Print
صدام الزيدي

الأعمال الشعرية الكاملة لبسّام حجّار

20 ديسمبر 2018
عروض
صدرت حديثًا في بيروت، عن دار الرافدين ومنشورات تكوين، "الأعمال الشعريّة الكاملة" للشاعر اللبناني الراحل بسّام حجّار، في مجلدين من القطع المتوسط وبإعداد وتقديم الشاعر علي محمود خضيّر، ويأتي صدورها متزامنًا مع افتتاح معرض بيروت الدولي للكتاب 2018.
وقد ضمّ الكتاب الذي تجاوز مجموع صفحاته (950) صفحة بمجلده الأوّل، المجاميع الشعرية التالية: "مشاغل رجل هادئ جدًا"، "لأروي كمن يخاف أن يرى"، "فقط لو يدك"، "صحبة الظلال"، "مهن القسوة"،"مجرّد تعب". فيما ضمّ المجلد الثاني المجاميع التالية: "معجم الأشواق"، "حكاية الرجل الذي أحب الكناري"، "بضعة أشياء"، "كتاب الرمل"، "ألبوم العائلة يليه العابر في منظر ليلي لإدوارد هوبر"، "تفسير الرخام". صمم غلاف الكتاب الشاعر محمد النبهان فيما كانت رسمة الغلاف للفنان حامد سعيد.
في مقدمة الكتاب، كتب الشاعر علي محمود خضيّر: "جمع بسّام حجّار في شعره خصائص ظلت علامةً دلاليةً على فرادة لطالما نشدها كشافو الجوهر الإبداعي الذين قدموا برهانهم في الكتابة. كتب بسّام عن الهشاشة والصّمت، عن الغياب والعائلة، وصعّد عمارة شعره على لبنة الفكر والفلسفة والإرث العالمي للشّعر، مُستندًا إلى ثقافة ورؤيا لا تعوزها اليقظة. هو شاعر القلة بمعنى أنه شاعر العمق لا الوفرة، الهمس لا الصراخ. قد تكون موضوعاته محدودة، لكنه عالجها بأنماط متنوعة من قصيدة النثر جعلت قصيدته حيوية ومرنة إزاء قارئ متباين المستوى. كان يتعامل مع اللغة بوصفها تجربة عيش. شعرُ بسّام فرصة لمراقبة التجربة المعاشة وهي تتحول إلى لغة. ولهذا فهي تجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد".
إلى ذلك، يعترف الشاعر خضيّر (بمناسبة صدور الأعمال الكاملة لبسام حجّار): "مُذ قرأته أوّل مرّة، شكّل بسّام حجّار علامة فارقة لي فنيًا ووجدانيًا".
وتابع "خضيّر" في منشور له على فيس بوك: "هناك شعراء تنعقد معهم صلة غامضة، ربما هي روح الشعر ونداؤه. كان ثمة نداء فاستجبت (في إشارة إلى نداء مهمة إعداد مجاميع الشاعر بسام حجّار لتصدر كاملةً بعد تسع سنوات من رحيله).
ويضيف: "بقيت على أثره أتلمس كل إشارة منه، ذلك المتواري الغائب خلف صمته، أُلملم من هنا وهناك شظايا الصمت والهمس، كما يلمُ المريد أمالي شيخه وشذراته. 
عَصَف رصاصٌ وظروف ومرّت صعابٌ في الحياة والجسد، لكن الحلم/النداء بقي مشدودًا كشمعة في ليل المريد، دليل الحائر، وحلم من تشابه نومه ويقظته.
اليوم، يصبح حلم السنوات الطوال حقيقةً، تنجلي هالة النداء/الحلم ليعود الشيخ، حاملًا قرطاسه، وهل كان قد رحل إلا لقلوب مريديه؟".
ويشير خضيّر إلى أن: "هذا المنجز هو احتفاء يُهدى لروح بسّام حجّار ولمحبيه أينما كانوا. ها قد أتحدّ الشاعر "كاملًا" بشعره بين دفتي هذا الكتاب".
كما عبّر الشاعر "خضيّر" عن شكره لكل الذين تضافرت جهودهم لتخرج الأعمال الكاملة لبسّام حجّار إلى النور: "أخص بالشكر والعرفان السيدة نجلا حمود، زوجة الفقيد، لثقتها وعظيم مشاعرها التي مسّتني بعمق، ولما أسعفتني به مما كان ينقصني. كما أذكر هنا -بامتنان كبير -أحبّة كانت لملاحظاتهم ومشورتهم الحصيفة فضل بالغ في إتمام "المقدَّمة" على أتم ما استطعت وأخصّ منهم، مع حفظ الألقاب، الأصدقاء الأساتذة: هيثم عيسى ولؤي حمزة عبّاس وعيسى مخلوف. الشكر كلّه للصديق الناشر المجتهد محمّد هادي الذي تحمّل مسؤولية الاستجابة للنداء وتحويله إلى تحفة جميلة تليق ببسّام وقرائه. ولا أغفل فريق الدار المثابر، كم أتعبتهم، أخص منهم السيدة سارة، على ما أولته من عناية.. أما أنا فلا فضل لي في شيء. كان ثمة نداء فاستجبت".
يشار إلى أن بسّام حجّار (المولود في 1955) يعد من الشعراء اللبنانيين البارزين الذي أضافوا قيمة جوهرية للمنجز الشعري العربي الحديث عبر تجربته التي حقق فيها حضورًا مؤثرًا في مجال كتابة الشعر والمقالة النقديّة والترجمة مشكلًا إنموذجًا فريدًا للإشتغال الأدبي الحصيف والمتأني، هذا فضلًا عن اسهاماته الجادّة في مجال الصحافة منذ بداياته في صحيفة "النداء" أواخر السبعينيات حتى رحيله عام (2009 ) وكان وقتها محررًا في صحيفة "المستقبل".
                                          *****
من أجواء المجموعة الكاملة:
"قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
وٳنَّه أصْبَحَ في آخِرِ ٱلعُمْرِ
فَما جَدْوى أنْ يَبْتَهِجَ لِشَيء
وقالَ ٳنَّ ضَوْءَ النَّهارِ يُؤلِمُ عَيْنَيْه
وٱلغُبارَ يُؤذي رئَتَيْه
وَمَكَثَ في غُرْفَته
يَجْلِسُ على حَافَّةِ السَّريرِ مُطْرِقًا
وَقَدْ أسْنَدَ جِذْعَهُ بِساعِدَيْه، 
قالَ ٳنَّه مُتْعَبٌ
ولا يَقْوى على السَّيْر في الشّارِعِ
فالنَّفَسُ يُجْهِدُه
كأنَّه ٱعْتادَ على ما يُشْبهُ ٱلاخْتِناقَ
وٱكْتفَى مِنَ ٱلهواءِ بالأقلِّ 
ٱلَّذي لا يُحْيي ٱلكناريَّ ٱلَّذي أماتَهُ البَرْدُ، 
وقال ٳنَّ الرَّبيعَ
يكادُ أنْ يَقْتُلَهُ
والصَّيفَ باذِخُ ٱلقَيْظ
والشِّتاءَ قارسٌ ومُبْتَلٌّ
وٱلخَريفَ فَصلُ النَّوّاحاتِ
ٱلكئيبُ
ولا يَعْرِفُ لماذا لا تُفارِقُ ٱلبُرودةُ
أطرافَه
وقَالَ خُذِ ٱلخاتَمَ
لا أمْلكُ سِواهُ
وَقَلَمَ ٱلحِبْرِ
ودَثَّرْني بالغِطاءِ الصّوفِ جيّدًا،
وهات وجهَكَ أُقبِّلُه
هاتِ يَدَيْكَ 
قد لا أراك غَدًا،
قالَ ٳنَّه مُتْعَب
ولا يَنام
فاللَّيلُ مُوحِشٌ وقَفْرٌ ومخيفٌ
دقائقُ أو ساعات قد تكون الأخيرة
فَيَنْهَضُ وَيَمْشي في الرّواقِ
يأكُلُ خُبْزاً جافّاً
يَشْرَبُ جُرْعَةَ ماء
وتُؤنْسُهُ جَلبةُ أنفاسِه الثَّقيلةِ
كأنَّ أنفاسه تُحَدِّثُهُ
كأنَّها ٱلأبناءُ وٱلجيرانُ وصُحْبَةُ ٱلكأسِ
والنُّزُهات، 
وما كان يُصلّي
وقال: أحبَبتُ مَنْ أحْبَبْتُ
ومن أحَبَّني أعطاني مِنَ ٱلغبطَة ما لا أسْتَحِقُّ، 
وَكُنْتُ أحيا وٱلموتُ في رِئَتَيَّ ألَماً وَسُعالاً، 
وَكُنْتُ أحيا بالنَّزْرِ ٱلقليلِ
مِنَ ٱلهواءِ وٱلمَلَذّات
سَقيْت النَّباتَ ٱلُمعَرِّشَ حتى ٱسْتطالَ ٳلى
السَّقف
وَوَضَعْتُ الكناريَّ في قَفَصٍ
وأطْعَمْتهُ ٱلحَبَّ وَسَقَيْتَهُ ٱلماءَ
وَماتَ على الرُّغْمِ منّي
وبَكيْتُهُ أيّامًا ثلاثة
لَمْ أُورثْ أحدًا مَشَقَّةَ أنْ يحيا مثلي
وألم الرَّبوِ والكَفَاف
جَعَلْتُ لِساعتي وَقْتًا مكَثتُ في ٱنْتِظارِه
لَمْ أُخْبِرْ أَحدًا
لكنّي مكثْتُ في ٱنْتظارِه
وَقُلْتُ لها حين أقْبَلَتْ عَلَيَّ
دَعيني أضَعُ رأسي ٱلمُتْعَبَ على صَدْرِكِ
وَلَمْ أقُلْ لها ٳنّني أُريد أنْ أبكي
ولكنّي بكَيتُ
بِضْعَةُ أشياء أعْرِفُها وَحْدي
جَعَلَتْني أبكي
وَلَمْ أكُن خاِئفًا
وَلَمْ أكُن بائِسًا
لكنّي بكَيْت".