Print
تغريد عبد العال

"الثعلب أشعب".. الحكاية كصنف أدبي

21 نوفمبر 2019
عروض
في روايته الجديدة "الثعلب أشعب" الصادرة مؤخراً عن دار الفارابي، يستعيدُ زهير هواري حكاية هي واحدة من حكايا والده الراحل، التي كان يقصها عليه في ليالي الشتاء، وكان قرأ عن أشعب من الكتب التي كان يشتريها أو يستعيرها خلال طفولته وشبابه. وفي هذه الرواية يعيد الكاتب الحكاية الى مكانها الأصلي، وهو الكتاب، محافظا على البنية الأساسية لها ومضيفا لها الكثير مما لم تكن تحتمله لدى روايتها على صعيد الثقافة المحلية عن الحيوان.

تدور الحكاية حول الثعلب أشعب، الذي يملك مقاليد فنّ السّرد والحركة والسّياق عامة وإدارة ما يحدث من وقائع لصالح أطماعه وجشعه؛ الشّخصية التي يقول عنها الكاتب إنّها تعبر عن الكوميديا في العقلية العربية دون إغفال لحضور الروافد الثقافية الأخرى، وهي الفارسية القديمة والهندية وغيرهما.
تقتربُ لغة الحكاية من لغة كتب اليافعين، وهي تحاول أن تبقى في إطار السّهل الممتنع، فنشعر ونحن نقرأ بوجود الراوي معنا، وكأن الحكاية تريد أن تجد لها مكانا في الأدب بشكل عفوي وسلس، وبهذا يقترح الكاتب أن نستلهم قصصا حقيقية وملهمة من التاريخ الشفوي الذي هو بالأصل قادم من كتب التراث ومستلهم منها.
في كتابه (فن الرواية) يطرح كونديرا سؤالا عن نشأة الرواية بين ركام الحروب والألم والانكسار العاطفي، ويذهب في القول إن الرواية تطرح سؤالها وهو لم الحرب؟ ولا تنتهي إلا بإجابة فلسفية داخلية تتحدث من منطلق الفن الصارخ ضد هذه الفوضى، أي أنها فن يعكس رؤيته لا أكثر.
وهنا في رواية زهير هواري نعثر على فن يريد أن يعكس ما بداخل شخصيات حيوانية ويتتبع مجريات الأحداث وكيف تتلون هذه الشخصية، إنها دعوة للدخول في باطن الشخصية ورؤية كيف يتمثل هذا الصراع بين خير وشر دون انحياز. إنها رؤية خاصة لما يدور من أحداث بين الثعلب والذئب والحيوانات الأخرى وهناك دروس كثيرة يمكن للمرء استقراؤها، وبهذا تبتعد قليلا عن الحكاية وتقترب من الرواية لكونها تطرح هذه الإشكالية وهي البعد الثالث للخير والشر والحالة النفسية ورؤية كل من الشخصيات للحدث.
ورغم أن شخصية الثعلب هي الشخصية المحتالة، إلا أنه ينتصر في النهاية، لأن دهاءه وحنكته تنتصران على قوة وبطش الذئب. وهكذا حين نصل للنهاية فإننا نعثرُ على وصفٍ إنساني لحالتنا جميعا فتتحول قصة الثعلب أشعب الى حكايتنا جميعا في عرض مشوق، يشعر فيه القارئ برشاقة السرد.
تمر الأحداث ببطء وتتكشف بطريقة غير متوقعة، حتى يتخيل القارئ أن الشخصيات الحيوانية ما هي إلا وجوه إنسانية مقنعة وتلعب أدوارها بإتقان على مسرح الحياة.
مزجت الرواية شخصية الثعلب أشعب مع شخصية أشعب الحقيقي كما تقدمه كتب التراث، والشخصيات الحيوانية التي وردت في (كليلة ودمنة) مضافا إليها المرويات الشعبية، وكما يذكر الكاتب في بداية الكتاب فإن جزءا من الحكاية يتقمصه أناس نعرفهم أو نعرف بعضهم على الأقل.
قد تكون الرواية موجهة للكبار ولليافعين، ففي أدب اليافعين ما ينقصنا من تلك القصص والحكايا التي كان يسردها الجيل الأكبر لنا، لذلك تأتي الرواية كدعوة للبحث في القصص والحكايا الشفوية وإعادة كتابتها لجيل قطع علاقته تقريبا بالكبار.
وسواء قصد الكاتب أم لم يقصد، فإن حكاية أشعب هي اقتراح جمالي، ودعوة خفية للبحث أكثر في هذا العالم الخفي: الحكاية.