواقع وأهواله تَجعلُ السرياليّة، التي قد تتبدّى في بعض نُصوص الشاعر، مُتحصّلةً لا عن اختيار كتابيٍّ، بل، أساساً، عن الصُّورة التي بها يتكشّفُ الواقعيُّ، بَعْدَ أن يَنفُذَ الشعرُ إلى أغواره.
ولعلّ رهانَ تشارلز سيميك على استجلاء الخَبيء واللامرئيّ في واقع الإنسان، وعلى استغوار القلق الوُجوديّ المُخترِق لهذا الواقع، هُو ما يُفسِّرُ، بصُورةٍ ما، الحُضورَ اللافتَ للأشياء في شِعره. إذ تَحضُرُ الأشياء، في قصائده، عبر آليّةِ الانكشاف. كما لو أنّ شعرَ سيميك لا يَتوَجّهُ إلى الأشياء إلاّ كي يُحرِّرَها مِن كُلّ ما يَعمَلُ على حَجْبها. إنّهُ شعرٌ مُنشغِلٌ بالكشْف عما يُحْجَبُ في الأشياء.

 

تفاعل بين الشعر والنثر
وتضيف اللجنة: "إن المَسار الكتابيّ للشاعر تشارلز سيميك رافدٌ من الروافد التي أغْنَت الشعرَ بوَجْهٍ عامّ، والشعرَ الأميركيّ بوَجْه خاصّ. ويقومُ توَجُّهُ قصائد تشارلز سيميك إلى اللامرئيّ، وإلى الأشياء على وَعْيٍ شعريٍّ مَكين، فيه يتبدّى الرهانُ بجَلاء على الشكل الكتابيِّ، انطلاقاً

ممّا يَصِلُ هذا الشكلَ بالمعنى، ومِمّا يَحكمُهما من تفاعُلٍ وتداخُل. لقد ظلَّ الانشغالُ بالبناء، في مُمارسة الشاعر تشارلز سيميك النصيّة، غيرَ مُنفصلٍ عن بناء المَعنى، إذ بقدر ما انحازَ البناءُ الأوّل، في هذه المُمارَسة، إلى الإمكانات التي يُتيحُها التداخلُ بين الشعر والنثر، انحازَ الثاني إلى نَفَسٍ نقديٍّ وتفكيكيٍّ يَقتاتُ السخريّةَ ويُوَلِّدُها في آن. ومن ثمّ، إنّ قصائد سيميك حرَصَت على استثمار إمكانات التفاعُل بين الشعر والنثر بغايةِ تجديدِ البناء النصيِّ، وتخصيب الشعريِّ، وتطوير الشكل الكتابيّ، بالقدر ذاته الذي حرَصت فيه هذه القصائد على تَمْكين المعنى الشعريّ مِنَ النهوض بتفكيك السُّلَط، والاحتفاء بالإنسان وقِيَمه، وترسيخ السخريّة في فَهْم الأشياء وتأوُّلها.
ومع أنّ الشاعر تشارلز سيميك يَكتُبُ، مُنذ ستينيّات القرن الماضي، بوَتيرة مُنتظِمة جَعلتْهُ يُصدِرُ مجموعةً شعريّةً كلّ سنة، أو سَنتيْن، فإنّ الكتابة عنده ظلّت دوماً مُحصَّنة ضدّ كلِّ استعجال، أو تسرّع، فهو حريصٌ على إنجازها بالمَحو والتعديل والتشطيب والمُراجَعة، لأنّ علاقته باللغة اتّسَمَت بالتوتّر وبالوعي أنَّ ثمّة ما يتملّص مِنْ مُمْكنها، من جهة، ولأنّ الكتابة عنده لم تكُن مُنفصلة، من جهة أخرى، عن القراءة، إذ كان سيميك يُغذّي مُمارَستَهُ النصيّة بمَقروءٍ متنوّع، شملَ نصوصَ الصينيّين القدماء والرمزيّين الفرنسيين والحداثيّين الأميركيّين، والنصوص الفلسفيّة والفكريّة، على نَحْوٍ يَكشفُ وَعْيَ سيميك بحَيَويّةِ المعرفة في الكتابة الشعريّة. وَعيٌ يُعضّدُهُ حِرْصُهُ، موازاةً مع أعماله الشعريّة، على تأليفِ كتُب نثريّة عديدة، وعلى إنجاز ترجماتٍ إلى الإنكليزيّة لأشْعار مِنْ لغات مُختلفة.
في الأخير، أوضحت اللجنة أنّ المَسار الكتابيّ للشاعر تشارلز سيميك رافدٌ من الروافد التي أغْنَت الشعرَ بوَجْهٍ عامّ والشعرَ الأميركيّ بوَجْه خاصّ. لقد كشفَت مُمارَسَتُهُ النصيّة عن الإمكانات التي يُتيحُها التفاعل بين الشعر والنثر في تنويع الشكل الشعريّ وتَجديده، كما كشفَت عن البُعد النقديّ الذي يَضطلعُ به الشعر.


عن الشاعر
وُلد الشاعر تشارلز سيميك في بلغراد عام 1938. غادرَ عام 1954 مسقطَ رأسه، رفقة أمّه وأخيه، في اتّجاه باريس، التي أقاموا فيها بضعة أشهر قبل الانتقال إلى أميركا، حيث كان والد تشارلز يَعملُ منذ نحو ستّ سنين. صدرَت مجموعتُهُ الشعريّة الأولى "ما يقوله العشب" عام 1967، ثمّ توالَت مجاميعه الشعريّة، التي تجاوَزَ عددُها الثلاثين؛ منها: "تفكيك الصّمت" 1971، "العَودة إلى مكان مُضاء بكوب حليب" 1974، "كتاب الآلهة والشياطين" 1990، "فندق الأرَق" 1992، "زواج في الجحيم" 1994، "نزهة ليليّة" 2001، "الصَّوت في الثالثة صباحاً" 2003، "قردٌ في الجوار" 2006، "ذلك الشيء الصغير" 2008، "سيّد التخفّي" 2010، "المعتوه" 2014.

سبق لسيميك أن فاز بجوائز عديدة، منها جائزة "بوليتزر" 1990، وجائزة غريفين العالميّة في الشعر 2005، وجائزة "والاس ستيفنز" 2007، كما صار عام 2007 "شاعر أميركا" المُتوّج الخامس عشر.
هذا، ومن المنتظر أن يتسلم الشاعر الفائز الجائزة، التي تمنح بشراكة مع مُؤسّسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، ووزارة الثقافة والاتصال، في حفل ثقافي وفني كبير ينظم في مدينة الرباط الأربعاء 5 فبراير/ ِشباط 2020، ويُحيي أمسية شعرية يوم 8 فبراير/ شباط 2020، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي تنظمه وزارة الثقافة والاتصال في مدينة الدار البيضاء.