Print
هشام أصلان

عن أيام القاهرة على خشبة المسرح

11 سبتمبر 2019
مسرح
تعيش القاهرة، هذه الفترة من العام، أيام المسرح بامتياز. وبينما اُختتمت، قبل حوالي أسبوع، فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، بدأت مساء أمس، الثلاثاء، فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.
وبدا على الدورة الأخيرة من المهرجان القومي للمسرح المصري أنها لاقت نجاحاً معقولاً تحت إشراف الفنان أحمد عبد العزيز، وساهم في تلقيها بشكل جيد اختتامها بتكريم مجموعة من الأسماء الفنية القيّمة وذات السمعة الطيبة داخل أوساط الثقافة من ناحية، والمحبوبة جماهيرياً من ناحية أخرى: المخرج المسرحي الكبير محسن حلمي، والممثلون سوسن بدر، ويوسف شعبان، وهالة فاخر، ولطفي لبيب، وتوفيق عبدالحميد، الذي حظيت لحظة تكريمه باحتفاء كبير ممن حضروا حفل الختام، أو الذين شاهدوا الفيديو على صفحات السوشيال ميديا، خصوصاً مع ابتعاده عن العمل لفترة كبيرة لأسباب غير معروفة، وإن أرجعها البعض إلى ما تعيشه كل المجالات من ارتباك في لحظة زمنية نوعية. وحفل الختام كرّم، أيضاً، أسماء بعض الراحلين حديثاً: محمود الجندي، ومحمد نجم، وفاروق الفيشاوي، وفؤاد السيد، ومحسنة توفيق.
وربما ساهمت مجانية حضور العروض في ألا يقف نجاح الدورة عند أمور الشكل والتنظيم، ذلك أن كثافة الإقبال على المشاهدة كانت لافتة. وكثيراً ما أعاقت محاولاتي حضور العروض نفاد تذاكرها، وهو سياق لا أتصوره معتاداً في السنوات السابقة.
وكان الفنان أحمد عبدالعزيز، رئيس المهرجان، قال للصحافة إن اللجنة المنظمة كانت مهمومة بفكرة توصيل الخدمة الثقافية للجمهور وربطه بالعروض وإتاحة إنتاجات المسرح المصري له، ذلك أنه "قمنا بتقسيم المهرجان لأكثر من مسابقة، واحدة للجهات التي تنتج للمسرح، وثانية
للمسرح الموجه للطفل وذوي القدرات الخاصة، وأخرى خاصة بالتأليف المسرحي"، حيث أن الإنتاج المصري من المسرح يصل إلى 2000 عرض سنوياً "ولكن تأثيرهم ليس كبيراً على المجتمع".
ومن الجانب الآخر لمدينة القاهرة، حيث أحياء التجمع الخامس الفخمة، جاءتني دعوة لحضور عرض "الملك لير"، مسرحية شكسبير الشهيرة، التي تعرض على أحد مسارح القطاع الخاص شديدة الفخامة، بأسعار باهظة للتذاكر، وكانت فرصة طيبة، حيث لم أشاهدها وقتما كانت تعرض على مسرح الدولة قبل سنوات، غير أن اللافت كون ارتفاع سعر التذاكر لم يمنع امتلاء قاعة العرض عن آخرها، وكانت ثلاث ساعات ممتعة حيث أداء مميز من الفنان الكبير يحيى الفخراني، ومعه أحمد فؤاد سليم، الذي حل مكان فاروق الفيشاوي بعد رحيله، ومعهم رانيا فريد شوقي، وثراء جبيل، وهبة مجدي، وآخرين. كانت ليلة جميلة وطقس مختلف لحضور عرض مسرحي بعيداً عن دوائر المثقفين في وسط المدينة وأوهام اقتصار تلقي هذه الأنواع الفنية عليها، فها أنت بين جمهور "المول" وشواطئ الساحل الشمالي تحت سقف واحد تشاهد عملاً ألفّه شكسبير الذي هو، قطعاً، ليس كاتباً جماهيرياً في مصر، ولا أتصوره جماهيرياً خارجها.

مهرجان المسرح التجريبي
وانطلقت مساء أمس من المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، فعاليات الدورة السادسة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وتستمر فعالياته حتى 19 سبتمبر، وتتضمن هذه الدورة محورا خاصا عن أفريقيا، فيما تجاوزت المشاركات العربية ثمانين عرضاً تمثل 16 دولة عربية، وتحل الولايات المتحدة الأميركية ضيفاً للشرف، بينما يتم تكريم عدد من الأسماء المسرحية العربية والدولية المعروفة. ومن مصر يكرم المهرجان الكاتب أبو العلا السلاموني، والفنانين سيد رجب وسميرة عبد العزيز وأحمد كمال وهناء عبد الفتاح والناقد حازم شحاتة، فضلاً عن المخرج الراحل حديثاً محمد أبو السعود، كما أن هناك مجموعة من المحاضرات، فضلاً عن ورش العمل المهتمة بمجالات العمل المسرحي المختلفة، بين التعبير

الشعري للجسد، والدراماتورج، والإضاءة، وإخراج المسرح الراقص.
غير أن الأبرز معنوياً في هذه الأيام المسرحية المكثفة، هو مرور الذكرى الرابعة عشرة لكارثة حريق مسرح قصر ثقافة بني سويف، الذي يوم وقع أدرك المهتمون أن المسرح المصري سيعاني سنوات من أزمة كبيرة، بعدما راح نحو خمسين أو أكثر من المسرحيين في الحريق الشهير. كان بينهم أسماء بارزة، ممثلين ومخرجين وكتابا ونقادا مسرحيين. المسؤول الأول والأخير إهمال يضرب الهيكل الإداري، وفشل متقدم في التعامل مع الأزمات، لا نقول منعها، وافتقار تام لأدنى طرق الحماية المدنية. التفاصيل مروعة، وكان "ضفة ثالثة" نشر الكثير منها في مقال سابق مروراً على تقرير مفصل للجنة تقصي الحقائق.
كانوا يشاهدون إحدى مسرحيات الدورة الـ15 لمهرجان نوادي المسرح. فرق مسرحية تقدم عروضها من أغلب المدن المصرية. القاعة، الملحقة بقصر ثقافة بني سويف، خُصص ثلثاها للديكور وثُلث تكدس فيه المدعوون للعرض. سقطت شمعة على إحدى قطع الديكور المكوّن من ورق مقوّى ومواد قابلة للاشتعال، سرحت النار سريعاً إلى الستائر صاعدة إلى سقف مصنوع من مادة "الفوم" التي انصهرت وصارت نيراناً سائلة تنسكب على كل من في القاعة الملحقة بقصر ثقافة بني سويف تأكلهم أحياء. من لم يمُت محروقاً، مات مختنقاً أو مدهوساً. وعلى ما يبدو أن ذكرى هذه الكارثة ستظل المناسبة الأبرز بين أيام القاهرة المسرحية لسنوات كثيرة مقبلة.