Print
وائل سعيد

مُلتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي.. ماذا يُقدّم لأحلام الشباب؟

1 نوفمبر 2019
مسرح
في العام الماضي، انطلقت الدورة الأولى لملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي، وأقيمت حفلتا الافتتاح والختام تحت قبة أقدم الجامعات المصرية "جامعة القاهرة". وفي دورته الثانية التي بدأت منذ أيام، استضافت الحفلتين الجامعة الأميركية، وهي أيضا أقدم جامعة دولية في مصر.
استمرت الفعاليات على مدار ستة أيام في الفترة من 20 إلى 26 أكتوبر/ تشرين الأول، بمشاركة 22 دولة عربية وأوروبية وأفريقية، تنافس فيها 13 عملاً مسرحيّاً نتاج فرق الجامعات المختلفة؛ اشتركت الجزائر والعراق والأردن والكويت وعمان كل منها بعرض مسرحي، وكان هناك عرضان من السعودية، ضيف شرف المهرجان، وعرضان من زامبيا والمكسيك، كما شاركت مصر بأربعة عروض. وتضمنت الدورة بعض الورش المتخصصة والمحاور الفكرية، لكنها بالغت في التكريمات على نحو لافت للنظر.
حملت الدورة اسم الممثل الراحل محمود عبدالعزيز، وأثير حول ذلك أكثر من علامة استفهام حول اسم الساحر، المرتبط بالسينما تحديداً، وبالدراما التلفزيونية التي تحتل مساحة كبيرة جداً من مجمل نتاجه الفني، الذي بدأه منذ السبعينيات بظهوره الأول في مسلسل "الدوامة"، من إخراج نور الدمرداش، ثم فيلم "الحفيد"؛ أحد كلاسيكيات السينما المصرية، من إخراج عاطف سالم، إلى أن قام بأشهر أدواره التلفزيونية في مسلسل "رأفت الهجان".
لم يكن المسرح أحد الأبطال الرئيسية في حياة عبدالعزيز، اللهم سوى بدايته في المسرح
الجامعي، شأنه في ذلك شأن العديد من الفنانين، من عادل إمام، إلى سعيد صالح، وأحمد زكي، وصلاح السعدني، وغيرهم. بعكس الدورة الماضية التي حملت اسم الفنان يحيى الفخراني بما له من العلامات المسرحية البارزة، وبخاصة في تعاونه مع - مسرح الدولة - المسرح القومي، إلا أنه انشغل بالدراما التليفزيونية الرمضانية على مدار العقد الأخير، وبعد غياب عن خشبة المسرح عاد مؤخراً بمسرحية "الملك لير" لشكسبير، ولكن للمسرح الخاص.
اللافت للنظر في مسرحية الفخراني الأخيرة أنها حققت أعلى الإيرادات على المسرح الخاص، رغم طابعها التاريخي النخبوي، وهو أمر يُحتم على المسرح التجاري أن يُعيد حساباته مرة أخرى، فقد كان المعتاد ألا تُقدم مثل هذه الأعمال سوى مسارح الدولة، إذ ظل جمهور المسرح الحديث مواسم طويلة أسيراً لفكرة المسرح الكوميدي الذي يوفر له ساعتين من الضحك على قفشات وأداء عادل إمام، أو سمير غانم، على سبيل المثال، وتبقى الأعمال الخاصة الأخرى لمسارح الدولة وللمهرجانات، حيث لا تستطيع الدخول في منافسة الشباك التي فرضها المسرح الخاص، ومن ثم تغيرت تماماً في السنوات الأخيرة بمسرح يعتمد على الاسكتشات كمسرح مصر.

 

عن الأحلام والغيرة
يُمثل غلاف الكتاب، أو الرواية، أحد المعطيات في محاولات الدخول لقراءة عتبة النص، فإذا طبقنا ذلك على بوستري الدورتين، الأولى والثانية، لمهرجان المسرح الجامعي، سنجد ثيمة أساسية ومشتركة في كليهما؛ يمكننا وضع وصف لهذه الثيمة تحت مسميات من قبيل "الحماس، الأحلام، الآمال، الثورة..."، هناك من يقول "أنا هنا" من خلال مجموعة من الأذرع المرفوعة عالياً للشباب تجاه السماء المسرحي، تُعلن عن ميلاد وشيك في انتظارهم بمجرد أن تتاح لهم الفرص كما حدث مع غيرهم.
وإذا كان المسرح الشبابي في العموم معنيّ بمرحلة من أخطر المراحل العمرية، فإن المسرح الجامعي يُعد بيئة رئيسية لتفريخ الأصوات الجديدة، خاصة وقد مر معظم الممثلين الكبار على

هذه التجربة الجامعية، وشهدت المسارح الفقيرة للجامعات أولى خطواتهم، وإرهاصات مدارسهم الفنية في ما بعد، لا سيما أن التجربة الشبابية تكون في عنفوانها في المرحلة الجامعية؛ حيث الشباب وعفوية التجربة الفنية إلى أقصى درجة، بصرف النظر عن المساحات الكبيرة المتأثرة بالإرث المسرحي - عالمياً وعربياً - والتي من الصعب تخطيها في المراحل الأولى.
يقول المخرج عمرو قابيل - مؤسس ورئيس المهرجان - بأن فكرة الملتقى نبعت من أن يكون أول ملتقى دولي من نوعه في ذلك المجال "فقد كان لدي غيرة؛ حيث أن مصر بثقلها التاريخي ووضعها الكبير في منطقة الشرق الأوسط تكون بلا مهرجان دولي للمسرح الجامعي".
لذلك كانت الثيمة الرئيسة للملتقى منحصرة بين أحلام الشباب، وغيرة مؤسس المهرجان، مما سيجعل هناك مساحات تعارضية في ما بينهما؛ فتحقيق الأحلام يستلزم مشروعاً موسعاً تتضافر فيه أكثر من مؤسسة معنية بالحركة المسرحية - على رأسها وزارة الثقافة بالطبع - وليس الاعتماد على فكرة فردية محركها الغيرة، أو ما شابه، حتى لا تتم الفعالية بشكل – مسرحي - والمقصود هنا بالمسرحي أي التمثيل؛ الذي يمكنك رؤيته بوضوح في أكثر من مهرجان يخاطب الشباب، وقد يلعب على أحلامهم.
تبقى الحسنة الأهم في نظري من تلك المهرجانات هي الاحتكاك الدولي للمسرحيين، فثمة ورش متخصصة تقام ضمن الفعاليات، ومعظم هذه الورش يقوم عليها متخصصون دوليون يأتي معظمهم على نفقاتهم الخاصة حباً في المسرح، وفي شباب المسرحيين. حتى وإن كانت الفترات القصيرة لهذه الورش لا تتسع لدراسات حقيقية، إلا أنها تقوم بتقليب المياه من آن لآخر، وتوفر لهؤلاء الشباب التعرف على مفاهيم مختلفة وتطبيقات مغايرة للنظريات العتيقة.

 

لجان وتكريمات وخلافه
ستقف اللغة دائماً حائلاً في تلقي العروض الأجنبية في المهرجانات، وصحيح أن عدد العروض الأجنبية في هذه الدورة قليل؛ ولكن عدم الترجمة مثل عائقاً حقيقياً في استقبال العمل، خاصة مع وجود عرض مكسيكي على سبيل المثال، الأمر الذي يجعلك تجلس فقط لرصد الأداء الفردي، أو الجماعي، معتمداً على تنويعات الأصوات وتدرجاتها في الحكم على القيمة الجمالية للعمل، خاصة أن معظم هذه العروض تميل الى التجريب والتقشف في الديكور والإضاءة وما إلى ذلك من مفردات جمالية أخرى.
والغريب كان فوز بطلة العرض المكسيكي "لعنة الدم" بجائزة أحسن ممثلة، ومن المفترض أن لجنة التحكيم عربية، وبالتالي فهم يتحدثون العربية: عبلة الرويني، والفنان محمد رياض من مصر، د. حبيب غلوم من الإمارات، د.هشان زين الدين من لبنان، واستثناء واحد البروفيسور آلان ديفال من بلجيكا؛ الأمر الذي يؤكد أن حكم لجنة التحكيم جاء وفق المعطيات سابقة

الذكر.
وبالطبع لن يخلو أي مهرجان من مجموعة من التكريمات، وهذا حق مشروع وواجب تجاه أسماء قدمت الكثير خلال مشوارها الفني. إلا أن هناك الكثير من التكريمات تذهب تقريباً لمجموعة محددة لا تتغير كثيراً، فنجد اسماً أو اسمين يتنقلان في معظم المهرجانات للتكريم، كأن إدارة المهرجانات تؤثر السلامة في ما هو متعارف عليه من التقييمات الجاهزة، وربما يكون ليس هناك أسماء بالفعل.
بعيداً عن إشكالية الاستحقاق التكريمي من عدمه - والتي تعاني منها معظم المهرجانات العربية - فقد تجاوز المهرجان الجامعي هذا العام هذه الإشكالية، ليطرح مشكلة جديدة، وهي كم التكريمات الكبير الذي لا يقف عند المؤثرين في الحركة المسرحية، أو الأسماء البارزة فحسب؛ بل وصل إلى كل المشاركين. ذهب التكريم الأول لاسم محمود عبدالعزيز، وهو عبارة عن درع الملتقى تقديراً لعطائه الفني، ثم إلى المخرج خالد جلال، رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، والممثلة سميرة عبدالعزيز، والكاتب فهد رده الحارثي، والفنانين خالد الحربي، وسامح حسين.
كما كرم الملتقى أعضاء لجنة المشاهدة، وجميع مدربي الورش المقامة خلال الملتقى، وأيضاً المشاركين في ندوات ولقاءات الملتقى، وفريق التنظيم، ومخرج حفلي الافتتاح والختام، بالإضافة إلى أعضاء لجنة التحكيم. وتقدم بعض ممثلو الدول المشاركة، كالمغرب والسعودية، بتكريم رئيس ومؤسس المهرجان.

المُتفائل
في سياق آخر، تزامن المهرجان مع استمرار عرض مسرحية "المتفائل"، من إنتاج فرقة المسرح القومي التابعة للبيت الفني للمسرح، محققة إقبالاً جماهيرياً، واحتفاء النقاد، الأمر الذي دفع معهد النقد الفني في أكاديمية الفنون وأقسام المسرح في الجامعات إلى وضع العرض ضمن التطبيقات العملية لطلاب المسرح.
يقول مخرج العرض بأنه تلقى إقبالاً كبيراً من الطلاب، سواء في المعهد العالي للفنون المسرحية، أو من كليات جامعتي القاهرة، وعين شمس، مشيراً إلى أهمية مناقشة مثل هذه

الأعمال، خاصة في التجمعات الدولية الشبابية، كالمهرجانات، وذلك على خلفية عدة مبادرات من قبل هيئة التدريس المسرحي في هذه الجامعات بطرح العرض لمناقشته مع الطلاب عملياً بعد المشاهدة، والتعرف عن قرب على آليات استخدام العناصر المختلفة في العرض التي أدت إلى نجاحه في النهاية؛ كالإضاءة والموسيقى والاستعراضات، وتحريك الديكور بسهولة أمام المتفرج.
ومن المعروف أن التطبيق العملي هو أكثر الطرق للمعرفة الجمالية، حيث ينتج عن هذا التطبيق، وبالتجاور مع المحاور الفكرية، إعادة تحريك المفاهيم الفنية للعمل المسرحي، فليست كل إشكاليات المسرح فكرية يمكن مناقشتها من خلال الندوات، ولكن هناك الكثير من التجارب النقاشية التي قد تضيء بعض الطرق للمبتدئين، الأمر الذي تناساه المهرجان في دورته، حيث لم تعقد أي ندوات لمناقشة الأعمال المعروضة، وتم الاكتفاء بالكتابة التقريرية عن بعض هذه العروض في أعداد نشرة المهرجان اليومية محدودة العدد.