Print
ضفة ثالثة

مهرجان بلجيكي يحتفي بشعراء عرب... كسر الصورة التنميطية

15 أكتوبر 2019
هنا/الآن
ربما لم يقدر لبلجيكا، هذه الدولة الصغيرة التي تستقر في وسط القارة الأوروبية، أن تكون دولة محاذية لشواطئ المتوسط لكن هذا لم يمنع أن يحتفي مهرجان كبير مثل مهرجان "Het Betere Boek" بالبحر الأبيض المتوسط وحضاراته وأشعاره، هذه المنطقة التي كانت مهد الحضارة والتنمية الثقافية لمدة 3000 سنة، كما أوضح التقديم الرسمي للمهرجان الذي يروي قصة هذا البحر التي لازمتها السياسة على مدار التاريخ براً وبحراً مما يذكر الأوروبيين بتدفقات الهجرة التي لم تتوقف على امتداد هذا الساحل.

مهرجان احتضنته مدينة جنت البلجيكية من خلال مسرح "Minard" العريق الذي شهد على مدار يوم السبت الفائت حالة من التفاعل الثقافي، شعراً وموسيقى وسينما وندوات ثقافية، قدمت وجبة ثقافية متكاملة للجمهور البلجيكي المتعطش للمعرفة ورؤية الآخر من زاوية غير التي ألفها، وكان للثقافة العربية نصيب الأسد في هذا المهرجان تجسّد في الأمسية الشعرية التي قدمتها خبيرة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريجيت هيرمانز.
المشهد كان غريباً بعض الشيء بالنسبة للشعراء حيث كان الأحساس أشبه بالقراءة في بلد عربي مع اختلاف وحيد وهو الجمهور البلجيكي الذي جاء خصيصاً للاستماع لخمسة من شعراء الوطن العربي بمصاحبة موسيقى عربية أيضا أحالت القاعة إلى عالم سحري لا ينطق إلا بالعربية ولا يسمع فيه الجمهور إلا صوت الشعر وحده، في الأمسية التي قرأ فيها الشعراء عددا من قصائدهم المترجمة إلى اللغة الهولندية وهم: الكردي السوري هوشنك أوسي، والمغربي طه عدنان، والمصري عماد فؤاد، والفلسطينية فاتنة الغرة، والفلسطيني السوري غياث المدهون، وقام بمرافقتهم موسيقياً عازف القانون العراقي أسامة عبد الرسول وكانت أشبه بليلة من ألف ليلة بالنسبة لجمهور لا يفقه من هذه اللغة غير إحساسها العابر للمفردات.


الشعر تقليد مهم وأساسي في الثقافة العربية
للوقوف على قيمة احتضان أمسية عربية ضمن مهرجان بلجيكي قامت "ضفة ثالثة" بسؤال منظمي المهرجان وعدد من المشاركين فيه عن الأهمية التي تحملها هذه الفعالية الثقافية بالنسبة إلى الجمهور الغربي.

قالت منظمة مهرجان "Het Betere Boek" ونائبة رئيس مؤسسة القلم (بن) البلجيكية سيغريد بوسات إن "التيمة الأساسية للمهرجان هي البحر المتوسط وطبعا نحن نعرف المتوسط من جانبنا على أنه بلاد الإجازات ولكننا نعرفه أيضا بالحروب والصراعات التي تشهدها هذه البلاد، وبالعمل مع مؤسسة بن اكتشفنا أكثر فأكثر أن لدينا عدداً لا يستهان به من الكتّاب العرب المقيمين في بلجيكا، شعراء لهم اسمهم في العالم العربي ويشاركون في مهرجانات دولية مختلفة ونحن لا نعرفهم في بلجيكا ولا نسمع أصواتهم، الأمر الذي صدمني، ولذا فكرت بما أنه لدينا شاعر مصري وشاعرة فلسطينية يعيشون في مدينة أنتويرب وشاعر سوري في مدينة اوستنده ومغربي في بروكسل فلم لا أجمعهم معاً في فعالية خاصة في هذا المهرجان الذي نقيمه في مدينة "جنت" وقد كان الأمر رائعا بشكل لا يوصف، وأظن أنني سأستكمل المسيرة في متابعة تنظيم هكذا فعاليات ربما بمصاحبة شعراء بلجيك أيضا في المرات القادمة لإقناع الجمهور البلجيكي ليس فقط بالذهاب إلى ما يعرفونه، حيث أن التحدّي هنا هو دفع الجمهور لاستكشاف ما لا يعرفه بعد".
وعن نفس السؤال أجابت المستشرقة والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريجيت هيرمانز بقولها إنها تظن "أن أهم رسالة يجب أن نوصلها للجمهور هي أن الشعر تقليد مهم وأساسي في الثقافة العربية على العكس من الثقافة الأوروبية التي لا تنظر إلى الشعر هذه النظرة المركزية بل تعتبره ثانوياً في الحياة، إضافة إلى قدسية الشعر عند العرب، مما يخلق جسراً بين الشاعر والمجتمع حيث أنه يحكي ليس فقط عن الحروب والصراعات وإنما عن الإنسان بكل إشكالياته البسيطة، كما أنه يحمل رسالة سلمية مفادها أن المجتمع هنا لا بد أن يفسح مجالا كي يسمع الشعر العربي وألا يكتفي بالصورة التنميطية التي أخذها عن العرب وعن ثقافتهم، فهم كثيرا ما يتكلمون عن العرب لكن عن أي عرب يتكلمون بالضبط؟".
ومن جانبه أعرب الشاعر المغربي طه عدنان عن سعادته بالمشاركة في فعالية كهذه، وقال إنه "أولاً، من الجميل أن تتجاور الأصوات والتجارب والحساسيات للشعراء العرب في لحظة قراءة كهذه أمام الجمهور البلجيكي، كما أنها فرصة لنا أيضا حتى كشعراء مشاركين في أن نستمع لبعضنا البعض وأن نلتقي ونبدد كل هذه المسافات بيننا.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي فرصة أيضا لتحضر القصيدة العربية في تعددها لدى جمهور غربي حيث إنها مَعبره نحو ذائقة وجماليات مختلفة عما تعوّد عليه".
كما أبدى الموسيقى العراقي أسامة عبد الرسول سعادته بالعزف بمصاحبة هذا العدد من الشعراء العرب وكأنه يحيي أمسية في إحدى الدول العربية، وأكد أنه "في أمسية كهذه يكون البطل الرئيسي فيها الكلمة حيث أنها التي تعتلي المسرح لتواجه الجمهور مما يخلق تحدياً خاصاً لديّ لمجاورة كل نص بما يلائمه من موسيقى لخلق عالم متجانس بين اللغة والنغمة، وهو الأمر الذي يجذب الجمهور البلجيكي لحضور هذا النشاط المهم".
وعن دور هذه الفعاليات في تغيير الصورة النمطية المسبقة للمجتمع الأوروبي عن الثقافة العربية وأنها ثقافة العنف والإرهاب الديني تتفق سيغريد بوسات في أن "القاعدة العامة تقول إن الناس يخافون مما لا يعرفونه، لكنهم لو تمكنوا من معرفة وسماع الشعراء العرب المقيمين في بلجيكا فهذا سوف يقود إلى تغيير وجهة نظرهم المسبقة عن الثقافة العربية بشكل عام، الطريق طويل وربما طويل جداً، لكن عندما أرى موهبة هؤلاء الكتاب أفكر يا إلهي كيف أننا لا نعرف هؤلاء الشعراء".

أما بريجيت هرمانز فتظن أنه يمكن إحداث تغيير على المدى البعيد خاصة وأن المجتمع الآن تغير عما كان عليه في السابق، "صحيح أنني أشعر أحيانا كما لو أني من كوكب آخر حينما أرى الكراهية عند كثير من الغربيين للعرب لكني أظن أن هذه الصورة تتغير تدريجيا خاصة حينما يسمعون الشعر العربي الذي تقدمونه، فهم يفهمون أن الناس لديهم نفس الهموم والآمال والخوف والهواجس وهذا يقربهم أكثر، ويتضح هذا من اهتمام الجمهور الآن أكثر بالشعر العربي خاصة وأن الشعر العربي يحمل موسيقى ساحرة ومشاعر واضحة بالنسبة للغربي الذي تعود على نوع متحفظ من الشعر وهذا يدفع الجمهور باتجاه الإقبال أكثر على الاستماع لهذا النوع من الشعر".
طه عدنان يأسف من جانبه لهذا الأمر حيث يرى "أن هناك وطأة هذه النظرة الطاغية والمسبقة السلبية عموما عند الغرب والتي تجعل اللغة العربية مرتبطة لدى الأوروبي بالتكبير والتفجير وما الى ذلك ومثل هذه اللقاءات تساهم في توطيد العلاقة بين اللغة والقصيدة مما يفتح الباب أمام جماليات مغايرة في اللغة العربية عما تعود عليه الجمهور هنا بأنها لغة دين فقط أو لغة إرهاب بل هي لغة فن وجمال وحب أيضاً".