Print

أول مجموعة شعرية لإيهاب شغيدل

17 يوليه 2019
عروض
صدرت حديثاً عن دار الرافدين مجموعة شعرية بعنوان "144م2" هي الأولى للشاعر العراقي إيهاب شغيدل، واحتوت 48 نصاً توزعت على 104 صفحات.
إيهاب شغيدل من مواليد بغداد 1992، نشر العدد من النصوص في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وترجمت بعض نصوصه إلى الإنكليزية والفارسية.

من أجواء المجموعة: 

غابة دارون

 -1-

أُحبكِ مثلَ قرد
‏‎يَعرفُ أنَّ أخاهُ
‏‎يموتُ يومياً بالسيارات المفخخة،
‏‎أقولُ قرداً
‏‎ﻷنني مللتُ من الصدفة
‏‎التي جعلتْنا خارجَ القفزِ بينَ الأشجار،
‏‎فكمْ سنكونُ رائعَين
‏‎لو أحببنا بعضنا في غابة
خارجَ هذا (القطَّاع)،
‏‎بالتأكيد سيصنعُ لنا القردةُ الطيبون زفافاً هائلاً..

‏أنا أبكي الآن
وأتخيَّلُ رقصَ أمي في الغابة،
‏‎حتماً ستكونُ بثيابٍ سود..
‏‎ماذا تخسرُ الطبيعةُ
‏‎لو لمْ تفرقْنا عن أخوتِنا الأسلاف؟!

‏‎كمْ هو رديء هذا الانتخاب
‏‎لأنَّه لَمْ يجعلْ البقاءَ للقبلةِ الأفضل.

-2-

لمْ يتحدثْ دارون عن
كميةِ الحبِّ التي تنفدُ بالقُبل،
لمْ يتطرفْ كثيراً في مسألةِ
أنّنا نعبثُ بغبارِ النشوء..

لنتمددَ على السريرِ
يا قردتي...
هاتِ ما عندَكِ من الأخطاء
لنؤثثَ العالمَ من جديد
ونتأنقَ كحبّتي أرز في قِدْرِ التكوين..

لسنا كائناتٍ جائعة،
ربما حجران
التصقا وكانتْ النار
أو فقاعتان في قاعِ المحيط،
مرَّ قطارُ التطور
وحوّلهما إلى مخلوقاتٍ افتراضية،
هرولنا خلفَ دورةِ حياتنا
أنا سقطَ حذائي
لذا أبدو غارقاً في وحلِ الحبّ،
وأنتِ تطاير قرطاك
لذا صارتْ أمُّكِ تشذّبُ
أحزانَكِ من هواءِ العائلة
بكلِّ هذهِ الكثافة..

أناديكِ الآن يا قردتي...
بينما تقولين بهدوء:
يا كلبَ حياتي
لأعضَّ ما تبقى من
أسلافنا الحمقى.


مولع بالغياب

أجدر ما يكونه المرء
أن يصبح مولعاً بالغياب،
عائماً في تذويب نفسه،
حتى يُصبحَ شبه كائن لا يمكن المساس باختفائه...
عملية المحو تلك تحدث بشكل تلقائي،
بشكل مكثف مرات عديدة،
أن تغيب عن الوقت وتذهب إلى شجرة الزقاق،
أن تغيب عن المرأة،
وترسخ في رأس الشارع مثل لوحة إعلانات
يكتب عليها المارة أسماءهم،
أو يضربها ما تبقى من هواء البارحة،
أن تغيب عن الغياب نفسه
فتصبح عدماً يلوح للأفق...

يحدث ذلك بالقوة التي
يظهر بها الآخرون التصاقهم بالجري..
أن تذهب يوميا إلى الزوال
كما تغيب سمكة جرّاء تهور المياه
ذلك أجدر ما يمكن أن يحدث.

 

اعتياد 

الاعتياد الزائر الدائم
الضيف الخفيّ
الذي يدخلُ من الأقدام
من الشبابيك والأبواب
من الهشاشة
من نظرات سائقي العربات القديمة..
العنصر الهلاميّ
الذي يخفي القطط والأرانب
تحت قبّعة العالم
يخفي صورةَ المرء وهي
تنهارُ وتضيعُ في كتلة من البلاهة..

الاعتياد يا حبيبتي
هو الذي يجعلني أرغبُ بك دائماً
أرجو ألَّا تغمضي عيني الوقت،
كلُّ شيء سيكون ملائماً

السّعادة تمرين...
إذ يمكن للكائن أنْ يضحك في المرآة
ليبدو سعيداً

يمكن للرجل أن يتحولَ إلى رقم في زجاجة
يذهبُ يومياً ويرتدي تلك البذلة اللعينة،
يضحكُ كما لو أنّه أول من تعلّم الضحكَ،
يضيع في بحر النكات،
إنّه الموظف الذي يقفُ نصفَ اليوم
خارج نفسه
كي يمارسَ الجلوس في النصف الآخر
خارج نفسه أيضاً.

إنّه التدريب
الذي يجعلُ المرأة
تمسحُ التلفاز نفسَه كلَّ يومٍ
في العاشرة صباحاً
وتقشّر الفاكهة نفسها أيضاً
عندما تودّ أن تأخذَ نفساً عميقاً،
حتّى النّهر ليس نهر البارحة
لقد مشت العيدان إلى الجنوب
وحلّت مياه أخرى غير تلك
ما الّذي يجعل هذه الأشياء تستمر؟

كلّ ما يحدث وما لا يحدث
إنّه الاعتياد حجارة الجميع
فنحن في النهاية
نموت ونعيش جرّاء ذلك

نتقابلُ صباحاً
ونترك أثراً على المقاعد،
نشربُ الشاي
ونمسحُ الأحذية،

نتلاشى وفق خوارزميّة العالم تلك
التي لا تنظر للخلق أو للنوع،
الجميع هنا
يألفون الكآبة والكلام،
يألفون أنفسهم وزوجاتهم،
أيُّ مُسْخٍ يعيشُ
داخل هذا الجهاز الذي يتنفس
الذي يجلسُ يومياً على الكرسي ذاته
بينما يضيع في أنبوب طويل
من التّدريب والاعتياد...؟