Print
وائل سعيد

دورة المهرجان القومي للمسرح المصري: بين الإدراك وعدمه

2 سبتمبر 2019
مسرح
شهد عام 2006 وتحديدا منتصف شهر يوليو/ تموز انطلاق الدورة الأولى للمهرجان القومي للمسرح المصري في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وبرئاسة الفنان أشرف زكي، النقيب الحالي لنقابة المهن التمثيلية. وخلال هذه الفترة مر المهرجان بالعديد من الدورات المختلفة وتعاقبت عليه عدة أسماء لوزراء ثقافة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، حتى وصل إلى محطته الجديدة في الدورة الـ 12 من عمر المهرجان، والتي بدأت متأخرة شهراً تقريبا عن موعدها المعتاد حيث افتتحت وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم في السابع عشر من شهر أغسطس/ آب الدورة الجديدة تحت اسم الفنان الراحل كرم مطاوع وبرئاسة الفنان أحمد عبد العزيز.
وفور إعلان اسم أحمد عبد العزيز لرئاسة الدورة أثيرت الكثير من الاعتراضات والانتقادات بدأت من تصميم بوستر المهرجان نفسه؛ فقد اعترض البعض على وضع صورة الفنان كرم مطاوع من فيلمه الشهير "سيد درويش" الأمر الذي وجدوا أنه يبتعد عن المسيرة المسرحية لمطاوع ويستحضر تجربته السينمائية. ولكن رئيس المهرجان كانت لديه ردود دائمة على كل ما يتم توجيهه من تساؤلات، بتكراره في أكثر من مناسبة لعبارة "ما لا يُدرك كله لا يُترك كله"، مشيرا إلى قصدية اختيار الصورة من الفيلم لتذكير الجمهور بفنان الشعب سيد درويش، بالإضافة إلى التذكير بكرم مطاوع الذي يعتبر من أهم مخرجي المسرح الحديث في مصر، وأضاف أن تلك الصورة ربطت بين الاسمين وفي النهاية فالفن متعدد.. سينما ومسرح وتلفزيون وكلها قنوات تسير تحت مظلة واحدة.
شملت الدورة أكثر من 70 عرضا تنافست على ثلاث مسابقات وتوزعت كالتالي: المسابقة الأولى للعروض التي تنتجها المؤسسات المتخصصة في المسرح سواء الحكومية أو الخاصة، مثل البيت الفني للمسرح أو مسرح القطاع الخاص وتشمل 25 عرضا. وشملت المسابقة الثانية المسرحيات التي تنتجها المؤسسات والأفراد كنشاط فني مثل الأندية والشركات والمسرح الكنسي وتشمل 27 عرضا. أما المسابقة الثالثة فتُخصص للعروض المسرحية من أداء الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وتشمل 20 عرضا.


"فارس الدراما" يحقق رغبته في الإخراج
لمع نجم أحمد عبد العزيز في الدراما التلفزيونية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حتى أنهم أطلقوا عليه لقب "فارس الدراما العربية" خاصة بعد قيامه بدور الأمير قطز في معركة المماليك مع التتار بقيادة جنكيز خان وهولاكو في المسلسل التاريخي "الفرسان" من إخراج حسام الدين مصطفى عام 1995، إلا أن الدور الأكثر تأثيرا في مسيرته الفنية كان في مسلسل "المال والبنون" تأليف محمد جلال عبد القوي وإخراج مجدي أبو عميرة وتم عرض الجزء الأول منه عام 1993، وفي أحد الحوارات التلفزيونية أشار إلى أنه تلقى 3000 خطاب عقب إذاعة المسلسل من الجمهور يشيد فيه بدور يوسف عباس الضو ويسأل عن بقية الأحداث في الجزء الثاني.
(التاريخ بيقول لأ.. الـ 7000 سنة حضارة بيقولوا لأ.. عباس الضو بيقول لأ..)، كلمات متفرقة من مونولوج طويل يؤديه أحمد عبد العزيز في أحد أشهر مشاهد مسلسل "المال والبنون" الحلقة 21 حين تم اعتقال يوسف في الحرب، وظل يردد هتافه السابق أثناء تعذيبه على أيدي الإسرائيليين. وبالرجوع إلى أداء عبد العزيز في المشهد وبتتبع مسيرته الفنية تلفزيونيا وسينمائيا سيتضح اعتماده على الأداء الانفعالي المفرط في بعض الأحيان، حتى أن مقولة "عباس الضو قال لأ" ارتبطت به فيما بعد وكانت من أشهر "التريندات" على مواقع السوشيال ميديا. ومن الواضح أن فارس الدراما قرر في هذه الدورة أن يقول "لا" لدوره المعتاد كممثل وأن يقوم بإخراج حفلتي الافتتاح والختام للمهرجان، بالإضافة إلى استحداث تقليد جديد وهو استخدام البساط الأحمر أو "الريد كاربت" لأول مرة في مهرجان مسرحي، حيث يرتبط هذا التقليد بالمهرجانات السينمائية.


ليلة الافتتاح.. الدخول بالملابس الرسمية
كتبت على دعوات حفل الافتتاح العبارة الأثيرة لدار الأوبرا "الدخول بالملابس الرسمية"، وتضمن الحفل تكريم عدد كبير من رموز المسرح المصري، ومنحهم درع المهرجان فضلا

عن الكتيب الصادر عن كل اسم، ومن بينهم الفنانون يوسف شعبان، لطفي لبيب، هالة فاخر، سوسن بدر، توفيق عبد الحميد، والمطرب علي الحجار، وأسماء راحلين منهم محسنة توفيق، محمود الجندي، محمد نجم، فاروق الفيشاوي الذي غيبه الموت قبل بدء المهرجان بأسابيع قليلة.
ومن الكواليس تم تكريم عاصم البدوي مدير الإدارة المسرحية بالمسرح القومي، والمخرج محسن حلمي، ود. عبد ربه عبد ربه أستاذ الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية، والكاتب السكندري السيد حافظ، وفؤاد السيد المدير المالي والإداري للمسرح القومي.
وصرح رئيس المهرجان بأن "هناك المئات من الفنانين الذين يستحقون التكريم والقائمة طويلة، في مختلف فنون المسرح من تمثيل وإخراج وديكور وملابس وموسيقى، لكننا نفضل تكريم كبار السن أو أصحاب المشوار الطويل".


استخدم عبد العزيز في حفلتي الافتتاح والختام تقنية "المسرح الدوار" حيث بدأ بدقات المسرح الثلاث ثم ظهرت مجموعة المكرمين يجلسون في مقابل الجمهور ومن ثم أخذ يبدل فيما بينهم وبين مقدمي الحفل على الخشبة الدوارة.
كما اختارت إدارة المهرجان قائمة من ضيوف الشرف كان من بينها أسماء غير مسرحية كالمخرج السينمائي سمير سيف، والناقدة د. هدى وصفي مؤسس مركز الهناجر بدار الأوبرا، والفنان التشكيلي حسين العزبي، بالإضافة إلى عميدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب والفنانين سهير المرشدي وسمير صبري وعزت العلايلي ومحمود حميدة والشاعر شوقي حجاب.
افتتح المهرجان بفيلم قصير عن مسيرة كرم مطاوع، تلاه عرض حركي بعنوان "الاستثنائي" من تصميم المخرج مناضل عنتر، واعتمد فيه على الأداء الحركي لمجموعة من الراقصين يتصارعون حول ماهية وجودهم داخل قفص كبير من الحديد، بالمزج بين الحركة المجردة والحركات الأكروباتية الصامتة التي صاحبتها موسيقى أخذت تعلو وتنخفض مع تتابع الحركات.
إلا أن أداء الراقصين لم يكن بالحرفية المطلوبة لعرض الافتتاح وظهر بوضوح من خلال تعثراتهم المتعددة ضيق الوقت أو الاستعجال في البروفات، كما لم يحمل الروح المسرحية أو الدراماتية ولكنه قصد حالة من الإبهار البصري والحركي، لا سيما وقد طالت مدة العرض ما يقارب 25 دقيقة دون تسلسل درامي واضح.

الهولوكوست.. جريمة في المعادي
الهولوكوست في اليونانية تعني الكل المحروق، وفي العبرية تعني الكارثة، ولذلك تم إطلاق المصطلح على الإبادة الجماعية لليهود على يد هتلر في الحرب العالمية الثانية، وهي الخلفية التي اتخذت منها مسرحية "سوبيبور" إخراج محمد زكي وأداء فريق جامعة عين شمس مسرحا لأحداثها التي تدور داخل أحد المعسكرات النازية مستعرضة بعض الحالات الإنسانية المضطهدة من قبل النازيين، لتطرح تساؤلا حول كيف لمن ذاق العذاب أن يذيقه لغيره إذا واتته الفرصة لذلك.
وقد فجرت القضية التي طرحها العرض عاصفة من الغضب تجاه موضوعها الذي اعتبره البعض دعوة للتعاطف مع الكيان الصهيوني، وأنه تبرير للأفعال الإجرامية التي يقوم بها في الأراضي العربية الفلسطينية، بينما اعتبر البعض أن القراءة الصحيحة للعرض أنه بمثابة إدانة واضحة لجرائم إسرائيل وليس تبريرا لما تفعله.
ولا شك في أن مسرح مصر الذي يقدمه منذ سنوات الممثل أشرف عبد الباقي قد أضر كثيرا بالعملية المسرحية وذلك وفق آراء المسرحيين أنفسهم، حيث يعتمد عبد الباقي في مسرحه على فكرة السكيتشات التمثيلية التي يستخدم فيها مع فريقه الكثير من الكوميديا المبتذلة غير الموظفة دراميا أو جماليا. ورغم ذلك، اشترك عبد الباقي في المهرجان بآخر مسرحية لفريقه تحت عنوان "جريمة في المعادي" والتي يتم عرضها على مسرح نجيب الريحاني بشارع عماد الدين بالقاهرة.


اعتذار قدري وانسحاب مُبهم
شهدت هذه الدورة ثلاثة اعتذارات متوالية عن المشاركة في المهرجان، قد يكون الاعتذار الأول منها مبررا؛ حيث تعرضت بطلة العرض المسرحي "السنافر" لحالة مرضية طارئة منعتها من المواظبة على البروفات، لذلك تقدم د. جمال ياقوت مخرج ومؤلف العرض باعتذار رسمي عن المشاركة ضمن فعاليات المسابقة الثالثة الخاصة بمسرح الطفل وخرج العرض من المنافسة.
في المقابل وبعد بدء فعاليات المهرجان بيومين تقدمت الفنانة فاطمة محمد علي بانسحابها من المنافسة في المسابقة الأولى، بعرض "الطوق والإسوارة" من إنتاج البيت الفني وذلك لرفع الحرج عن لجنة التحكيم وإدارة المهرجان كونها عضواً في اللجنة العليا للمهرجان. وكان من البديهي أن تكون إدارة المهرجان على علم بهذا التفصيل قبل اختيارها عضوا في اللجنة العليا، أو أن تكون هي نفسها على علم بذلك.
وثمة انسحاب آخر تقدم به الفنان إيهاب فهمي لاستبعاد عرض "سيرة الحب" من المنافسة في المسابقة لرفع الحرج عن لجنة التحكيم كونه مديرا للمسرح الكوميدي، وقد صدر قرار تكليف فهمي مديرا للمسرح الكوميدي في فبراير/شباط من العام الجاري، أي قبل بدء المهرجان بحوالي ستة شهور!


ندوات ودفتر أحوال المسرح المصري
تحرص جميع المهرجانات تقريبا على إقامة مجموعة من الندوات وفق برنامج حواري يكون

ضمن فعاليات دورة المهرجان، وكثيرا ما يتم تخصيص ندوة نقاشية عقب كل عرض مسرحي أو بعض العروض المشاركة في المسابقة الرسمية على سبيل المثال أو على أقل تقدير، بالإضافة إلى حلقة نقاش موسعة عن شخصية الدورة الجديدة من المهرجان، الأمر الذي تقلص في الدورة الحالية إلى حد كبير، حيث شمل برنامج الدورة أربع ندوات حملت عدة موضوعات مسرحية، ومن ضمنها ندوة تحت عنوان "إدارة المهرجان المسرحي" تحدث فيها كل من رئيس المهرجان، والمدير إسماعيل مختار، بمشاركة أعضاء من اللجنة العليا حول اللائحة التنظيمية والميزانية العامة وما إلى ذلك. وصرح د. أحمد عامر، مسؤول لجنة الندوات، أن هذه الندوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى المهرجانات المصرية والعربية أيضا، فهي تفتح حوارا مباشرا مع الجمهور وتجيب عن كل التساؤلات والاستفسارات حول بعض الأمور اللوجستية ومعايير اختيار العروض ولجان التحكيم.
ومن المُلاحظ في خطاب إدارة هذه الدورة أو معظمها على الأقل هيمنة "المشاعرية" إذا جاز التعبير، بشكل يقترب من المستوى التمثيلي الدرامي، بداية من شعار رئيس المهرجان بأن الدورة معنية بـ"تكريم الآباء فى الافتتاح، وتشجيع الأبناء فى الختام"؛ حيث أفرد مسؤول الندوات مساحات تواصلية متوالية مع المتلقي بتعددية مستوياته عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك قبل بداية المهرجان بفترة كبيرة استخدم فيها هذا الخطاب المشاعري الذي يمكنه من مسك العصا من منتصفها، فإذا شعر هذا المتلقي بإخفاق الدورة مثلا فقد قدموا ذرائعهم عن كم التحديات التي واجهتها الإدارة، وإذا نجحت فسيظهر القائمون عليها في دور الأبطال الذين تغلبوا على هذه الصعوبات.
ويمكن التماس هذا في بعض خطابات عامر الموجهة وهو يُعلن البدء في تحضير الندوات في مقابل التحديات المطروحة، وفي مساحة أخرى يتوجه بالاعتذار لبعض الأكاديميين من جامعات مصر بسبب تقصير تنظيمي.
على أي حال، لم يكن هناك جديد في الندوة السبق التي أشار إليها، حيث لم يبتعد كثيرا حديث رئيس المهرجان عما أدلى به في المؤتمر الصحافي للدورة حول زيادة ميزانية المهرجان لتصل إلى مليوني جنيه مصري، والحديث حول تقسيم الدورة إلى ثلاث مسابقات، ثم الإشادة بمجهودات إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح ومدير المهرجان في التغلب على عدد المسارح القليل وامكانياتها المتدنية مقارنة بعدد العروض. فيما اتجهت بقية الندوة إلى الإجابة عن السؤال المطروح من الإدارة "هل مهرجانات الفنون في مصر ضرورة أم رفاهية؟"، وفيها تعددت المداخلات من الأعضاء والتي تفيد بأن المهرجانات ليست بدعة وإنما هي الدافع للاستمرار، وأن على المسرحيين مراجعة ذواتهم مع الحركة النقدية، فيما أشار أحد أعضاء اللجنة العليا أحمد السيد بأن جيله من الشباب المسرحيين يعلم قيمة أحمد عبد العزيز كممثل من ألمع النجوم في مصر، ولم يكن له الحظ في رؤية إنجازه المسرحي كمخرج.
ومن اللافت أنه لم يتم تخصيص ندوة للفنان كرم مطاوع الذي تحمل الدورة اسمه كما هو معهود، كما تكررت بعض الأسماء من المسرحيين الذين أصبحوا ضيوفا دائمين على معظم المهرجانات المسرحية المصرية من نقاد أو كتاب، إلا أن الندوة الأولى وكانت بعنوان "دفتر أحوال المسرح المصري" تضمنت لافتة جديدة ومهمة، على خلفية مشاركة بعض فرق ذوى الاحتياجات الخاصة بعروض في مسابقة الطفل، بتخصيص مداخلة عن مسرح ذوى القدرات الخاصة في مصر، طارحين فيها مشاكلهم ومطالبهم العديدة، بحضور الكثير منهم من خلال الجمعيات والمؤسسات الراعية، وبمشاركة أخصائي إشارة يتولى نقل ما يدور للحضور، وكانت الندوة من أكثر الندوات كثافة.


الجوائز
استكمالا لما بدأه رئيس المهرجان من أن "ما لا يُدرك كله لا يُترك كله" ووفق الخطة التوافقية التي اتبعها في التكريمات، جاءت جميع جوائز المسابقات الثلاث مناصفة بين الفائزين، وتراوحت المبالغ المقدمة بين 3000 و10000 آلاف جنيه مصري، بالإضافة إلى إعلان

وزيرة الثقافة خلال حفل الختام عن ثلاث جوائز أخرى تتمثل في طباعة أفضل نص مسرحي الحائز على جائزة لينين الرملي للكتابة المسرحية وفاز بها محمد رفعت عن نص  "المتسولون"، مع طباعة الدراستين الفائزتين بجائزة المسابقة النقدية للناقدين إبراهيم الحسيني وخالد رسلان، وستتولي هيئة الكتاب طباعة هذه الأعمال. كما سيتم استضافة أفضل عرض مسرحي للطفل على أحد مسارح دار الأوبرا.
وعلى جانب آخر أشادت لجان التحكيم ببعض الأسماء المشاركة في المهرجان والتي تم تخصيص شهادات تقدير لها، لكن أصحابها لم يتسلموها في حفل الختام بل تم إخطارهم بالتوجه خلال أسبوع للمجلس الأعلى للثقافة لتسلم شهادات التقدير، الأمر الذي استاء منه الكثير من المسرحيين ومن الشباب أنفسهم، لا سيما وقد كان شعار رئيس المهرجان منذ البداية هو "تكريم الآباء فى الافتتاح، وتشجيع الأبناء في الختام".