Print
بوعلام رمضاني

عشرة ملايين زاروا متحف اللوفر خلال 2018

22 يناير 2019
أمكنة
أنا الذي وقفت في طوابير طويلة أمام المتاحف الباريسية، مُقاومًا الحر تارة، والبرد تارة أخرى، منذ ربع قرن تقريبًا، لا أعتبر إقبال 10 ملايين زائر فرنسي وأجنبي على متحف اللوفر خلال 2018 مفاجأة كبيرة، ولم أدهش أيضا لتجاوزه متحف نيويورك الذي لم يبلغ عدد زواره في العام الماضي 8 ملايين.

كثيرة هي الحالات التي وجدت فيها نفسي في هذا المتحف وفي متاحف باريسية أخرى وسط حشود كبيرة تعكس هوس الشيب والشباب بشتى أصناف ممثلي التيارات والحساسيات الفنية. وما زلت أحتفظ بصور الأصحاء وهم ينتظرون دون كلل ساعة الوصول إلى معرض احتضنه متحف اللوفر، أو متحف بيكاسو، أو متحف الغرا باليه، أو معهد العالم العربي، أو متحف برانلي، ولم ينتظر في الطوابير الطويلة الأصحاء من الشيب والشباب وحدهم فقط، بل انتظر أيضاً معوقون في مقاعد متحركة، مثل الرئيس بوتفليقة الذي يبدو أنه متوجه إلى عهدة خامسة حتى إشعار جديد!

في النهار والليل

قلت إن إنجاز متحف اللوفر المذكور لا يعد مفاجأة، لأن هرمه الزجاجي البديع، الذي خلد ثقافيًا الرئيس الراحل فرنسوا ميتران، كما يخلد حاليًا متحف كي برانلي الرئيس المريض جاك شيراك، لم يستقبل في العقود الأخيرة الملايين من الزوار الأصحاء والمرضى في النهار فقط، وحدث أن مدد تواريخ المعارض تلبية لزوار كثر تزايدوا من يوم لآخر، الأمر الذي دفع بمسؤولي متحف اللوفر العجيب إلى تخصيص أول يوم سبت من كل شهر ابتداء من مطلع السنة الجارية يومًا لزيارة ليلية مجانية، وسبق أن حدث هذا مع معرض بيكاسو، رسول التكعيبية، قبل سنوات قليلة.
تدرج المتحف الباريسي في تحقيق الشهرة العالمية المنتظرة وطور مسار ومسيرة الإقبال عليه من سنة إلى أخرى، وانتقل من 9.7 ملايين زائر عام 2012 إلى 10 ملايين في نهاية السنة

الماضية، محدثًا نقلة نوعية غير مسبوقة عززت الناتج الداخلي الخام على الصعيد الثقافي، وحولت الفنون إلى مصدر ثروة، رغم كل ما حل من محن اقتصادية وسياسية واجتماعية في باريس فولتير، ومونيه، وبيكاسو، ودولاكروا، وعلى رأسها محنة الإرهاب التي لم تغير من عادات الفرنسيين الثقافية الراسخة، كطقوس لا تختلف عن الطقوس الدينية، واستعاد المتحف الباريسي تألقه ووهجه رغم تراجع في إقبال الجمهور بعد هجمات عام 2015 الإرهابية بزيادة ميزت عام 2017، باستقباله 8.1 ملايين زائر، ليرتفع العدد إلى 8.5 ملايين بفرع ولد في مدينة لانس الشمالية بعيداً عن العاصمة باريس.

استراتيجية مدروسة ودمقرطة

رغم الهجمات الإرهابية، وتراجع السياح الأجانب الذين يأتون بالآلاف للوقوف عند لوحة "موناليزا" المبتسمة الساحرة للتشكيلي الخالد ليوناردو دافنشي، بقي متحف اللوفر المعلم الحضاري والثقافي والسياحي الأول الذي يراهن عليه مسؤولوه لربح معركة الاستثمار الثقافي، بالتفكير في إيجاد سبل وأساليب جديدة لتوسيع وتنويع رقعة الجمهور في إطار استراتيجية مدروسة ومحكمة. توسيع الجمهور وتنويعه يعنيان دمقرطة العرض الثقافي، وتمكين كل الفئات الاجتماعية من دخول أشهر المتاحف الفرنسية والأوروبية والعالمية. في هذا السياق، جاءت فكرة فتحه حتى ساعة متأخرة من الليل مجانًا، مرة كل شهر، فشهد المتحف إقبالاً أكبر، من الكبار والصغار والشبان المراهقين، بفضل النشاطات الفنية المسلية الأخرى التي برمجت بشكل بيداغوجي من شأنه التخفيف من جدية الفن التشكيلي الخالص الذي يحتاج إلى ثقافة تشكيلية، وتهدف النشاطات الفنية الخفيفة والمسلية إلى لفت انتباه الصغار الذين يرافقون الآباء والأمهات في مرحلة أولى إلى بث حب الفن التشكيلي في نفوسهم، وتعليمهم التيارات والتقنيات التي مكنت كبار رموزه من التألق عالمياً.

الأولوية للفرنسيين

إذا كانت شهرة المتحف الفرنسي مرتبطة بالسياح الأجانب الذين يزورون أشهر المعالم الثقافية والسياحية الفرنسية في أذهان الكثير من الفرنسيين غير الباريسيين، فإن الاعتراف بهذه الحقيقة هي التي دفعت مسؤولي متحف اللوفر إلى إعطاء الأولوية ابتداء من مطلع الشهر في السنة الجديدة إلى الجمهور الفرنسي الشعبي، وعلى رأسه الأطفال والشبان والعائلات. ولتحقيق هذا الهدف، مكنت وزارة الثقافة هذه الفئات من بطاقة العبور الثقافي التي تمثل اشتراكا ماليا غير مكلف

مقارنة بثمن التذكرة التي يدفعها السياح الأجانب وغير الحاصلين من الباريسيين الميسورين على البطاقة المذكورة. وجاء مشروع فتح متحف اللوفر للزوار الفرنسيين في الليل بعد إلغاء الزيارات المجانية التي كانت تبرمج في السابق أيام الأحد في النهار بعد تأكد مسؤوليه من عدم إقبال الجمهور الفرنسي الذي يأتي لأول مرة على المتحف الشهير، رغم مجانية الدخول، في الوقت الذي يقبل فيه السياح الأجانب عليه أيام الأحد في ساعات مبكرة من النهار، ولم تتجاوز حسب بيان المتحف نسبة إقبال الفئات الشعبية أيام الأحد 16%.

انطلاقاً من المعطيات سالفة الذكر، نقرأ في بيان مسؤولي المتحف الفرنسي الأشهر عالمياً: "إن أجنحة الحضارات الشرقية القديمة ستكون في صلب استراتيجية العام الجديد، وهي الأجنحة التي ستعرف نشاطات فنية متنوعة على هامش الزيارة العامة للمتحف، ومن بينها نشاطات مسلية تقوم على ألعاب فنية اجتماعية وتمثيل مسرحي، وأخرى جادة تمكن الكبار من القراءة بين منحوتتين".

يجدر الذكر أن معرض دولاكروا الذي احتضنه المتحف الفرنسي الشهير حتى الثالث والعشرين من شهر يوليو/ تموز الماضي قد حطم الرقم القياسي في عدد زوار المتحف بجذبه حوالي 540 ألف زائر أجنبي الفرنسي، وبمعدل 5100 يومياً.

وعلى الرغم من شهرته العالمية، لم يتمكن متحف اللوفر من منافسة معرض مؤسسة أوي فيوتون التي يملكها رجل الأعمال برنار أرنو، وانفردت باستقبال 1.2 مليون زائر أثناء احتضانها مجموعة رجل الأعمال سيرغي تشوكين، والتي تضمنت 29 لوحة لبيكاسو، و22 لماتيس، و12 لغوغان، ولوحات أخرى لماني، ومونيه، وفان غوغ.