Print
ضفة ثالثة

عن "استعادة قابيل" لإبراهيم اليوسف

29 ديسمبر 2017
عروض
صدر مؤخرًا عن دار أوراق في القاهرة، للكاتب السوري إبراهيم اليوسف كتاب جديد بعنوان"استعادة قابيل: صياغات جديدة للوعي والأدب والفن". افتتحه بعبارة" لا تدع رأسك مجندلة فوق دم أخيك. في مكنتك أن تتابع الصوت مدى صورة أو صدى".

ويأتي الكتاب امتداداً لكتابه السابق "مخاض المصطلح الجديد: استشرافات على عتبة التحول"، الذي تناول فيه مدى تأثير التحولات الهائلة التي تتم في عالم التكنولوجيا وثورة الاتصالات على الوعي والأدب والفن.

في كتابه الجديد ينطلق المؤلف من واقع انطلاق ثورات الربيع في المنطقة، والتي تم خلالها استعادة قابيل كرمز لقتل الإنسان لأخيه المتطلع للحرية، ليرصد حالة الخراب الروحي التي تمت، ومدى درجة انعكاس حالة الحرب التي تلت ذلك - لا سيما في مكان كسورية - على الكتابة. إذ راح يقدم رؤى أوّلية تتعلق بتحولات الكتابة في ظل ثورات المنطقة وما تلاها. ومن خلال قراءة فصول الكتاب يتبين أنها قد كتبت في السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة السورية، إذ لا تزال جذوة التفاؤل مشتعلة، ولسان حاله ما ورد في مقدمته للكتاب:

"أجل. ثمة ما يتغير من حولنا. ثمة ما يتغير من حولنا. إلى تلك الدرجة التي يكاد فيها شيء ما لا يشبه نفسه قبل دخوله معادلة - الثورة - بعيداً عن المرتبة المستحقة، في فضائيها المتناقضين، على محوري: الجمال والقبح، حتى وإن تواصلا عبر خيط وهمي، من خلال عين راصدة ما، بما يرفضه الواقع، ويرفضه الفن والإبداع، قبل أن يتطهر، ويستعاد، عبر كولجة ما، وهو أمر آخر، لا مكان لتقويمه هنا الآن!

إذاً، سمة -اللاثبات - هي التي تخضع لها دورة الحياة في مداها الشاسع. وقد بدت لنا في أوجها، بُعيْد هذه التحولات الهائلة، كي نكون على بوابة تحولات من نوع آخر، تحولات لا واقعية، فحسب. تحولات لا معيشية، فحسب. وإنما تحولات فنية، تحولات في نبرة صوت أي منا: كآبة أو تفاؤلاً. حزناً أو فرحاً. كابوساً أو حزناً، بل أغنية أو فيلماً سينمائياً، أو صورة فوتوغرافية، أو قطعة موسيقية، أو سرداً، أو شعراً، أو ضحكة أو ابتسامة..؟!

كل شيء - الآن - في طور التغيير. لا شيء مطمئن إلى هيكليته، البتة، وهو ما يرتب على كواهلنا أن نستقرئ هذا التغيير في كل التفاصيل التي نستقرئها، ونستنطقها، لأننا أمام سنة لا مناص منها. ولا مكان لاستنساخ الأشياء، حتى وإن كان القاتل في لحظة وهمه يستعيد كل ما أوتي السابق عليه من فتك، وبطش، أو دمار، وذلك لأنه لن يبقى إلا عبارة عن أداة في مختبر كيمياء الزمن و فيزيائه!

لا أحد - إذن وإذاً - يستعيد قابيل الأسطورة، في قابليته، وقابيليته، إلا الأسطورة في الدواخل، وهي تستدرجه إلى حقل الجغرافيا ونبع الدم، من دون أن يجرؤ إلا أن يكون مجرد ممثل جديد، مشلول القوة، أمام هدير الحراك، وهو يحول معجم الحياة والفن - على حد سواء - إلى ساحة حبر كبرى، ما زلنا نقف في حضرتها ضحايا، عاجزين، في انتظار لحظة الخلق التي تنتج من مزاوجة الرؤى والواقع. الحياة والإبداع. الحلم والفعل، كما يليق ببشر أسوياء ندعي أننا نحن من نجسدهم في أدوارنا الجديدة التي لما نبدأها بعد!".