Print
هشام أصلان

فيلم "الممر".. انشغال بالرفع المعنوي أكثر من الإتقان الفنيّ

26 يوليه 2019
سينما
سألني صديق عن رأيي في فيلم "الممر"، وبعدما قلت إنني لم أشاهده، استوقفتني نبرة البديهية التي أجبت بها، بالأحرى نبرة استنكار السؤال. أفلام كثيرة تُعرض ولا يهتم المرء بمشاهدتها، ولكن في هذه الحالة لا بد من الاعتراف بموقف مُسبق، فكرت في أسبابه قبل أن أقرر الذهاب للمشاهدة.
المسألة ببساطة أن ما نعيشه من لحظة زمنية مجنونة، تشهد شداً عنيفاً لوتر الاستقطاب السياسي. الأسوأ أن هذا يحدث من قِبل نخبة متواضعة، بوصف يحرص على التهذيب، ساعدتها الظروف على الانفراد بالساحة الإعلامية، ومهدت لها كل قنوات التواصل المرئية والمسموعة والمقروءة. نخبة وضعت كتالوجاً ثنائي التقييم لوطنية مزعومة، وإعلاماً صار يُخرج كل شيء عن سياقه الطبيعي وتسييسه. فأي آراء سلبية في أي شيء لن تعني سوى مقابلتك بمجموعة من الاتهامات الجاهزة، تبدأ بأنك ممن يضعون يدهم في الماء البارد ولا يشعرون بما تواجهه البلاد من شر، مروراً بكونك من المضحوك عليهم من قبل أهل الشر، وصولاً إلى انتمائك شخصياً إلى أهل الشر، ما قد يعصف بمستقبلك ومستقبل أسرتك بعقاب لا أتصور أن الماضي السياسي الذي نعرفه شهد مثل قسوته. أصبحنا ندرك أن هذه هي الحال ولو كان الأمر مجرد رأي في فيلم سينما أو حتى أداء لاعب في مباراة لكرة القدم.
ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الشرح حول لماذا تتجلى سمات اللحظة حول ما يخص فيلم "الممر"، بطبيعته التي من المفترض أن تنسى معها أي عناصر فنية في سياق الفخر بحالة سينمائية تجسد شكلاً للانتصار العسكري على جيش الاحتلال الصهيوني، ما تعامل معه المؤيدون للدولة من إعلاميين وفنانين بوصفه عملاً يستحق الدعم والترويج بشكل يتجاوز ما يبذلونه من مجهود في ربط الانتصار على أهل الشر بالنجاح في دخول موسوعة جينس بأعرض جسر أو بأطول مائدة إفطار. وكان عادياً أن ترى صورة للفنان شريف منير في أحد عروض الفيلم الخاصة مرتدياً بنطالاً وحذاءً عسكريين، أو تقع عيناك على كثير من العبارات الدرامية المُقتبسة من حوار الفيلم على صفحات النخبة المؤيدة للدولة مصحوبة بوصف للبسالة والرجولة وبكيف بكى الأطفال أو ارتجت قاعة السينما بالتصفيق مع قول أحد الممثلين لتلك
العبارة المقتبسة. وصل الأمر لحكايات، ليست مؤكدة، حول تنظيم رحلات مدرسية لمشاهدة الفيلم، بينما حكى البعض عن عرض شاهده المنتخب القومي لكرة القدم قبل بطولة الأمم الأفريقية من باب بث الحماس والشعور الوطني في قلوب اللاعبين.
وبمحاولة قراءة الفيلم بمعزل عن الرعاية السياسية من كل الأطراف، ستجده يقترب من صناعة سينمائية جيدة بتحفظات عديدة.
بداية، يعني المخرج شريف عرفة مجموعة من الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية، منها: المنسي، الإرهاب والكباب، اللعب مع الكبار، طيور الظلام، سمع هس، يا مهلبية يا، إضحك الصورة تطلع حلوة، الأقزام قادمون، الجزيرة، وأعمال أخرى.
غير أن شريف عرفة هذه المرة يأتينا مخرجاً ومؤلفاً للفيلم، وربما أن علاقته غير الكبيرة بالكتابة ساهمت في خفة الكثير من المناطق الحوارية في فيلم "الممر". وبينما لا أعرف إن كانت قصة الفيلم مأخوذة عن عملية عسكرية حدثت بالفعل أم لا، توقفت أمام مشاهد من قبيل أن الكتيبة التي عبرت قناة السويس للقيام بعملية انتصرت فيها على الكتيبة الصهيونية في قلب سيناء، عادت بإحدى دبابات العدو، وعندما أمر قائد العملية المصري أحد المجندين بقيادتها لفت الجندي نظر قائده إلى أنها أميركية الصنع وليست روسية كالمعدات التي تدربوا عليها، وبالتالي لا يعرف كيفية قيادتها، ليقول له الضابط: "جرى إيه؟ المصريين بيعرفوا يعملوا كل حاجة".
الفيلم يبدأ عند لحظة هجوم جيش الاحتلال على سيناء في 1967، ليحكي قصة من قصص حرب الاستنزاف، حيث كتيبة صاعقة مصرية تعبر لتحرر الضباط والجنود المصريين الذين وقعوا في الأسر، مع إطلالة مصابة ببعض الترهل على جانب من الحياة الإنسانية للضباط والجنود في تعاملاتهم اليومية ما بعد احتلال سيناء. فنرى الضابط نور في حالة نفسية سيئة مفهومة، ولكن غير المفهوم كانت استجابته السريعة للشحن المعنوي الذي اشتغلت عليه زوجته، كما كان من غير المبرر أن يضطر للذهاب إلى أحد سنترالات الهاتف للاتصال بوحدته والاطمئنان عليها، ذلك أنه من المؤكد أن لديه مكتباً أو طريقة أخرى للاتصال، فيعامله موظف السنترال بصلف شديد لينفعل الضابط ويحطم المكان. كانت لدى شريف عرفة صيغ أكثر منطقية للتجول في منطقة التلقي السيء من المواطنين لضباط وجنود الجيش بعد ما حدث.
من الملاحظات الفنية التي خرجت عن الإحكام، أيضاً، حفاظ الممثلين على جماليات
مظهرهم أثناء تأدية مشاهد عسكرية عنيفة أياماً في صحراء سيناء. تنبت لحاهم، على سبيل المثال، ولكن مُنمقة كمن هذبوها في صالون الحلاقة، بينما لا ينبت شعر الرأس.
أنت أمام كتابة سينمائية انشغلت بالرفع المعنوي أكثر من الإتقان الفني، وإن نجح إخراجياً وإنتاجياً في تقديم تقنيات سينمائية للمعارك افتقدتها كل أفلام الحروب التي قدمتها السينما المصرية في السابق، تقنيات تليق بإنتاج سينمائي في العام 2019. ولا أعرف، في ظل هوس التقييم السياسي للعمل، إن كان يدين هذه السطور أن تشيد بأداء المُمثل الأردني إياد نصار، الأفضل في الفيلم، ذلك أنه قدم شخصية قائد الكتيبة الصهيونية، ولكن لو وضعنا هذه المسألة في الاعتبار، نستطيع معادلة التقييم بذكر أن منافسته الأقوى في الأداء كانت لمحمد فراج الذي قدم دور قناص مصري، بينما يتعادل باقي الممثلين في الأداء المتوسط، باستثناء أحمد عز، بطل الفيلم، الذي يبدو أنه حفظ الكلام المكتوب وأخرجه أمام الكاميرا بأقل قدر من التمثيل.