Print
حميد عبد القادر

"جان زيغلر".. الشعور بالسعادة في هافانا بعيداً عن الإعلانات

11 ديسمبر 2017
سينما

 

من بين الأفلام الوثائقية التي عُرضت مؤخرا، خلال الدورة الثامنة من مهرجان الجزائر الدولي للسينما، المخصص للفيلم الملتزم، فيلم "جان زيغلر...تفاؤل الإرادة"، للمخرج السويسري نيكولا فاديموف، تناول من خلاله مسار زيغلر النضالي، ضد هيمنة الغرب، والتزامه بالقضايا الإنسانية، منذ أن اختلط بالتيار الوجودي في باريس عند مطلع الخمسينيات، واحتكاكه بكل من جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، في مقهى "لي دو ماغو".

ينطلق الفيلم من تجمع شعبي في مدينة جنيف السويسرية، حضره زيغلر، ليدلي بخطاب حول المخاطر التي تهدد الإنسانية جراء تغول الرأسمالية الغربية، التي يعتبرها كولونيالية متوحشة جديدة تستغل شعوب الجنوب، وتساهم في نشر الفقر والأمراض، واستغلال الخيرات. ومن بين ما ردده زيغلر في ذاك التجمع، انتقاده للديمقراطية الغربية التي وصفها بأنها "ديمقراطية المظاهر فقط".

يظهر التزام مؤلف كتاب "سادة العالم الجُدد"، بالقضايا العادلة، من خلال فيلم فاديموف، الذي سار على خطاه في عدد من العواصم انطلاقا من كوبا، ومن خلال استعادة لحظة التزامه الثوري، حينما رافق، وهو في سن الثلاثين، تشي غيفارا، أثناء زيارته إلى سويسرا سنة 1964، حيث أبدى زيغلر رغبته في التوجه إلى أميركا اللاتينية للنضال إلى جانب الثوار اللاتينو أميركيين، ضد الديكتاتوريات العسكرية الموالية لأميركا والغرب. إلا أن غيفارا، قال له: "عليك أن تبقى هنا، وتناضل من داخل الغرب، لفضح تجاوزات النظام الوحشي الرأسمالي". وبالفعل اخترق زيغلر النظام الرأسمالي فكريا، وفضح تجاوزاته عبر سلسلة من المؤلفات، فجاء في كتابه الموسوم "سادة العالم الجُدد"، حديث عن وجود أيديولوجية جديدة تحكم العالم، بغية إسباغ الشرعية على ظاهرة العولمة.

نرى زيغلر في فيلم فاديموف، وهو يكتب، تحت نظر تشي غيفارا، في إشارة إلى استمرار التزامه بقضايا اليسار، ثم ننتقل رفقته إلى كوبا، ونستمع إليه وهو يُردد على مسامع زوجته أنه يشعر بالسعادة، وهو في هافانا، بعيدا عن ضجيج مُدن الغرب، ولوحاتها الإشهارية. وبينما يسأل سيدة كوبية قائلا: "لماذا لا توجد صورة الزعيم فيديل كاسترو على شرفة بيتك؟"، تجيبه قائلة: "الثورة الكوبية ثورة عظيمة"، وتدعوه لزيارة بيتها. ويتضح من خلال هذه المحادثة، أن جان زيغلر، يرفض رؤية إخفاقات الثورة الكوبية، مفضلا إظهار تمسك رومانسي بنظام كاسترو، ويذهب إلى حد السخرية من الغرب حينما يصرح أنه لا يكترث بحرية التعبير، ويوافق على الدعاية التي تروج لها الأنظمة الاشتراكية، موضحا أن الديمقراطية تعدُ مسألة ثانوية بالنسبة لشعوب ترزح تحت وطأة الفقر. بيد أن كاميرا فاديموف، تُقوض رومانسية زيغلر، بشكل حيادي، وهي تُظهر شوارع مُخربة، وبيوتاً بلا ملامح.

تستمر كاميرا فاديموف، في مرافقة زيغلر، من طفولته البرجوازية في سويسرا، إلى غاية انتقاله للعمل في هيئة الأمم المتحدة كمستشار للأمين العام السابق كوفي أنان، ونضاله ضد من يصفهم بـ "الوحوش"، أو "صناديق الغربان"، في إشارة واضحة إلى الشركات المتعددة الجنسيات التي تستغل دول الجنوب، ليطرح السؤال الشائك "أي مستقبل للنضال المعادي للرأسمالية؟"، وهو يجوب شوارع العاصمة الكوبية هافانا، ثم عائدا إلى ميونخ، من أجل نشر ذات الخطاب المناهض للرأسمالية، ضمن وعي جديد يسميه "المجتمع المدني الكوني"، الذي يريده زيغلر لنشر العدالة عبر العالم، ووضع حد للأمراض المنتشرة في دول الجنوب، والتي يسببها الغرب. 

كما يُعد الفيلم الوثائقي "جان جينيه..الأسير العاشق" (2016)، للفرنسي ميشال كوليري، من أهم الأعمال الوثائقية التي عرضت خلال المهرجان ذاته، واستعادت علاقة الكاتب الفرنسي بالقضية الفلسطينية. ففي سبتمبر/أيلول 1982، اكتشف جينيه مجازر صبرا وشاتيلا، فكتب شهادته الشهيرة "أربع ساعات في شاتيلا"، فعاد مجددا للكتابة الأدبية بعد عشرين سنة من التوقف والصمت الأدبي، الأمر الذي فتح أمامه مجال كتابة نص آخر لا يقل أهمية، هو نص "الأسير العاشق"، وهو عبارة عن مجموعة من الذكريات حول تجربته النضالية مع جماعة "البلاك بنترز". واستعاد كوليري مسار جينيه النضالي من السبعينيات، إلى غاية رحيله المفاجئ سنة 1986.

ومن بين الأفلام الفرنسية التي عرضت خلال التظاهرة، فيلم "السماء الحمراء" (2017) للمخرج أوليفيي لوريل، الذي ساهم رفقة الروائي ياسمينة خضرا في كتابة سيناريو فيلم "الطريق إلى إسطنبول". وعاد الفيلم الذي ألفه لوك بيسون، لظروف حرب الهند الصينية التي جعلت فرنسا تغرق في مستنقع حربي، خرجت منه وهي تجر أذيال الهزيمة. ويكشف الفيلم الطرق غير الإنسانية التي لجأ إليها الجنود الفرنسيون لوضع حد لمقاومة الشعب الفيتنامي، عبر قصة الجندي فيليب الذي يرفض هذه الممارسات، فيقرر الفرار من الجندية، والمغامرة في عمق الأدغال، حيث يتعرف إلى فتاة فيتنامية، يعيش معها قصة حب لا تنتهي.

وفيما رصد فيلم "لم نكن أبطالا" للجزائري نصر الدين قنيفي، معاناة السجناء الجزائريين في المعتقلات الفرنسية خلال حرب التحرير بين 1954 و 1962، قدّم المخرجان شرقي خروبي، وخوسيه لويس بينافويرتي، في الفيلم الوثائقي البلجيكي "مولنبيك.. جيل الراديكالية" (2016)، حول الخطر الذي يهدد أوروبا جراء الانتشار المستمر لظاهرة التطرف الديني في أوساط "الجيل الراديكالي" الذي اختار طريق "الجهاد". ومن جهتهما، عاد المخرجان الفرنسيان بيار كارل ونينا فور، للظروف التي أوصلت الرئيس الإكوادوري رافائيل كورييا، إلى معاداة الغرب، منذ أن وصل إلى الحكم سنة 2006، والكف عن دفع ديون البلد (بعد أن اعتبرها ديونا غير شرعية)، والشروع في تأميم خيرات البلد، وإعلان حكومة وطنية معادية للرأسمالية، اعتمدت على سياسات التوزيع العادل للخيرات، مما أدى إلى تراجع الفقر، وتنامي الطبقة الوسطى خلال ثماني سنوات. وفي مقابل هذه الصورة الخارقة التي يحظى بها رافائيل كورييا، يحاول الفيلم تقديم الحقيقة عن هذا البلد، ويبرز إخفاقات في مجالات شتى، نابعة أساسا من التمسك بنظرة دينية تقليدية، وفق ما جاء في الفيلم.