Print
عماد الدين موسى

حصاد 2018: جديد الحياة الثقافية العربية [2/2]

21 يناير 2019
هنا/الآن
ما إن تنقضي الأيام الأخيرة من كل عام، ونتهيأ لاستقبال عامٍ جديد، حتى نعيد لأذهاننا التساؤل الطبيعي: ما الذي ميّز هذا العام عن غيره؟ ما أهم المصادر التي تمت إضافتها إلى مكتبتنا، وما الجديد الذي طرأ على حياتنا الثقافية؟

عالميًّا، كان خبرُ حجب جائزة نوبل للآداب صادمًا للوسط الثقافي، بينما في العالم العربي بدت الجوائز الأدبيّة الحدث الأبرز والأكثر متابعةً، جنبًا إلى جنب مع معارض الكُتب في جُلّ العواصم، كما في سابقِ عهدها. في استطلاعنا السنوي حول الثقافة في عام فائت، نتابع ما يقوله عدد من الكُتّاب والمثقفين عن حال الثقافة وما لفت انتباههم، سواء من جهة الفعاليّة الثقافيّة الأبرز، أو من حيث العناوين اللافتة والمميّزة للإصدارات الجديدة خلال عام. هنا القسم الثاني والأخير:

الكاتب حسام أبو حامد (فلسطين):

المعجم التاريخي للغة العربيّة

يغادرنا عام 2018 من دون أن يضيف جديدا إلى عالمنا العربي والثقافات المتواشجة معه، ولا سيما في شرقه الأوسط الكبير، سوى المزيد من الغموض في مستقبله الوجودي، والقلق على فرص التعايش فيه.

مع ذلك يستمر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، معمقا جذوره في الثقافة العربية، بإضافاته النوعية في غير مجال واختصاص. وربما كان الحدث الثقافي الأبرز الذي شهده الشهر الأخير من هذا العام، إطلاق المركز البوابة الإلكترونية لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في حفل كبير في الدوحة، ليكون حدثا مفصليا في تاريخ المعاجم العربية. وبانتظار المرحلة الثانية من المعجم التي تغطي لغويا الفترة الممتدة من عام 500 للهجرة وما بعدها حتى اليوم، شملت المرحلة الأولى المنجزة منه الفترة الممتدة من أقدم نص عربي موثّق إلى نصوص عام 200 للهجرة، والمتضمنة حوالي 100 ألف مدخل معجمي، عبر بوابة إلكترونية متطورة تقنيا ومعلوماتيا.

وكان أبرز إصدارات المركز لهذا العام، والتي تسنى لي قراءتها، كتاب عزمي بشارة "في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟" وسعى فيه الباحث من خلال جدلية العلاقة بين المعرفي والتاريخي، إلى تخليص مصطلح السلفية من التباساته، بإنزاله من مستوى تاريخ الأفكار، والفهم التراثي، إلى خضمّ الحركة الاجتماعية، وشروطها التاريخية التي حكمتها، ومن الانتقائية والاجتزاء التي درجت عليهما الدراسات الشرق أوسطية عن الإسلام، ليعيد تأسيس السلفية ظاهرة سيكوسوسيولوجية.

أما كتاب جمال باروت "الصراع العثماني- الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام" فقدّم إضافات بحثية مهمة، حين تناول المتغيرات الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية التي حكمت الصراع العثماني– الصفوي حول السيطرة على طريق الحرير، وآثارها في تطييف الصراع في شكل صراع سني– شيعي، محاولا كشف جذور الصراع الجماعاتي الطائفي الراهن المستعر في المشرق العربي.

الشاعر والناقد عبد المجيد قاسم (سورية):

طبائع الاستبداد

الفعالية الثقافية التي كان لها التأثير الأبرز على المستوى الشخصي خلال عام 2018 كان صدور كتابي "أدب الأطفال في الثقافة الكردية" عن هيئة الثقافة والفن، وحفل التوقيع للكتاب ضمن فعاليات معرض الكتاب الثاني في مدينة القامشلي في الشهر السابع من هذا العام.

أما أبرز ما قرأته من كتب هذه السنة، فقد كان كتاب (Zordestname) النسخة الكرديّة من طبائع الاستبداد، لعبد الرحمن الكواكبي، ترجمة الكاتب إبراهيم خليل. فقد شكَّل إصداراً مهمّاً تحتاج إليه المكتبة الكردية، ويسدُّ فيها فراغاً كبيراً.

القاص والروائي عبد النبي فرج (مصر):

الحلم والكيمياء والكتابة

يعتبر كتاب الدكتور شاكر عبد الحميد "الحلم والكيمياء والكتابة" من الكتب المهمة في عام 2018، ويسرد فيه حياة الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر، وتجربته الشعرية. وقد قام بتقسيم الكتاب إلى سبعة أبواب ليفكك حياته وعالمه الشعري. وهذه الأبواب هي: الحياة، الصمت، الرعب، الأشباح، الأحلام، الكيمياء، الكتابة. وكانت هذه الأبواب مفاتيح ناجعة في فك وتفكيك عالمه الإبداعي. لماذا؟ لأن عفيفي اتكأ على مصدرين مكونين لثقافته، الصوفية/ والفلسفة، وانعكس ذلك على نتاجه الشعري الغزير ومن كليهما أعلى من قيمة الرمز الإبهام، الضبابية، المفتون بإشراقات وفيوض الفيلسوف أفلوطين والذي يعتبره الدكتور شاكر عبد الحميد مدخلا أساسيًا لفهم الشاعر في السفر الملهم، لذلك جاء الجهد الشاق الذي بذله ليكشف عن ثراء شعرية عفيفي مطر. وبدأ المفكر الكبير سفره بالبحث عن مفاتيح لسبر أغوار هذا البحر وهذه الصحراء المترامية، وهذه الغابة الحوشية المتشابكة، استخدم فيها ترسانة من المعرفة العميقة والذهن المتقد والعلم الوفير، وهو العالم المتخصص والمتعدد القراءات مثمنا قيمة الخيال والحدس.

الكتاب الثاني "وأطوف عارياً" لطارق الطيب، وهو من الروايات المثيرة للإعجاب بسبب اللغة الشفافة والسرد الغني بتعدد الدلالات والعالم الجديد على الرواية العربية، وهو عن فنان فقير يفشل في الالتحاق بأكاديمية الفنون في فيينا فيضطر للعمل كموديل عار أمام دارسات ودارسي الفن ومن موقعه يعري بقسوة نفسه والعالم الغربي وطبقة رجال الأعمال ومآسي الهجرة غير الشرعية دون الوقوع في الميلودراما الزاعقة أو المباشرة الفجة.

بدورها رواية "مزامير المدينة" للعراقي علي لفتة سعيد ترصد حياة مبدع ينتهي به الحال إلى العمل دفّانا في مقابر المدينة المقدسة، يستقبل فيها الموتى، ومن خلال السرد يكشف عن أزمة هوية، إضافة لهاجس الموت الذي يسيطر على الراوي.

أمّا رواية "باب الخيمة" لمحمود الورداني، فيقتحم فيها عالم الصحافة والصحافيين من خلال راوٍ يعمل في مجلة ثقافية وقد جاءت له الفرصة ليسرد جزءًا من سيرة حياته يعري فيها نفسه ورئيس التحرير، الكاتب الذي وظف المجلة لمصالحة الشخصية يحارب بها لكسب منافع شخصية وينسج علاقات مع النظام البوليسي لمجده الشخصي. يجرنا الورداني إلى مستنقع آسن مريع يفقد فيه المثقف شرفه ودوره التنويري ليصبح ألعوبة في يد الأنظمة الشمولية من صدام حسين إلى القذافي، ويبين كيف باع الراوي نفسه من أجل المخدرات، ثم هناك الشاعر الثوري المناضل الرهيب الذي كان يصرف عليه القذافي، ثم رجل أعمال في مصر.

الكاتب مازن أكثم سليمان (سورية):

هل المثقّف المناسب في المكان المناسب؟

سأشير في هذه العجالة إلى كتابين تعمقت بهما إلى حدّ كبير، وكنت شريكا فيهما بمعنى ما، حيث كتبت مقدّمة الكتاب الأوّل، وكتبت الفصل الأخير من الكتاب الثّاني؛ وهما:

1- كتاب المفكّر السّوريّ الأستاذ جاد الكريم جباعي "فخّ المساواة - تأنيث الرّجل.. تذكير المرأة" الصّادر عن (مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث- المغرب 2018)، والذي يمثّل أنموذجا متقدّما للحفر في الجذور العميقة للاستبداد التي يرجعها المؤلف في طيّات هذا العمل إلى نسيان العلاقة الأصيلة بين جدليّة "الفرد والنّوع" من ناحية أولى، وجدليّة "الذّكورة والأنوثة" من ناحية ثانية، وذلك باعتبار "الفرد أو الشّخص أنثى أو ذكرا، وأنثى وذكرا من جهة، وتعيّناً للنّوع الإنسانيّ من جهة أخرى، بل هو النّوع متعيّناً"؛ إذ مثّل الانزياح الزّائف لهاتين الجدليتين حجابًا مركّبًا لصالح هيمنة مركزيّة تسلّطيّة بطريركيّة لطالما مارست سطوتها وعيًا ووجودًا على كامل طبقات البنية الحياتيّة في سوريّة بما هي انعكاس لمركزيّة أوسع سادت في الفكر والفعل العالميين، نازعةً فعاليّة العلاقات الجدليّة البنّاءة التي يفترض أنْ تحافظ على (الاستقلال الذاتيّ) للفرد ذكرًا أو أُنثى، لا بوصف ذلك إعادة إنتاج لمركزيّة مقلوبة تحت شعار (المساواة)؛ إنّما بوصفه انفتاحا على الممكن والمختلف والحرّ في الوجود البشريّ في العالم.

2- كما يشكّل كتاب المفكّر السّوريّ الدّكتور حمزة رستناوي "في البحث عن منطق الحياة- منطق الأمّ التي تحبّ أولادها وتكره الفلاسفة!" الصّادر عن (دار فضاءات للنّشر والتّوزيع- الأردن 2018)، خطوة جديدة وبنّاءة في إطار تطبيقاته لـ "المنطق الحيويّ" المنبثق عن "مدرسة دمشق للمنطق الحيويّ"، وفيه ينتقد الدّكتور رستناوي "المنطق الأرسطيّ" وفكر الثّنائيّات، ويشرح تحوّل "المنطق الحيويّ" من مفهوم "الشّكل" إلى مفهوم "طريقة التّشكّل"، موظّفًا عبر فصول هذه الدّراسة الجادّة والمُقارنة مقايسات "المنطق الحيويّ" لتفكيك "المنطق الأرسطيّ"، وقد كتبْت من جهتي فصل الكتاب الأخير المعنون بـ: "مقدّمة نحو تأصيل مدرسة دمشق للمنطق الحيويّ- قراءة واقتراحات".

أمّا بخصوص الفعاليّات الثّقافيّة التي لفتتْ نظري هذا العام، فأعترف أنّني شبه غائب عن متابعتها أو عن حضورها لأسباب عدّة يصعب تفصيلها في هذه العجالة، لكنّني أشير إلى جانب ما زال مزمنًا في حياتنا الثّقافيّة، وهو الجانب المتعلق بمصداقيّة الفعاليّات، ومعياريّة اختيار المشاركين، وضرورة الابتعاد عن (الشّلليّة) والتّحالفات الضّيّقة التي تقدّم المصالح الشّخصيّة الآنيّة المتبادلة على الهمّ الثّقافيّ الأصيل والكلّيّ الذي يضع (المثقّف المناسب في المكان المناسب).

الكاتب محسن الرملي (العراق):

حجب جائزة نوبل للآداب

في رأيي، إن أكثر حدث ثقافي لفت نظري هذا العام عالميًا هو حجب جائزة نوبل للآداب، وهذا نبه الملايين إلى أنها ليست منزهة وتنطوي في دهاليزها على فساد بوجوه مختلفة، منها أخلاقية ومنها الافتقار لمعايير ثقافية إبداعية حقيقية، وهو ما دّلت عليه مفاجآتها في الأعوام الأخيرة. ولعل هذا التوقف عن منحها هذا العام سيكون لمصلحة إعادة إصلاحها من الداخل، لأنها تهمنا جميعا كقراء عندما تكشف لنا عن أعمال وأسماء مهمة وعظيمة في فنون الآداب.

أما عربيا فأعتبر أن تأسيس أول بيت للرواية رسميا في تونس هو حدث رائع ويستحق كل الاحترام والتقدير، خاصة أنه لم يتوقف طوال العام عن إقامة نشاطات قيمة تتعلق بالرواية عربيا وعالميا ومحليا.

أما عن الكتب فقد أعجبتني المجموعة القصصية "الوجه العاري داخل الحلم" لصديقي الكاتب العراقي أحمد سعداوي التي اشتغل عليها بحرفية عالية، وجاءت بمثابة عشر روايات قصيرة مكثفة. وفي إسبانيا (حيث أقيم) أعجبني كتاب "ذكريات سجينات فرانكو" للصديقة آليثيا راموس، ففيه جهد كبير لتوثيق تاريخ وتفاصيل معاناة ومواقف نساء في سجون الدكتاتورية، وهو كتاب أتمنى لو يتم إنجاز الكثير مثله في ما يتعلق بالنساء السجينات في بلداننا العربية.

الكاتبة علياء الداية (سورية):

مختارات من الفكر الجمالي

لفت انتباهي في كتب هذا العام 2018 ومنها الرواية الحرص على المثاقفة المعاصرة، إلى جانب حضور التاريخ وتأثيره في وعي الشخصيات، وكذلك تزايد الاهتمام بأدب الطفل والكتابة له. وكان عامًا حافلًا كغيره بمعارض الكتب ومسابقات التأليف والجوائز الأدبية على الصعيد العربي.
وقد صدرت في هذا العام كتب لمؤلفين أتابع جديد منجزهم السردي، منهم الروائيون: السوداني أمير تاج السر، والإريتري حجي جابر، والأردني يحيى القيسي، والروائيان المصريان أحمد فضل شبلول ومصطفى موسى الذي صدرت له روايتان، والروائيات السوريات شهلا العجيلي، وأسماء معيكل، ولينا هويان الحسن، والروائيان الكويتيان بثينة العيسى وإسماعيل فهد إسماعيل الذي غادرنا في أيلول/سبتمبر 2018. ومن الروايات البارزة "الدم الأزرق" ترجمها عن الروسية الدكتور فؤاد المرعي. وعلى صعيد الدراسات جاء كتاب الدكتور سعد الدين كليب "تراثنا والجمال" ليشمل مختارات من الفكر الجمالي القديم ويسلط الضوء على تصنيفات العرب القدماء للجمال ومكانته ومظاهره.

وتنفرد رواية "بعد الحياة بخطوة" ليحيى القيسي برحلتها في أجواء قلما تخوضها الروايات العربية من منطلق معاصر، وهي أجواء الماورائيات. وهذه الرواية لا تقدم إجابات أو تثير حدثًا مفاجئًا، بل تأخذ المتلقي إلى دهشة بطل الرواية وخوضه أكثر من عالم، وعدة تجارب شعورية بين الشك والاندفاع ومعرفة موقعه وبحثه عن كينونته. فهو يحس بأن الزمن حقيقي ويتعجب من أنه في عالم آخر مرتفع بمسافات كبيرة عن كوكب الأرض، وفي هذا المكان يعيش البطل زمنًا حافلًا برؤية الراحلين المقربين، وبعض المشاهير كأم كلثوم، ونماذج متعددة من البشر لهم مصائر مختلفة. إنه بين الخيال وحلم اليقظة والواقع البديل يعثر على ما يشبه المدينة الفاضلة، كما أنه يصبح في بقية الرواية مسؤولًا عن "إظهار" هذا العالم وإدخاله حيز القبول.

الشاعر محمود خير الله (مصر):

معرض القاهرة الدولي للكتاب

أعتقد أن الثقافة العربية أنتجت كثيرًا من الكتب الجميلة والجيدة، في عام 2018، وأنا شخصيًا أعتبر كتاب "مدينة الحوائط اللانهائية" والصادرة عن دار "المصرية اللبنانية"، للكاتب والروائي المصري طارق إمام، واحدًا من أهم القصص المصرية الحديثة، التي صدرت مطلع العام، وهو عمل إبداعي متميز كونه لا يتخلى من ناحية عن الخيال السردي الخصب والمكتوب بلغة شعرية متميزة، ولا يتقاطع في الوقت نفسه مع تراثنا القصصي والحكائي العربي العظيم، خصوصًا في قصص "ألف ليلة وليلة".

الكتاب المهم الثاني "أولاد حارتنا سيرة الرواية المحرمة"، للكاتب محمد شعير، والذي أعاد رسم الخريطة السياسية المصرية المحيطة بصدور هذه الرواية، منذ أن كتبها نجيب محفوظ، أواخر الخمسينيات من القرن السابق، وحتى موت الرجل بعد سنوات من طعنه في رقبته، بسكين أحد المتشددين الإسلاميين، الذين اعتبروا ما جاء في روايته كفرًا. هذه الرحلة المعقدة المليئة بالتفاصيل والمعارك والمشكلات والجوائز والنقاشات التي دارت حول الرواية الحاصلة على "جائزة نوبل"، كل هذه الخلطة العجيبة أعاد هذا الكتاب تقديمها في 2018، لينتج تحقيقًا صحافيًا مبهرًا، محققًا مقولة "رواية الرواية" بصورة أكثر من مدهشة.

قرأت هذا العام أيضًا رواية "قيام وانهيار الصاد شين"، للكاتب حمدي أبو جُليل، وصدرت عن "دار ميريت" في القاهرة، وهي عمل روائي مهم في هذا العام، مكتوب باللغة العامية، ويجمع بين حكايات الشباب الذي يتخذ طريق الهجرة غير الشرعية، عبر الدروب الليبية، والبدو في محافظة الفيوم، وامتداداتهم القبائلية في ليبيا، وهي أول رواية أدبية مصرية تحكي قصة العقيد معمر القذافي، وقصة المجموعات التي كونها باسم سكان "الصحراء الشرقية"، وهم طائفة من المصريين والأفارقة، كانت السلطات الليبية تعتبرهم من حاملي الجنسية الليبية، بعد اختبارات شكلية، بغية تكوين جيش من غير الليبيين، الذين لم يكونوا محل ثقة العقيد المغدور.

أما الكتاب الذي غير جزءًا من طريقة تفكيري في 2018 فهو ولا شك "الفضول" لألبرتو مانغويل، مؤلف كتاب "تاريخ القراءة"، وهو من ترجمة إبراهيم قعدوني وصدر عن "دار الساقي" في 2017، والكتاب رحلة عظيمة إلى ذلك الفضول بين سطور عدد من مفكري الإنسانية، مثل توما الأكويني وديفيد هيوم ولويس كارول وسقراط ودانتي.

أما بالنسبة للفعالية الثقافية الأبرز، فأنا ما زلت أعتقد أنه "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، خصوصًا في دورته الخمسين المقبلة خلال أسابيع قليلة، آخر يناير 2019، وإن كنت لن أنسى أن كل مهرجان سينمائي وكل مؤتمر وكل لوحة وكل رقصة وكل قصيدة شعرية جميلة، هي مساهمة مهمة جدًا في إسعاد العالم.

الشاعرة ريم نجمي (المغرب):

الذكرى العاشرة لرحيل درويش

أعتقد أن الحدث الثقافي العربي هذه السنة كان إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش. إحياء ذكرى درويش كانت احتفالا ثقافيا بالشعر والفن في عدد من العواصم العربية ووسائل الإعلام الثقافية. ففي المغرب على سبيل المثال خصص بيت الشعر في المغرب مجلته "البيت" عن تجربة محمود الشعرية والإنسانية بمشاركة عدد من الأسماء كسعدي يوسف وقاسم حداد ويحيى يخلف وأحمد الشهاوي ومحمد برادة، بالإضافة إلى تظاهرة ثقافية كبرى امتدت على مدار أيام تحت عنوان "محمود درويش ورد أكثر" والتي عرفت مشاركة أهم الشعراء المغاربة في أمسيات شعرية، وكذا تنظيم معارض رسم، وبرنامج لزيارات تربوية لفائدة التلاميذ. وأعتبر إحياء ذكرى درويش العاشرة حدثا يحتفي بالشعر الذي لا يموت، وبالشاعر الذي يخلق الحدث حتى بعد سنوات من الغياب.

أما الكتاب العربي الذي أختاره هذه السنة فأجدني حائرة شيئا ما، ولذلك سأختار الكتاب الذي بين يدي الآن وأوشك على الانتهاء منه، وهو كتاب "المولودة" للمخرجة والكاتبة ناديا كامل، وهو كتاب سيرذاتي عن والدة الكاتبة نائلة كامل، المولودة كماري إيلي روزنتال، والتي وُلِدَت لأب مصري يهودي وأم إيطالية مسيحية، تقابلا في مصر في عشرينيات القرن الماضي. انضمت نائلة للحركة الشيوعية ودخلت المعتقل. إنه كتاب مبهر عن حقبة تاريخية مهمة في مصر، والكتاب يمنحك الإحساس بأنك تسمع الراوِية وهي تحكي مباشرة أمامك قصة حياتها، لا أنك تقرأ كتابا. الكتاب كتب بالعامية المصرية، ما أعطاه حيوية وصدقية، لكن قد يكون إشكاليا للذين لا يتقنون اللهجة المصرية. الكتاب مختلف في طريقة الحكي والحكاية نفسها.

الكاتب وائل سعيد (مصر):

نصوص لا تُعطي نفسها للمرّة الأولى

رغم أنها إصدارات 2017 لكنها لم تنزل للسوق سوى في 2018. أتحدث مثلًا عن رواية "فيدباك" للشاعرة سناء عبد العزيز، وقد قرأت الرواية في مسودتها الأولى ثم بعد حصولها على جائزة الطيب صالح العالمية للرواية ثم مرات أخرى متوالية، وفي كل مرة أُدهش من قدرة النص على التوالد والتكاثر المُستمر للأفكار.

هناك نصوص لا تُعطي نفسها من المرة الأولى، ونصوص في كل مرة سيختلف الاستقبال عن المرة السابقة؛ أظن أن "فيدباك" من ذلك النوع، ولن نروح بعيدًا.. ففي آخر قراءة للرواية هذا العام كنت على موعد مع اكتشاف مستوى جديد: حين كتب كافكا المحاكمة بدأ بذلك أول رحلة من رحلات الإنسان في طريق البحث عن جُرمه الذي لا يعرف عنه أي شيء، مُتفانيًا في التقصي في ذلك البحث عن جلاديه لأداء العقوبة. وفي نفس الطريق تأتي رواية "فيدباك" لتكملة تلك الرحلة وتحديدًا ما بعد البحث عن جريمة الإنسان المجهولة، بالخضوع التام لتأدية العقوبة وجلد الذات وإدانتها، من قبل الشخصيات بعضهم لبعض، وفي تكتل جبهي بين الراوية وأخوتها. ألم تكن أولى خطوات الإنسان على الأرض بسبب عقاب الطرد من الجنة؟!

البحث هنا عن العقاب وتفعيله على مستوى مصائر الشخصيات وتوجهاتها هو المعادل النهائي والوحيد للخلاص، حين نتكشف ونعترف بما نُخفيه طوال الوقت، لن يكون هناك على الجانب الآخر من الصورة- بعد التكشف- سوى الخلاص. التطهر من خطيئة آدم وسلساله ليوم النهاية. والبحث عن الفيدباك لصورة الإنسان الكامل.

الكاتب خالد شاطي (العراق):

رسائل فان كوخ

على الرغم من غنى مفهوم الثقافة وضمه مجموعة واسعة ومتباينة من النشاطات والفعاليات الإنسانية التي يصعب حصرها وتحديدها، إلا أنني سأقصر حديثي على نتاجات الفن والأدب وأوجه النشاطات المتعلقة بهما.

أهم إصدارات الكتب في رأيي رسائل فنسنت فان كوخ التي حملت عنوان "المخلص دومًا فنسنت- الجواهر من رسائل فان كوخ" برغم أن تاريخ صدوره حصل قبيل نهاية عام 2017 بأيام، والمجموعة القصصية المترجمة "الأشياء تنادينا" لخوان خوسيه ميّاس، ونشر المجموعة القصصية "همس النجوم" لنجيب محفوظ، والمجموعة القصصية "لا طواحين هواء في البصرة" للكاتب العراقي ضياء جبيلي والتي فازت بجائزة الملتقى في الكويت.

الحدث الثقافي الأبرز في رأيي هو حصول الناشطة الحقوقية نادية مراد على جائزة نوبل للسلام، كأول عراقية تحظى بهذه الجائزة المرموقة، إذ مثّل هذا الفوز دورًا مهمًا في تعريف العالم بجرائم التنظيم الإرهابي (داعش) خاصة ضد الأقليات الدينية وقدّم مثالًا حيًا- للنساء والرجال- في الشجاعة والمواجهة والنضال ورمزًا للعنف والإرهاب الذي طال المدنيين العزل.

فيما الحدث الثقافي- الأدبي الأبرز هو تأجيل منح جائزة نوبل في الأدب لعام 2018 على خلفية قضايا تحرش جنسي وسوء ممارسات مالية وادارية، أدت إلى أن يترك ستة أعضاء هذه المؤسسة الرصينة ليقرر الباقون منحها مع جائزة عام 2019.

لا بُد أيضًا من ذكر فوز المخرجة اللبنانية نادين لبكي بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي عن فيلمها "كفر ناحوم"، ووصول النسخة الإنكليزية من رواية "فرانكشتاين في بغداد" للقائمة القصيرة في جائزة مان بوكر الدولية في المملكة المتحدة واحتلالها المركز الثالث، كذلك فوز الكاتبة العراقية شهد الراوي بجائزة أدنبرة الدولية للرواية عن روايتها "ساعة بغداد".

الكاتبة آن الصافي (السودان):

الكتابة للمستقبل

عدد جيّد من الإصدارات لهذا العام استوقفني وقرأتها ووجدت فيها ما يميّزها ويستحق المتابعة، منها: كتاب كنائس النقد للناقد عبد الدائم السلامي (تونس)، وكتاب الجهل المركب للدكتور عياد أبلال (المغرب)، وكتاب ذكريات/ السيرة الذاتية لميشيل أوباما (الولايات المتحدة الأميركية).

ومن الفعاليّات الثقافية التي تعتبر ربما الأهم بدء فتح سلسلة من دور العرض السينمائي في المملكة العربية السعودية والتي قد تصل إلى 300 صالة. كذلك إعادة فتح مبنى المجمع الثقافي- قصر الحصن في أبوظبي والذي يحتوي على مكتبة ضخمة للصغار ومعرض للرسامين الإماراتيين والكثير من الأنشطة والبرامج الفكرية والمجتمعية الشاملة. كذلك توالي قيام مؤتمر قمة المعرفة 2018 لهذا العام تحت شعار (الشباب ومستقبل اقتصاد المعرفة)، وانعقاد مؤتمر الاقتصاد الرقمي العربي الأول في أبوظبي.

بالنسبة لعملي في مشروع الكتابة للمستقبل، وهو مشروع أدبي فكري ثقافي، أجد قمة المعرفة ومؤتمر الاقتصاد الرقمي العربي هو في لب اهتمامي نحو الكتابة الفاعلة في نطاق التنمية والثقافة المستدامة.

القاص سمير الشريف (الأردن):

جوائز رابطة الكتاب الأردنيين

بعد غياب طويل تعطلت فيه جوائز رابطة الكتاب الأردنيين عن استمراريتها لظروف خارجة عن إرادة الرابطة، قررت الرابطة في عام 2018 إحياء هذه السنة الحميدة وأعلنت عن مسابقتها السنوية للشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات الاجتماعية والعلم التطوعي العام، وتم بعد إعلان النتائج إقامة حفل رعته وزارة الثقافة والمهتمون بالشأن الثقافي والأدبي، وكان لذلك أثر إيجابي واضح على الساحة الثقافية بما تمثله هذه الجوائز من دعم مادي ومعنوي للكتاب في جميع الحقول. يذكر هنا أن القيمة المادية للجوائز مقدمة من صندوق دعم الجمعيات بوزارة التنمية الاجتماعية.

بالنسبة لي أبرز كتاب في عام 2018 كان كتاب "الوحي والشعر" لمحمد سلام جميعان. ويروم الكاتب جديدا يخالف به من وقفوا أمام بوابة الشعر وتحدثوا عن فنونه ووسائله وغاياته التي حصروها في الوساوس والأخلاط وأضغاث الأحلام وغير ذلك من فواصل الخطاب الذي يُعلي من النفي والإثبات، خارجا بذلك عن لب ما يهدف إليه القرآن ورسالته الخالدة التي تتمثل في مجاوزة الواقعة زمانا ومكانا، وصولا لقيمة تتمركز في معنى كلي شمولي.

ويقف الباحث أمام ظاهرة وجدها في كتب التفسير والحديث والأدب، رأى فيها أن لفظتي "الشعر" و"الشعراء" في النص القرآني يدور حولهما الحديث دونما إحاطة تامة عميقة، حيث تعامل المفسرون معهما كوحدات جزئية من دون التفات لغائية تكرار اللفظتين في مواقع مختلفة، يربطها مقصد خطابي يسهم في تشكيل رؤيا ترتبط بالإنسان والعالم، حيث هدف النص القرآني أن ننتقل من الكلمة اللغوية إلى العالم، في الوقت الذي ذهب المفسرون لإعطاء النص بعدا أحاديا تمثّل في الفصل بين الوحي والوجود، من هنا لجأ الباحث في كتابه للعناية باستقراء الرؤية القرآنية للشعر والشعراء بكل ما يمثل ذلك من ألفاظ وتعبيرات ومفاهيم، ترتبط دلالاتها بمفهوم الشعر، ضمن السياق القرآني، كما استقرأ كتب الأدب والتفسير واضعا الألفاظ والتعابير والمفاهيم في مجال موضوعي دلالي واحد باعتماد مجموعة ضوابط، أولها أن القرآن كتاب هداية ودستور هدى، محكم الآيات واضح المعنى، يسمو بالنفس ويحملها لمرافئ العبادة الخالصة، ولأن الكتاب المجيد كتاب حق ومشعل هداية فإن هذا يستلزم زعزعة القيم القديمة وطمسها والوقوف أمام السائد والمتداول، وبناء عليه يتم إسقاط وهدم المرجعيات المعرفية القديمة وكل أباطيلها.

الشاعر همدان طاهر المالكي (العراق):

شارع المتنبي في بغداد

كثيرة هي الكتب التي تلفت الانتباه ربما لأنني اعتدت في كل أسبوع من يوم الجمعة الذهاب لشارع المتنبي في بغداد، فكل ما تطرحه دور النشر يأتي رغم آثار الحرب وظروفها العصيبة. تصبح عملية اللحاق بكل ما يطرح من رواية وقصة وشعر عملية صعبة وربما غير متوفرة للكثير من المهتمين بالشأن الثقافي، إنها عملية تشبه سباقًا غير متكافئ ما بين رجل يركب مركبة والآخر على ظهر حصان، لذلك سأوجز ما قرأته وأثار اهتمامي لما فيه من بعد معرفي وثقافي وفني وأظن كما قلت إنه فاتني الكثير، لكن أن تحصل على شيء أفضل من ألا تحصل على أي شيء.

من الكتب التي توقفت عندها كثيرًا المجموعة القصصية لضياء جبيلي "لا طواحين هواء في البصرة"، و"فرقة العازفين الحزانى" لزهير كريم، و"الوجه العاري داخل الحلم" لأحمد سعداوي، و"حدائق الرئيس" لمحسن الرملي، وفي الشعر هناك "ممسكا بريشة عصفور وباب يضيء لك ولغيرك" للشاعر التونسي عبد الفتاح بن حمودة، و"عاصمة آدم وقصائد أولى" لسركون بولص، و"حديث الخميس" لحسان الحديثي، و"أصابع وحواف" للشاعر الأردني محمد النعيمات. وعلى مستوى الترجمات هناك "اعترافات ولعنات" لسيوران بترجمة مدهشة للأستاذ آدم فتحي. وأعتقد أن أهم الفعاليات الثقافية التي مرت خلال هذا العام معرض بغداد الدولي للكتاب.