Print
نيويورك - ابتسام عازم

"إخوة السلاح": مذكرات الثورة السورية

7 يونيو 2018
عروض

 

قلّما نقرأ عملاً أدبياً يشترك في تأليفه أكثر من كاتب. "إخوة السلاح"، والذي صدر عن دار "وان وارلد" الأسبوع الماضي بالإنجليزية في الولايات المتحدة، هو من هذا الصنف النادر. إذ اشترك في تأليفه كاتب وكاتبة/فنانة، كل واحد منهما في قارّة: الصحافي والكاتب السوري مروان هشام، والكاتبة والصحافية والرسامة الأميركية مولي كراب آبل. لكن الهمّ المشترك ووسائل التواصل جمعت بينهما وبين قلميهما ورؤيتيهما، فكان هذا العمل الذي يجمع بين النص الأدبي والرسوم.

 

صدرت في السنين الأخيرة عشرات الكتب حول الثورة السورية ومآلاتها وجذورها باللغة الانكليزية وبلغات أوربية، كتب بعضها بعجالة، وكتب البعض الآخر استجابة لرغبة القراء بمعرفة المزيد عن هذا البلد الذي أصبحت فصول مأساته عنواناً يومياً في شرائط الأخبار. وهناك، بالطبع، أعمال صدرت وستصدر مرشحة لأن تتنافس بقوة على البقاء في ذاكرة القراء لأنها تغوص في عمق اللحظة والموضوع وتاريخه ولا تتهرب من تعقيداته وأسئلته. وقد يكون هذا الكتاب واحداً من هذه الأخيرة.

يتحدث "إخوة السلاح: مذكرات الحرب السورية" كما هو واضح من عنوانه الفرعي عن الثورة السورية وتحولها إلى حرب أهلية وإقليمية بالوكالة. ويتمحور حول تجربة أحد المؤلفيْن، الصحافي والكاتب السوري مروان هشام مع صديقيه. ويسرد مصائر الشبان الثلاثة الأصدقاء الذين شاركوا في الثورة في بدايتها فيدخل إلى عوالمهم من وجهة نظر الشخصية الرئيسية. فنتابع المسارات المختلفة التي انتهى إليها كل منهم: من استشهاد أحدهم أثناء الثورة برصاص النظام، وانخراط واحد منهم في المجموعات المسلحة، وصمود الثالث تحت حكم داعش في الرقّة قبل اضطراره للهروب خارج سورية.

يصور الكتاب كذلك سنين نشأة المؤلف وصديقيه وتضيء التفاصيل المسرودة ببراعة وبشعرية عن سنين دراستهم التناقضات والأبعاد الاجتماعية والفروق الاقتصادية وجذور الاحتقانات في المجتمع السوري. ويعطي الكتاب عمقاً وسياقاً تاريخياً يوفّر فهماً أفضل لاندلاع الثورة السورية، وكذلك للظروف المعقدة والعوامل الخارجية والعالمية التي أثّرت على مسارها ومآلاتها.  

يلعب الزمن دوراً مهماً في الكتاب، ليس فقط على الصعيد الذاتي لشخصياته الثلاث بل كذلك في سياق موضوع الذاكرة الشخصية والجمعية السورية. ولكن كيف جاءت فكرة الكتاب وكيف تمكن الكاتبان اللذان يعيشان في قارتين مختلفتين من كتابة هذه المذكرات معاً؟ كراب آبل تعيش في نيويورك بشكل رئيسي وهشام في إسطنبول منذ نزوحه عن الرقة عام 2016 قبل أن ينتقل إلى أنقرة مؤخراً.

تقول مولي كراب آبل: "لقد كان لقائي الأول بمروان عبر تويتر عام 2013  وكنت قد زرت الشرق الأوسط في أكثر من مناسبة وكتبت عن المقاتلين الأجانب. وفي ذلك الوقت كان هناك عدد قليل من الأشخاص المتواجدين على تويتر من الذين كانوا ما زالوا يعيشون ويكتبون تحت حكم تنظيم "داعش" في الرقة.  كان مروان واحدا من هؤلاء وكان واحدا من المصادر التي استعنت بها في كتاباتي آنذاك. وكنت قد سألته في إحدى مراسلاتنا عما إذا كان يمتلك صوراً للرقة وعن الحياة هناك تحت تلك الظروف. ولم يكن عنده أي صور لأن التقاطها كان فيه مخاطرة ولكنه قرر أن يفعل ذلك على الرغم من نصحي له بعدم تعريض نفسه للخطر. عندما رأيت الصور لأول مرة شعرت أنني  أنظر من خلال عيني شخص آخر إلى ما يحدث في الرقة. اقترحت على مروان، الذي كان يكتب يومياته بشكل سري، أن يرفق تلك الصور بتعليقاته وقمنا بنشرها. ثم تعاونّا فيما بيننا على العمل على أكثر من موضوع ومشروع". 

وتقول كراب آبل ضاحكة إنها لم تدرك قبل بدءها بالعمل على الكتاب مع مروان صعوبة تأليف كتاب مشترك، على الرغم من المتعة. وتؤكد أن تأليف كتاب مشترك، يتطلب، إلى جانب الأمور الأخرى العادية التي يحتاجها كل مؤلف، أن يضع كل من الكاتبين "الأنا" جانباً بعض الشيء للنجاح في تأليف عمل مشترك ما كان لأي من الطرفين كتابته على هذا النحو لوحده لكنه عصارة عمل يكمل فيه الكاتبان بعضهما البعض. وتضيف آبل "لقد كتب مروان العديد من الأجزاء وكتبت أنا أجزاء أخرى مبنية على المقابلات التي أجريتها معه خلال حوالي إثنتي عشر رحلة قمت بها خلال السنوات الأخيرة إلى إسطنبول لكي ألتقي به وللعمل سوياً. ثم قمنا بتبادل تلك الأجزاء وتحريرها وإعادة الكتابة والقراءة عدة مرات. لقد قمنا سوياً بإعادة كتابة كل جملة وفقرة بحيث انصهر صوتانا في كل ما كتب". 

ومن جهته يقول مروان هشام لـ"ضفة ثالثة": "لقد أخذت الفكرة سنة كاملة إلى أن وصلنا إلى أول مسودة. وقررنا عدم الذهاب في الكتاب إلى التسلسل الزمني أي منذ الولادة إلى الوضع الحالي. كنت قد بدأت كتابة مواد عن أصدقائي وحياتي والنقاشات التي دارت بيننا وما الذي يمكن عمله عندما أصبحت المظاهرات غير ممكنة. كانت تلك نقاشات خضناها كأشخاص منخرطين في الثورة. مولي أعطتني الأريحية لاختيار الفصول والزمن. ولم نتبع في الكتاب التسلسل الزمني العادي. كانت مولي تكتب بعض الاجزاء على شكل مقابلات معي  كمصدر ثم تكتبها هي وأنا كتبت أجزاء أخرى ثم نتبادل الأجزاء ونحررها". 

وعن ترجمة عربية للكتاب أو إصدار نسخة مشابهة يقول هشام "لا أدري كيف ستكون ردة فعل القارئ العربي والرقابة. هناك دور نشر متحررة منها لا شك ولكن لا أنكر أن الموضوع مخيف من ناحية إمكانية تعرضه لسوء فهم معين وبشكل خاص الأجزاء المتعلقة بالدين. كنت نوعاً ما مستفزاً ولا شك أن الكتاب يتعامل كذلك مع المشهد السوري بكل أطرافه وبشكل نقدي الأمر الذي قد لا يروق حتى لهؤلاء الذين أحسب عليهم". وعلى الرغم من هذا أتمنى أن يصل الكتاب للقارئ العربي. 

عادة ما تكتب المذكرات بعد فترة طويلة من مرور الحدث الرئيسي في حياة الشخصية/ ات الذي تدور حوله أحداث الكتاب. يتناول فيها الكاتب/ة تلك الأحداث من عدة عدسات وأهمها عدسة البعد الزمني والنظر من الخارج، وليس فقط الداخل، إلى تلك الأحداث وتحليلها. وتمكن الكتاب من تخطي هذا الفخ بمساعدة وجود كاتبين له، مروان هشام، الذي عاصر تلك الأحداث وعاشها ويدور الكتاب فيها حول حياته وأعطى بذلك الرؤية الداخلية لعوالم الراوي. ومولي كراب آبل التي أعطت البعد الخارجي (الزمني). وهي فرصة نادرة ولا يمكن أن يحققها كاتب واحد إلا عندما يعطيه عامل الزمن إمكانية البعد ليرى الأحداث من "الخارج" لكن هنا تمكن الكاتبان من تحقيق تلك المعادلة بسبب ظروف كل منهما وبعده أو قربه عن الحدث.  وتقول كراب آبل في هذا السياق "كان من الضروري بالنسبة لي ألا نكتب عن الحرب الأخيرة فقط وكأن ما حدث في الرقة أو سوريا جاء من فراغ، بل أن نضع الأحداث والموضوع في سياقه التاريخي الأوسع الذي سبق عام 2011  في سورية. كان هذا ضرورياً كذلك لكي يفهم القارئ الأميركي خاصة والغربي عامة ما كتبناه، لأن الكتاب كتب وسينشر بالإنجليزية". 

يتميز الكتاب كذلك بمجموعة كبيرة من رسومات كراب آبل. وهي ليست كاتبة مميزة فحسب، سبق لها أن نشرت كتاباً مهمّاً جمعت فيه بين نثرها الجميل ورسومها، بل رسامة مميزة كذلك، وسبق لها أن رسمت عن غزة بعد الحرب، ومعتقل غوانتانامو وغيرها. وتضيف الرسومات التي تمتد على طول الكتاب، بعداً آخر إضافياً أشبه بالبعد السينمائي التصويري عن طريق الرسم للكلمة المكتوبة. وتقول كراب آبل عن اللوحات: "لقد رسمت تلك اللوحات بشكل جزئي بإيحاء من مخيلة مروان حيث لم تكن الصور دائماً متاحة. اللوحات فيها كذلك الكثير من الصور المستوحاة من مظاهرات وفيها مئات الشخصيات. وجزء من طريقة عملي كانت أن أشاهد مئات الفيديوهات من سورية لمظاهرات وفيها مئات الأشخاص. كنت أشاهدها عشرات المرات ثم  أقوم بأخذ لقطة منها وتكبيرها وطبعها ومنها أستوحي مشاهد وملامح مختلفة. كنت أحاول أن أرسم تلك النظرات التي رأيتها في الفيديوهات على وجوه الشخصيات. ذلك الرعب أو معنى الخروج في المظاهرة ومواجهة إطلاق الرصاص الحي للمرة الأولى مثلاً. كنت أحاول أن تأخذ اللوحات بعداً يشعر فيه المشاهد/ القارئ بما شعرت به الشخصيات بطريقة ما. الكل يلتقط الصور اليوم أما الرسم فأصبح نادراً وهذا يجعلك كمشاهد/ قارئ كذلك تتوقف بشكل أطول أمام تلك اللوحات لاستيعابك أن الرسام قضى الكثير من الوقت لتجسيد لحظة واحدة".