Print

مراسلات جورج لوكاتش

10 أغسطس 2019
عروض
صدر حديثا عن دار المدى كتاب "مراسلات جورج لوكاتش"، هذه المراسلات التي كتبت بين عامي 1902 و1917، وكانت موجودة في محفظة في "بنك هايدلبرغ" في ألمانيا عام 1917، وظلّت قابعة هناك من دون أن يعود إليها صاحبها، كما يروي لنا مترجم هذه الرسائل نافع معلا في تصديره للكتاب الصادر بطبعة جديدة.
ولولا شكوك أحد موظفي البنك بعد رحيل لوكاتش (1885-1971) في أنها أوراق ذات أهمية، بعد أن صدر كتاب عن حياة لوكاتش وبدأ الحديث يكثر عنه في الصحافة الألمانية، لما اكتشف العالم، بعد رحيل صاحب "تحطيم العقل"، ألفا وخمسمئة رسالة مرسلة إليه وخمسمئة رسالة كتبها هو ربما من دون أن يرسلها، ولذلك ظلت بحوزته، أو ربما عادت إليه بشكل أو بآخر بعد وفاة المرسل إليهم غالباً (ظهرت لاحقاً رسائل بعد عام 1917 وحتى 1921). من أبرز المرسل إليهم في هذا الكتاب صديقه الفنان التشكيلي ليو بوبر، ورسائل متبادلة مع المسرحي الألماني باول إرنست، وكذلك رسائل وصلت إليه من مارسيل بندك، ولاسلو بانوتسي، وكذلك رسالة من حبيبته الأولى سايدلر إرما وعشرات الشخصيات من أوساطه الشخصية والثقافية وصلت له من هنريك ريكرت، ألكسندر برنات، ليو بوبر.
هذه المراسلات رغم أنها لا تتضمن الكثير من الأفكار المضيئة حول الفلسفة أو الثقافة بالعموم، لكنها تكشف الكثير عن حياة لوكاتش وعن الوسط الذي كان يتحرّك فيه وعن صداقاته وعواطفه وطبيعته وتطوره الفكري والثقافي المبكر، لذلك كانت وثائق أساسية لكل من حاول الكتابة عن حياة وسيرة مؤلف "طريقي إلى ماركس".
الكتاب الذي جاء في 575 يشكل وثيقة تاريخية ثقافية، لا نقرأ فيها بدايات تشكل عبقرية الفيلسوف فحسب، بل نقف من خلالها على الخصوصيات التاريخية والثقافية، والاتجاهات الفلسفية والأدبية والنقدية السائدة في تلك الفترة، ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين.
وفي رسالة من جورج لوكاتش إلى صديقه شاري فرنتسيكان أرسلها له عام 1909 وتحمل رقم "39" من بين الرسائل يقول له فيها: "نحن الثلاثة؛ أنت، وأنا، وصديقك. أنتما تتحدَّثان عن أفلاطون، وأنا تثيرني روح سقراط. أنا لا أرى أفلاطون أبداً، ولا أستشعره إلاّ في كل عبارة من عباراتي، حيث تعرفت إليه، قبل أن أسمع كلمة واحدة منه. وكلما نظرت إليه من قريب، أجدني عاجزا عن فهمه. وأما سقراط؟ أجل. إن روح سقراط الإنسان الديالكتيكي، القوي، الواثق، الذي خاض كثيراً من المعارك، حتى لقي مصيره الاستشهادي بهدوء قديس، تثيرني، فأسأل نفسي، وأسألك أي نوع من البشر كان سقراط حين ظل صامتاً. وأتساءل ما السبب الذي دفعه ليتكلم؟ لماذا انشطرت كل مفاهيمه إلى شطرين؟ لم كان على هذه الدرجة من الهدوء والطمأنينة، واقتصر القلق كامناً في عقله. وكيف استطاع أن يموت، رغم ذلك، على هذا النحو؟ ماذا يعني موت سقراط؟ وماذا تعني الحياة؟".