Print
ضفة ثالثة

إشراقة مصطفى تروي حكايات النزوح في "الدانوب يعرفني"

15 ديسمبر 2016
عروض

صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" كتابٌ بعنوان "الدانوب يعرفني.. الوجهُ الآخر لسيرة الأنهار" للأديبة والأكاديمية السودانية إشراقة مصطفى حامد.

يضم الكتاب الذي صمم غلافه الفنانُ التشكيلي السوداني عبدالرحيم بدر، ما يشبه السيرة التي يطل منها القارئ على حياة المؤلفة منذ يفاعتها في "كوستي" بالسودان مروراً بهجرتها إلى النمسا سنة 1993، وانتهاء بنشاطاتها في الفضاء العام، مدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين بالحياة الكريمة، ومتصدّيةً للممارسات والطروحات العنصرية.

وقد صيغَ نصُّ الكتاب بأسلوب أدبي مشوّق، استعادت فيه المؤلفة الذكريات وأجواء الطفولة والصبا، واستعرضت فيه التحديات والعقبات، وكيفية مواجهتها ومجابهتها وصولاً إلى ما حققته من إنجازات في مسيرتها المهنية والإبداعية.

وجاء في تقديم خميس بن راشد العدوي، الرئيس السابق للجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء: "هذه السيرة انعكاسٌ لحياة حقيقية، ليست المعاناة ولا الأمل فحسب، بل هي الإنسان الذي يعيش الحياة على سجيّتها، تمرق الأيام من بين جوانحها كشعاعِ شمس، فلا يستطيع الزمن أن يغيّب بصيصاً من إشراق شمسها الإنسانية".

وأضاف العدوي في تقديمه أن سيرة الكاتبة في "الدانوب يعرفني" قريبة إلى نفس القارئ، "سهلة في عبارتها تنساب بلطف بين ناظريه، تحكي عن حياته أكثر مما لو كتبها هو بنفسه، ليس لأيّ شيء سوى أن كاتبتها لم تسطرها بالحبر، وإنما رسمتها بالدمع؛ حزينه وسعيده".

أما الإعلامي والصحافي والكاتب السوداني نجيب نور الدين، فكتب تقديماً للكتاب جاء فيه: "انطلقت إشراقة، وفي انطلاقها كانت غير قابلة للارتداد حين قضت نصف العمر الأول في إنجاز كل ما من شأنه أن يقودها إلى المرافئ الجديدة يكثف الوعي والتجلّي.. والنصف الآخر ما زال يشهد ملحمة تحقيق الأحلام الكبرى، فكانت غواية الكتابة بحيث يقود كلّ ذلك إلى ملامسة العصر والجذر الإنساني.. خرجت إلى باحة التجربة الواسعة وبحبوحة الإنسانية حيثما كانت وأينما كانت وكيفما كانت.. وكان وما يزال هذا ميدانَها وساحةَ معاركها ومحبتها وإيمانها وهي تستلهم الكبار ذوي الحدوس الباهرة واللفتات الإنسانية العميقة من الأدباء والشعراء والمفكرين ورسُل المعرفة والنضال من أجل الإنسان".

وأضاف نور الدين: "استطاعت إشراقة أن تمسك بالمفاتيح الرئيسة للأسئلة الكبرى في الوجود، كما استطاعت أن تلقي القبض على الخوف من خلال سيرة حياة ما كان يمكن أن تنجو من أهوالها ونيرانها.. تجاوزت كل ذلك وأوقدت شموعها وسط الظلام وأبحرت في جراح الإنسانية وأبدت جسارة لا نظير لها في مقاومة القبح واختلال الموازين وهي تنظر إلى قضايا الهوية واللون والعنصرية والتمييز والحرية والعدل والهجرة والنزوح. بل أصبحت الخبيرةَ التي تقدم الاستشارات هنا وهناك حيث يواجه الإنسانُ ظلمَ أخيه الإنسان".

وكتبت الشاعرة والمترجمة الهندية ساريتا جينماني: "إشراقة قادرة على سرعة النفاذ إلى قلب الأشياء وجوهرها، وربما ذلك ما يجعلها تلجأ كثيراً إلى الكتابة عن التمييز وعن الظلم، وكثيراً ما كنت أتساءل بيني وبين نفسي عن تلك القدرة والشجاعة التي تتمتع بها في مواجهة العقبات، فرغم أن الحياة القاسية التي تواجهنا جميعاً كانت أكثر قسوة معها إلّا أنها لا تتردد في مواجهة تلك العقبات بشجاعة"، وأضافت أن أعمال إشراقة مصطفى الإبداعية تمثل جسراً بين الثقافات، وهي أعمال "ذات أهمية كبيرة لما تتسم به من خلق عالم حيٍّ وجميل وقابل للحب ويسود فيه السلام".

وجاء في تقديم القاص والناشر الأردني جعفر العقيلي: "لم تفصل إشراقة مصطفى بين رؤاها واهتماماتها ودراستها الأكاديمية وأبحاثها، فكلّ هذه التجلّيات تَصدر عن ذاتٍ واحدة وتعبّر عن نسيجٍ واحد، وهنا يَبرز بوضوح جوهر رسالتها القائمة على الإنسانية والتسامح والتقبّل والتعايش وإثراء التجربة بالاطلاع على تجارب الآخرين وإغناء المعارف بالتفاعل معهم. ولهذا ربما لا يكون منصفاً أن يكتفي المرء بما تكتبه هذه المبدعة دون الاطلاع على مدوّنتها اليومية الحافلة بالنشاط في قضايا تتصل بالشأن العام".

وتقول إشراقة في مستهل كتابها: "ما كان للدانوب أن يعرفني لولا تلك الدروب التي حفرتْ فيها الخطوات الأولى قصصاً من بلادنا البعيدة، من أمنا العجوز الجميلة، أفريقيا". وتضيف: "قصتي مع الدانوب قصة تنتمي إلى ملايين قصص المهاجرات والمهاجرين.. قطرةٌ في بحر الكفاح والصبر والمثابرة وإعادة اكتشاف الذات، قصص اليأس والهزيمة والانتصارات المجيدة، قصصٌ تحكيها سلطة اللغة، والدين، واللون والنوع.. قصة الأطفال المُوَلَّدين من عساكر الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية، كبروا ومات من مات منسياً".

وتتابع إشراقة بقولها: "إنها ليست قصتي وحدي ولا ينبغي لها، فهي تستمد طاقاتها من عيون تدمع حنيناً للأزقة البعيدة، لصوت الجدّة الحنون، لصوت أذان في الحلة القريبة من بيتنا يُنادي على الصلاة ثم يدعو الناس للمحبة والسلام.. قصةٌ لا يمكن فصلها عن حكايات النزوح والنازحين، الهاربين والهاربات من جحيم الحروب والإفقار والحكام القساة، هي سيرتي، سيرة المراكب التي غرقت في البحر، سيرة من نجوا ودخلوا (الفردوس) في أوروبا، ولم يدروا يومها أن حنينهم في البحر، في عمق البحر وحوتُ يونس يشهد بالحكاية، حكاية السلطة والثروة التي لم تقسَم بالعدل، وحكاية إفقارنا؛ ومن قبل ذلك الحقّ الإنساني في الهجرة المؤنسنة. حكايتهم حكايتي، الحكاية التي لن يعرفني الدانوب إلّا بها".

ويشتمل الكتاب على أكثر من عشرين فصلاً، من بينها: الخطوةُ الأولى، "هولابرون".. بدايات الاكتشاف، عشبٌ على "صخرة" اللغة الألمانية، المشيُ على النار حافيةً، من عاملةِ نظافة إلى الأفق العريض، حاملةُ وردِ الخزامى، لَوني في مواجهةِ العنصرية، اجتراحاتُ الهويّات وتحوُّلاتها، الوطنُ فردوسُ الغريبة، سيرةُ الموت في الليل الغريب، الإبداع.. الطريق نحو الكونيّة، يتيمةٌ في غربتي، ويعرِفُني الدانوبُ بعد ألفِ قرن!

يُذكر أن إشراقة مصطفى حامد من مواليد مدينة "كوستي" بالسودان، درست الصحافة والإعلام في جامعة أم درمان الإسلامية وجامعة فيينّا، ونالت درجة الماجستير في الإعلام. ثم نالت درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فيينّا. وهي تقيم في فيينّا منذ عام 1993. تتوزع نشاطاتها بين البحث، والكتابة، والصحافة، والتدريس الجامعي، وتعمل مستشارةً في منظمة "دياكوني" المتخصصة بحقوق الإنسان وحماية اللاجئين.

نشرت كتاباتها باللغة العربية في صحف عربية، وشاركت بالنشر في أنطولوجيات مختلفة باللغة الألمانية، واختارتها مؤسسة ناجي نعمان الأدبية بلبنان سفيرة فوق العادة للثقافة بالمجان. وهي عضو في اتحاد الكتاب النمساويين، وممثلة الأدب العربي في "القلم النمساوي"، وناشطة في لجان "القلم"، حيث تشغل منصب نائبة رئيسة لجنة المرأة، وعضو لجنة سجناء الضمير، وهي مؤسسة للجنةِ الهجرة والأدب بالمنظمة.

من إصداراتها الأدبية: "أحزان شاهقة"، شعر 2003، "ومع ذلك أغنّي"، شعر (بالألمانية)، 2003، "أنثى المزامير"، شعر (بالألمانية والعربية) 2009، وأعيد نشره بالألمانية 2016، "وجوه الدانوب" (بالألمانية)، 2014، "أنثى الأنهار.. من سيرة الجرح والملح والعزيمة"، 2015، وأخيراً "الدانوب يعرفني.. الوجهُ الآخر لسيرة الأنهار"، الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2017.

ولها أعمال في الترجمة منها: "الخندريس" (من يخاف عثمان البشري)، رواية لعبدالعزيز بركة ساكن، 2011؛ "في محبة الحياة"، نصوص شعرية ونثرية للشاعر عمر حاذق، 2015؛ "سيفمونية الربع الخالي"، بالتعاون مع الكاتب النمساوي يورغن اشتراسا، 2015؛ "لؤلؤة الدانوب"، ترجمة للعربية لنصوص نمساوية بالألمانية، 2017.