Print

سرديّةُ فلسطين بين سعيد ودرويش

1 أكتوبر 2019
صدر حديثا

صدر حديثاً عن دار "العائدون للنشر" كتاب "سرديّةُ فلسطين بين إدوارد سعيد ومحمود درويش" من تأليف الأكاديمي والناقد المغربي يحيى بن الوليد.
يسعى بن الوليد في هذا الكتاب الواقع في 131 صفحة من القطع الصغير إلى الغوص المقارن داخل أفياء سردية الهوية عند المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (1935-2003) وعند الشاعر الفلسطيني محمود درويش (1942-2008).
الكتاب الذي يتضمن مقدمة للشاعر عمر شبانة، مدير دار العائدون والمحرر المسؤول عن المحتوى فيها، يفرد صاحبه فيه مساحة وافية لمسيرة إدوارد سعيد وتحولات تلك المسيرة، خصوصاً التحول المفصليّ الذي تحقق بعد هزيمة حزيران/يونيو في العام 1967، وانتفاض الفلسطينيّ في أعماق وجدانه، وصولاً لمنجزه المرجعيّ كتاب "الاستشراق" (1978) وليس بعيداً عنه، وبعده بعام كتابه المهم الآخر "مسألة فلسطين" (1979) بحسب الترجمة الفرنسية، ومن ثم ما استكمل به ثلاثيته تلك ألا وهو كتابه "تغطية الإسلام" (1981).
وبعد ذلك ينتقل الكاتب لسبر أعماق التجربة الشعرية والفكرية والإنسانية والمعرفية المتعلقة بالشاعر محمود درويش. وهو في مختلف فصول الكتاب وذروات تجليه، يواصل التأمّل المقارن بين التجربتين: سعيد ودرويش، بوصفهما الأنموذجين الأعلى كعباً، إن على صعيد بحث فلسطين عن سرديتها الخاصة بها، أو على صعيد تفكيك السردية الصهيونية/ الإسرائيلية، بوصفها، وفق السياق المكتوب، سردية إمبريالية لا تختلف من حيث الجوهر عن الخطاب الإمبريالي الغربي إلا بكونها سردية أكثر تصلباً وانغلاقاً ورجعية من الإمبريالية الغربية على وجه العموم.
سردية الفلسطيني في مواجهة السردية الصهيو- أميركية والغربية، علاقة كل من سعيد ودرويش بالمنفى (ما تقاطعا فيه هنا وما اختلفا)، علاقة كل منهما بالمؤسسة الفلسطينية الرسمية (منظمة التحرير الفلسطينية)، علمانيتهما ومن ثمّ مفهوم كل منهما للآخر، الشكل المتخيّل عن كل منهما لحلِّ الصراع (الحلّ النهائي)، علاقتهما بالنقد وجدواه، مصادر قوة كل منهما وفرادته وكريزمات تفوقه، وتفاصيل وحيثيات أخرى كثيرة، يقف عندها بن الوليد، ويخضعها لمبضع التحليل، مارّاً على مواعيد تقاربهما، وعلى أشكال التعاون بينهما التي لم تقتصر على كتابة سعيد مقالات شبه دورية منتظمة في مجلة "الكرمل" عندما كان درويش يترأس تحريرها.
بالإضافة لمقدمة عمر شبانة، يتضمن الكتاب الذي يعد باكورة إصدارات دار "العائدون للنشر" تمهيداً: "في سياق الوعي المحلّق"، وفصلاً خاصاً بسردية إدوارد سعيد، وفصلاً حول سردية محمود درويش، وخاتمة حملت عنوان "إنما الأمم السرد".
يقول الشاعر شبانة في مقدمته للكتاب: في تعاطيه مع كلّ من سعيد ودرويش، سواء على المستوى الشخصيّ أو الإبداعي، ينفذ ابن الوليد إلى جوانب خاصّة من كلا الشخصيّتين، وعلاقة كلّ منهما بسردية الوطن، كما في علاقتهما بالمنفى، وهي علاقة يرصدها على مستوياتها النظرية والعملية، فيظهر فيها درويش "العائد" من المنفى إلى ما يسمّيه "نصف عودة" إلى "نصف وطن"، محاولاً إنهاء حياة المنفى، بينما يبدو سعيد الرافض لهذه "العودة" والمتشبّث بفكرة المنفى المرتبطة بالمثقف المتمرّد والمنشقّ.
شبانة يشير أيضاً إلى حلقات الوصل التي أقامها بن الوليد في كتابه: وفي موازاة تعاطيه مع المشروع "السعيديّ" ومفرداته، وفي التعالق مع هذا المشروع، يقيم ابنُ الوليد حلقة الوصل مع "مشروع" درويش، مُشيراً، بذكاء وخفّة ظلّ ربّما، إلى درجة من اتّكاء هذا على ذاك، وخالصاً، في واحدة من أهمّ خلاصاته، إلى اشتراك المشروعين، السعيديّ والدرويشيّ، في نقاط كثيرة، أبرزُها فكرة الوطن، وسرديّة هذا الوطن وروايته. ولكن رواية كلّ منهما، كما يبنيها ابن الوليد، تذهبُ أبعد ممّا هو "وطني"، بل أبعد من القوميّ/ العروبيّ، لتعانق الأفقَ الكونيّ، العالميّ، والإنسانيّ. ومن هاتين الروايتين/ السرديّتين، يبني الناقد النابه روايته هو عن كلا المشروعين، وكلتا الشخصيّين، وكيف يبني كلّ منهما عالمه، في ظلّ معاناة شخصية وأخرى وطنية- نضالية لا تستسلم للسائد و"الجماهيريّ".
بن الوليد يرى في إطار التمهيد أن اقتصار كتابه على سردية فلسطين في منجزيّ سعيد ودرويش لا يعني "تغييبَ أسماء فلسطينية أخرى وحتى عربية خدمت بدورها فكرة فلسطين".
ويخلص في خاتمة الكتاب إلى أن فكرة السردية "ليست متعلقة بشعب أو مجموعة قومية دون أخرى"، وأن التاريخ بحاجة لمن يرويه، حيث لم يتح للفلسطينيين قبل الاحتلال كتابة "تاريخهم الوطني"، كما يذهب في خاتمته الجامعة إلى أن أهمية سعيد ودرويش تأتي من سرديتيهما وكسرهما لمألوف السردية التاريخية المثقلة بالطابع الوطني السوسيولوجي أو التقليدي، وفي عدم إيغالهما وإفراطهما في التاريخ ذاته، ومراوحتهما بين "التاريخ العبء" و"التاريخ الحافز"، وفي اعتمادهما على منظور يبحث لسردية فلسطين عن موقع في النزعة الإنسانية الكونية وفي التاريخ العالمي للقرن العشرين ككل، وبكثير من التفرّد والتميز على مستوى "سلاح الخطاب"، ودونما سقوط في أي صنف من صنوف الالتزام الراديكالي بالفكرة الراديكالية أو "لغم الفكرة – الوثن".
يحيى بن الوليد: باحث وأكاديمي مغربي، مختص في قضايا التراث والنقد الثقافي، حاصل على دكتوراه في الخطاب النقدي والفلسفي بالمغرب. من مؤلفاته: "التراث والقراءة: دراسة في الخطاب النقدي عند جابر عصفور"، و"الوعي المحلق: إدوارد سعيد وحال العرب".
انطلقت فكرة تأسيس دار "العائدون للنشر" لتكون دار نشر عربية، متخصصة أوّلاً بتاريخ فلسطين، القديم والحديث، وبكل ما يتعلق بهذا التاريخ من إشكاليّات وأسئلة تفيض على الواقع الراهن.
كما تركز الدار على حقل الدراسات التوراتيّة المتعلّقة بأرض فلسطين التاريخية، وما أنتجته هذه الدراسات من وقائع على الأرض، من خلال نشر ما يتعلق بنظرية "تهافت التأريخ التوراتي"، التي أسهم في تأسيسها وتطويرها المؤرخ الفلسطيني البروفيسور عصام سخنيني، في عدد من دراساته ومؤلَّفاته.