Print
صقر أبو فخر

النظر في أسماء البدو والحضر

13 أغسطس 2019
اجتماع
النَسَب هو أساس المنزلة الاجتماعية لدى قبائل العرب قبل الإسلام. واستمر هذا المعيار بعد الإسلام وحتى يومنا هذا. والقبيلة هي وطن الفرد في نظر أفرادها؛ فهم ينتسبون إليها وليس إلى المكان أو الأمكنة التي تنتشر فيها مضارب البطون والأفخاذ، لأن الانتساب إلى المكان هو شأن مديني لا بدوي. أما الانتساب إلى الجد الأعلى فهو شأن فلاحي. وهذا الانقسام بين البدو (أهل الوبر)، والفلاحين (أهل المَدَر)، وسكان المدن (أهل الحضر)، ما برح موجوداً في أسماء الناس وكناهم وألقابهم. فهذا حلبي، أو دمشقي، أو بصري، أو بغدادي. يعني، في الأعم الأغلب، أن الشخص مديني. وذاك من آل البكري، أو العمري، أو الفاروقي، يعني أنه ريفي – مديني معاً، أي أنه، على الراجح، من مُلاك الأرض الذين تمدينوا. وذلك شمري، أو جبوري، أو عنزي، يفيد بأنه بدوي الأصول القريبة حتى لو سكن المدن. ولا ريب أن هذا المعيار متحرك ومتغير وتتداخل فيه عوامل شتى بحسب العصور والتحولات الاجتماعية المرافقة لها. وفي جميع الحالات يبقى مفهوم الانتساب إلى جماعة ما أساساً لمعرفة كثير من وقائع التاريخ القديم والوسيط. وأسوأ الروايات المسطورة في بطون الكتب هي روايات الأنساب التي تتسربل بأكاذيب لا عد لها ولا حصر، مثلها مثل روايات الأَعلام وبطولاتهم وشجاعتهم وفتوحاتهم وكرمهم وذكائهم... إلخ. ومهما تكن الحال، فإن ميدان الأسماء، ودلالاتها يكاد ينحصر في
الأنثروبولوجيا والتاريخ والدراسات الثقافية التاريخية والاجتماعية. فالهنود الحمر، أي سكان أميركا الأصليون، يسمّون مواليدهم تبعاً للحادثة الفورية التي تعقب الولادة، مثل "القمر الطالع" أو "الشمس الصفراء"، أو "الذئب الهارب"، أو "البغل الجامح"... وهكذا. ولدى العرب ما يشبه ذلك إلى حد بعيد؛ فإذا ولد المولود في أثناء الحرب سماه والداه حرباً. وإذا وُلد في الربيع يسمى ربيعاً، أو رمضان إذا ولد في شهر الصوم، ومثله رجب وشعبان ورعد ومطر وجمعة. وفي الأزمنة البعيدة قيل لأعرابي: لما تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، مثل ضاري، وسطام، ودحام، وهزاع، ومتعب، ومرداس، وعباس، وحنظلة، وتسمون عبيدكم بأحسنها، مثل عُريب، وعنان، ودنانير، وياقوت، ومرجان، ومرزوق، ومسرور، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. وقد تغيّرت الحال كثيراً بالطبع، فراح أهل المدن يسمون أبناءهم سعيد وسعد ونعمان وسالم وعامر وغانم وحسان وربيع ونجم وبدر وسهيل وسعاد وليلى وسلمى وميسون، وهي أسماء قديمة، لكنها ظلت جارية في الألسن. فالكنى بقيت هي هي، أي الانتساب إلى الجد الأعلى أو إلى القبيلة، أما الاسم الأول فاتسعت قواميسه ومفرداته. وأشهر مَن كتب في الأسماء ابن قتيبة في "أدب الكاتب"، وابن جني في "المنهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة"، والأبشيهي في "المستظرف في كل فن مستطرف"، والقلقشندي في "صبح الأعشى".



أسماء غريبة
جرت عادة بعض الناس المتطيرين على تسمية الابن الخامس "خميس"، أو "خيشة"، أو "الشحات"، منعاً للحسد. وثمة أسماء من الصعب إعادتها إلى أصولها ودوافعها بطريقة يمكن
الركون إليها، مثل بندوق، وعفريت، وفقعان، وكلبان، ودبّرها، ولهلبت، وبرغش. وليس من المعروف على وجه الدقة لماذا تستمر أسماء العائلات التي تثير الاستهجان، ولا تتغير في السجلات الرسمية. وعلى سبيل المثال، الشاعر قرود محمد، الذي أصدر في سنة 2015 ديواناً عنوانه "مذكرات رجل كئيب"، وعازف الإيقاع المغربي محمد شخشخ، والأستاذ المحاضر عبدالرحمن الهبيل من فلسطين، وعفريت بناني، وهو محام مغربي، ومحمد العكروت، وهو كاتب تونسي وأحد قادة حزب النهضة، وشوقي البعبع، وهو رسام فلسطيني من يافا، وإسماعيل أبو كر، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي الصومالي في عهد الرئيس زياد بري، وقمر الدين خربان أحد قادة الجبهة الاسلامية للإنقاذ في الجزائر، ومحمد الحيوان وهو كاتب مصري، ومصطفى الزبري (أبو علي مصطفى)، وهو الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.


عائلات لها في الأسماء سبب
في فلسطين عائلات من عيار: صب لبن، والطزيز، والبورنو، وست أبوها، وازحيمان، والبزلميط، وزلاطيمو، وسقف الحيط، وبربخ، وأبو جحيشة، وسكجها، وخرينو، وخريوات. وفي لبنان عائلات على غرارها، مثل: الفسوي، والمقير، وجروة، وخريرو، وطوبزيان،

وزبالة، وزبّال، وفَلَقْها، وفرشخ، ومهتري. وفي سورية: سفلو، وبعصولو، والزبرؤتي، وكلبون، وتحشيشيان، وقطّاع النعل، ودبس، ولبن، وزيت، والعشعوش، وعشو، وغلا الحليب، وقلا التمرية، وبوز الجدي، وخسيس، وفار الحليب، والزعوري، وخرارو، وشرم برم، ونص دكة. وفي العراق: باقر الصدر، وفي ليبيا: قذاف الدم، وفي السعودية: فطيس، والأكلبي، وفي الإمارات: القرق. وللأسماء في منشئها وشيوعها ورسوخها أسباب خفية وظاهرة، وما تقدم منها هنا إنما هو النزر اليسير. ومن لا يصدق فليراجع دليل الهواتف في كل بلد عربي، أو شواهد القبور في المدن الكبرى.