Print
هشام أصلان

القاهرة في أسبوع.. عن الشعر ونجم وعلاء عبد الفتاح

12 ديسمبر 2018
هنا/الآن

جوائز نجم لشعر العامية

 منذ أيام، وفي قاعة إيوارت بالجامعة الأميركية في القاهرة، بدا الشجن على كثير من وجوه الحاضرين، بينما غنّت المطربة الشابة مريم صالح عددا من أغاني الشيخ إمام، في احتفالية إعلان جوائز أحمد فؤاد نجم لشعر العاميّة في دورتها الخامسة، والتي تقدمها، سنويًا، مؤسسة ساويرس.

للحظة سرحت في كيف مسموح بتلك الأجواء فيما نعيش من زمن، قبل أن أنتبه إلى أن الاحتفاء بمناضل راحل ليس مشروطًا بموقف أو فعل سياسي يزعج السُلطة.

الجائزة تعلن في ذكرى رحيل أحمد فؤاد نجم من كل سنة، وتوزع على عشرة من شباب شعراء العامية، بقيمة عشرة آلاف جنيه مصري، بينما يفوز أحدهم بالجائزة الكبرى، خمسين ألف جنيه.

ويتساءل المرء عن واقعية أن يكون هناك عشرة شعراء سنويًا يستحقون التكريم، في العامية أو الفصحى، سواء في مصر أو في أي بلد. ليس مقصودًا أن الشعر عزيز فقط، ذلك أن السؤال سيطرح نفسه لو كانت الجائزة مُخصصة للرواية أو القصة. الأمر صعب ولو كانت مصر "ولادة"، لا يقلل من شأن أي بلد.

الشعراء الفائزون هم: عبير الراوي، عن ديوان "الأكل في الميت حلال"، أحمد عبد الحي عن ديوان "الهزيمة الكاملة.. منولوج"، أحمد السعيد عن ديوان "سيدا"، عمرو العزالي عن ديوان "مواليد قصيدة النثر"، علي أبو المجد عن ديوان "هيكل سليمان"، محمود البنا عن ديوان "على باب إرم"، شريف طايل عن ديوان "أفلام تتشاف بالعكس"، عزيز محمد عن ديوان "الكوكب العاشر"، حسن فريد طرابية عن ديوان "آحر فرسان الموهيكانز"، أحمد عثمان عن ديوان "طرق الانتحار الآمن"، والذي فاز بالجائزة الكبرى.

وفضلًا عن جوائز الشعر، هناك جائزة سنوية، ضمن الفعاليات، في فرع الدراسات النقدية، فاز بها الناقد إبراهيم خطاب عن كتاب "فؤاد قاعود.. موال الحرية"، بينما كرمت دورة هذا العام اسم الراحل صلاح عيسى. في النهاية أعلن نجيب ساويرس أن مؤسسته للتنمية الثقافية اشترت آخر منزل عاش فيه أحمد فؤاد نجم، في حي المقطم، تجهيزًا لتحويله إلى متحف يضم ما يخص الشاعر، غير أن نجم لم يكن يحتفظ بشيء على الإطلاق، لذا طلب ساويرس من كل الذين كانوا على علاقة بنجم أن يتبرعوا لمتحفه بأي مقتنيات تخصه لتعمير المتحف المأمول.

بنيس والشعر على "زهرة البستان":

التقيت الشاعر المغربي محمد بنيس، مصادفة، على مقهى زهرة البستان الشهير في وسط البلد. كنت مع الشاعر إبراهيم داود في فاصل منتصف اليوم نستريح بعد قضاء النهار في تجهيز العدد الجديد من "إبداع"، عندما دخل علينا بنيس خلال جولة في آخر أيامه بالقاهرة. بعد دردشة وصمت، سأل بنيس عن أحوال الحركة الشعرية في القاهرة. تذكرت أفكاري حول جائزة نجم لشعر العامية وعدد المشاركين والفائزين بها، قبل أن أنتبه لإبراهيم داود يقول إن الحركة الشعرية هنا مزدهرة بشكل لافت. وداود ابن مخلص للجانب المتفائل بالبشر في أحلك الظروف، نمّى إيمانه بالناس عبر مرور متراكم ومستمر على كُل طبقات الشارع القاهري، وصداقات حقيقية، يقتسم بسببها طاولات، مع ملح الأرض، ولحظات لا يفوّتها مع المارة ممن يأكلون الطوب. من هنا يأتي شعره، رغم الشجن، حاملًا بارتياح شوارع المدينة بمحتوياتها. هكذا انطلق شاعر القاهرة المتفائل يشرح لبنيس كيف أن مصر عامرة بشعر شاب مُدهش، من علاماته الصحية مجيئه من الأطراف خصوصًا في الشعر النسائي. وتطرق الحديث إلى أمور الكتابة والشعر في المغرب العربي، وكيف أن السرد الروائي والقصص جيد الأحوال عن الحركة الشعرية، خصوصًا في الجزائر. وتذكرت جلسة قديمة مع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، شرح خلالها كيف أن الأصوات الأدبية الجديدة مشغولة بمعركة استعادة اللغة العربية التي انزاحت كثيرًا في سنوات سابقة لصالح الكتابة بالفرنسية، مُدللًا على أن الشباب يتقدمون في معركتهم بازدياد أعداد الجرائد التي تصدر باللغة العربية.

بعد قليل انضم إلينا الروائيان إبراهيم عبد المجيد وسعيد الكفراوي والشاعر عبد المنعم رمضان والناقد محمد بدوي، قبل أن يدعونا الكفراوي للذهاب إلى ندوة في دار "بتانة للنشر" تحتفي بالشاعر المغربي محمد الأشعري. بعد السلامات بدقائق، وقبل أن تبدأ الندوة، هاتفني إبراهيم داود من خارج القاعة حتى نلحق بمبارة الأهلي في المقهى.

100 يوم على خروج علاء

"خمس سنوات سجن أوشكت على الانتهاء"، هكذا وقبل مئة يوم بالضبط من الموعد القانوني لخروج المُدوّن الشهير والناشط علاء عبد الفتاح من سجنه السياسي، أطلقت أسرته وأصدقاؤه موقعًا إلكترونيًا، جمعوا فيه كتاباته والمقالات التي كُتبت عنه والبيانات التي صدرت عبر سنوات للتضامن معه في سجن مُتكرر سببه معارضة جميع أنظمة الحكم التي عاصرها، والتغطيات الصحافية للقضايا التي سُجن على ذمتها.

وإن كان الحراك السياسي عبر السنوات السبع الأخيرة عرفّ المجتمع المصري على عدد ليس بقليل من شباب النشاط والنضال السياسي، يتفرد اسم علاء عبد الفتاح بمكان شديد الخصوصية في هذه المنطقة. هو من قليلين في شوارع الثورة لم أعرفهم بشكل شخصي، غير أنه من المُلهمين الذين صاروا، بالثبات، سببًا في تطوير الوعي تدريجيًا. يُسجن ويخرج يصيح معارضًا. في البداية أتساءل عن جدوى هذه المراهقة السياسية، نحتاج إلى فواصل هادئة، قبل أن يتضح أنني كنت المراهق وليس هو، يحدث ذلك بينما يدفع الثمن سنوات وُلد خلالها ابنه الوحيد، ولم يره خارج السجن إلا ربما أيامًا معدودة.

والده، أحمد سيف الإسلام، أحد الآباء الشرعيين لمحامي حقوق الإنسان في مصر، وصاحب المشوار المؤثر في أجيال من الطبقات المتنوعة للنخبة السياسية والثقافية، وواضع السطر اللامع في عدد من قضايا الحريات الثقافية والسياسية. ووالدته السيدة ليلى سويف من أعمدة الخيمة المُضللة على رأس شباب العمل السياسي، والتي يحول بأسها دون انهيار كثيرين، وخالته هي الروائية المعروفة أهداف سويف. هكذا يأتينا هذا الشاب، مع أختيه الناشطتين منى وسناء، نتيجة خليط أُسري واجتماعي شديد النوعية.

أطلقت الأسرة وأصدقاؤها موقع علاء عبد الفتاح في محاولة تنشيط الذاكرة حول قضيته، وتخوفًا من تعنُت مُتوقع من السلطة يعطّل خروجه في موعده القانوني، وهو ما حدث مع أسماء غيره، فضلًا عن التحضير لمعركة جديدة، حيث الحكم عليه بالمراقبة خمس سنوات أخرى خارج السجن، مفترض أن يقضي، خلالها، 12 ساعة يوميًا في قسم الشرطة. أطلقوا الموقع لهذه الأسباب، وربما لا يعرفون أنهم قدموا شيئًا جيدًا للمهتمين بقراءة التاريخ.

المتجول في الموقع سيجد إجابة برّاقة على التساؤلات حول تميّز علاء عبد الفتاح لدى جميع الأطراف، في معنى لامع للفهم والوعي والذكاء وأسلوب التعبير عن الأفكار، ذلك أن الهتاف وحده لا يصنع مُلهمين. هنا مقالات، فضلًا عن كونها مكتوبة بشكل يساعد على قراءة شيقة، تفتح نافذة ذهبية على مساحة واسعة لجانب من طبيعة الحياة السياسية الحديثة في مصر، بسردية علاء عبد الفتاح الذي انشغلت به الصفحات الأولى لعدد من صُحف العالم في أكثر من فترة حيوية سابقة. هنا، أيضًا، بعض من كتاباته الشخصية في مراسلاته لإخوته وكلام حول أكثر الأمور خصوصية، أتاحتها أُسرة أدركت أن أحوالها الشخصية صارت من حقوق الانتفاع العام.