Print
عماد الدين موسى

أحوال المسرح العربي: العرب لم يصنعوا دراماهم بعد

3 نوفمبر 2018
عروض

قليلةٌ هي الكتب النقديّة التي تتناول هموم وآمال المسرح في البلدان العربيّة، نظرًا للتجاهل التام لهذا الفنّ المتأصّل، بالتزامن مع الاهتمام الجليّ بالفنون الأخرى، لا سيما السينمائيّة والغنائيّة والدراما التلفزيونيّة، سواء من قبل الجهات الحكوميّة الرسميّة أو حتى من قبل المؤسسات الخاصّة أيضًا.

يأتي كتاب "في أحوال دولة المسرح العربي"، الصادر حديثًا عن الهيئة العربيّة للمسرح (الشارقة 2018)، لمؤلفه الباحث والناقد المسرحي السوري أنور محمد، في ثلاثة فصولٍ رئيسية، هي: البيانات، سنديانات مسرحيّة، وشجون مسرحيّة، بالإضافة إلى مقدّمة للمؤلف نفسه يتناول فيها حيثيّات صناعة المسرح في العالم العربي، مؤكّدًا من جهة أنّ العرب لم يصنعوا دراماهم/ مسرحهم حتى الآن، بينما الإغريق صنعوها. ومن جهةٍ أخرى ينظرُ في علاقة العرب بالشِعر، واهتمامهم به على حساب النثر، ومنه المسرح، حيثُ يتساءل "هل تأخّر مسرحنا لأنّ شِعرنا كان يتقدّم على نثرنا؟".

دور المسرح في حياتنا

في الفصل الأول، والذي جاء بعنوان "البيانات"، يتحدث المؤلف عن أهمية المسرح، ودوره في الحياة، ويجري مقاربات أولية بين المسرح العربي والغربي، من خلال تسليط الضوء على تاريخ المسرح لديهما، ومدى القدرة على تحقيق النجاح في المسرح الغربي، مشيرًا إلى أهم الأسباب التي ساعدت على ذلك، ومنها التسلح بوعي ثقافي ومعرفي، وإدراك كبير لدور المسرح في الحياة؛ ثقافة تحلم، وتتذوق، باعتبارها عملية تخصيب الفكر الإنساني، وتحمل المسؤولية التاريخية تجاه مجتمعاتهم، بعكس المسرح العربي الحالي، على الرغم من المخزون والموروث الثقافي والشعبي الكبير، وعلى الرغم من المؤسسات والمراكز الكثيرة الخاصة بالمسرح في العالم العربي، ابتداءً من المراحل الدنيا، مرورا بالمعاهد والجامعات.

سنديانات مسرحية

يشير المؤلف في الفصل الثاني ("سنديانات مسرحيّة") إلى دور الروّاد الأوائل للمسرح على مستوى العالم العربي (محمود ذياب- سعد الله ونّوس- محمد الماغوط- ممدوح عدوان- محمد بن قطاف- مها الصالح)، ويفرد لكل واحد منهم عنوانًا مفصّلًا، يتحدث فيه عن أهمية كل مبدع، والخدمات الجليلة التي قدموها للمسرح عبر مسيرة حياتهم الإبداعية التي لم تكلّ من العطاء، وكان عنوانها التميّز والإبداع، والتضحية في سبيل المسرح العربي، من أجل إخراجه إلى النور، وتخليصه من القيود التي تمنعه من الارتقاء والتطور، ولعب دوره في الحياة.

ثقافة الحوار

في الفصل الثالث والأخير، والذي جاء تحت عنوان "شجون مسرحيّة"، ثمّة مناجاة روحية ودعوة إلى خلق عالم مسرحي حالم، ومحاولة لترك بصمة جليّة للمسرح في المجتمع العربي، عبر التخلّص من القوالب الجامدة التي فرضت على المسرح وأبنائه، والأخذ بيدهم، ليصل صوتهم لأبعد مدى، فالممثّل، المخرج، الكاتب، وحتى القرّاء أنفسهم- بحسب المؤلف- هم رُسُل الحرية، مهمتهم إثارة النقاش والجدل، و"لو أدى بهم ذلك إلى السجون، أو الجنون"، لأنهم يؤسسون ثقافة الحوار، ويحذرونها بين أبنائه، فالمسرح هو عنصر لتعبئة شعور جمعي، وهو موسيقى تهزّ روحهم، وتزيل الخوف والأقنعة بقوة الحقيقة، وتدفعهم إلى خلق الجمال والسعادة والإبداع في كل مكان.

مأساة المسرح العربي

في حديثه عن مأساة المسرح العربي، ينطلق المؤلف من ذلك الفضاء الكبير الذي يحمله المسرح، والذي بإمكانه ومن خلاله يستطيع تسليط الضوء على هموم وآلام الإنسان العربي، ومقاربة وجعه الحياتي، والتماهي مع الواقع الذي يعيش فيه، من خلال طرح الكثير من القضايا الإشكالية، وجعلها نقاط ارتكاز هامة، ينطلق فيه روّاده- بدورهم- نحو عالم يحمل في ثناياه ملامح التغيير نحو الأفضل، لكن للأسف ما زال المسرح العربي يعاني من التهميش والإقصاء وقلة الاهتمام، لأنه على حد قول المؤلف "تعرّض لعمليات إذلال وتهميش وإقصاء، فنحن عربيا حتى الآن لم نصنع درامانا/ مسرحنا"

ولعلّ الدافع الرئيسي لذكره هذه المقولة هو أن "الإغريق صنعوها لأنهم ربوا أنفسهم على أخذ الحكمة والمأساة من أساطيرهم، من حكاياتهم، من حكايات الخلق، الطوفان، الغنية بالميتافيزيق، من حكايات المعارك والانقلابات الحقيقية".

المسرح ثورة اجتماعية وسياسية

استطاع الروّاد الأوائل في المسرح العربي أن يتحدّوا السلطة، وأن يواجهوا كافة العوامل الرامية إلى وأد أحلام أبناء المجتمع العربي، انطلاقا من وعيهم وإدراكهم لحقيقة واحدة، هي أن القوة الإنسانية، والضعف الإنساني- بحسب المؤلف- ضدّان ينشطان ويذبلان حينما يصطدمان مع السلطة، أو يفلتان منها. لذلك دأب روّاد المسرح العربي على جعل المسرح وسيلة لخلق ثورة اجتماعية وسياسية، تنجلي عبرها عوائق السلطة، وتنطلق إبداعات الإنسان العربي دونما حدود تتوقف عندها. فالمسرح يتحوّل من إطاره القومي إلى إطاره الإنساني، أو كما يقول المؤلف، فإنّ "المسرح بقدر ما يتعصب لهويته القومية، بقدر ما هو إنساني".