Print
إيهاب محمود

أسبوع الكوميكس في مصر: السخرية كفعل مقاومة

13 ديسمبر 2017
تشكيل

 

لأن السخرية تكون وسيلة تعبير وحيدة في أوقات لها خصوصيتها، ولأن السخرية بإمكانها أن تفعل الكثير، أن تغير، تؤثر، تطلق صوتًا مختلفًا وسط حناجر متشابهة، تعلن "لا" قوية في مواجهة ضجيج الـ"نعم"، بسبب هذا كله حرص الناشر محمد البعلي، صاحب دار صفصافة للنشر، على أن يطلق دورة سنوية اسمها "أسبوع الكوميكس في مصر" بدأت في عام 2014، واختتمت يوم السبت فعاليات نسختها الرابعة والتي أقيمت بين مدينتي القاهرة والإسكندرية، وبحضور دولي مميز.

ورسالة الفعالية واضحة منذ انطلاق نسختها الأولى قبل نحو أربعة أعوام: "فعالية سنوية هدفها تعميق مشهد الكوميكس في مصر إذ يعد فن الكوميكس نوعًا من الفنون القادرة على مخاطبة الصغار والكبار على حد سواء، واستطاع هذا الفن في السنوات الماضية، أن يناقش بالرسم والسخرية كافة القضايا المطروحة على الساحة في مصر".

ما يميز هذه النسخة الرابعة من أسبوع الكوميكس عن سابقاتها الثلاث، هي فكرتها التي انطلقت منها كل الفعاليات والندوات والورش أيضًا: علاقة الكوميكس بالواقع السياسي، ليس مجرد التعبير عن قضايا راهنة في عالم عربي مأزوم، بل محاولة توصيل رسالة عبر الرسومات، أن تتخيل سيناريو قبل أن تشرع في العمل.




الافتتاح: اعتذار أحمد ناجي

حفل الافتتاح الذي بدأ في تمام السابعة بدرب 17 18 بمنطقة مصر القديمة، غاب عنه الروائي والصحافي المصري أحمد ناجي الذي اعتذر عن عدم المشاركة لأسباب شخصية. في نفس الوقت حضر الفنان محمد عبلة مؤسس متحف الكاريكاتير بمدينة الفيوم، الذي أكد على أن فن الكوميكس المصري له تاريخ طويل، ولكن أزمته الكبرى تكمن في عدم تسجيله حتى اليوم.

ولفت مؤسس متحف الكاريكاتير بالفيوم إلى إعجابه بأسبوع الكوميكس ورغبته في المشاركة به لأنه، بحسب وصفه، تجربة شابة لفن هجرناه كثيرًا واختفى عن الأنظار لسنوات طويلة.

عبلة تحدث عن الفنان المصري علي رضا، الذي كان ليبراليًا من الطراز الأول على عكس ما يشاع عنه من انتماءاته لتيارات الإسلام السياسي، ووصفه برائد الكوميكس المجهول، مشيرًا إلى أن لديه اكتشافاً سيغير تاريخ فن الكوميكس في مصر.

يقول: "اكتشفت العديد من القصص المصورة التي رسمها ونشرها علي رضا في أربعينيات القرن الماضي. هناك قصص أخرى رسمها في عشرينيات القرن نفسه، وهو ما يمكن اعتباره بلا مبالغة، فتحًا فنيًا جديدًا. ولا أعرف في الحقيقة سر هذا التعتيم غير المبرر على شخصيته وفنه وتأثيره".

الصدفة وحدها هي التي قادت عبلة لاكتشاف أثر علي رضا المجهول. حدث ذلك ذات يوم عندما أخبره أحد التجار الذين يعرفون ولعه بشراء الأوراق والكتب والكراسات القديمة بأي سعر، بأن بحوزتهم ما يمكن أن يهمه. حينذاك، اكتشف عبلة خبيئة علي رضا وهي قصة مصورة تعود للعام 1925 وتعتبر أول قصة مصورة مصرية، ولعل هذا هو ما دفع مؤسس متحف الكاريكاتير بالفيوم لأن يقول أن اكتشافه يعيد النظر في ما يخص التأريخ لفن الكوميكس المصري.

 


ورش مجانية

ورشتان مجانيتان ضمن فعاليات الأسبوع، واحدة في مركز الصورة المعاصرة بوسط القاهرة والتي حاضر فيها الفنان التشيكي، بيتر كوبال، والثانية في وكالة بهنا بالإسكندرية، وحاضرت فيها الفنانتان البولنديتان، بيتا سوسنوسكا وأجنسيكا كوشيكا، والمصرية مي كريم.

الورشتان تناولتا فكرة أساسية وهي ضرورة أن يصل للمتدربين معنى أن الكوميكس يهدف لغرض أبعد من السخرية والكوميديا التي تدفع للضحك فقط، وهو هدف أوسع تأثيرًا من ذلك، وهو أهمية أن تتضمن اللوحة الكوميكساوية، إن صح الوصف، نهاية مفتوحة تشرك الآخر معها، تمنحه فرصًا للتأويل، لا أن تكون رسمة منغلقة على ذاتها، مباشرة، لها رسالة سطحية، ركزت المحاضرات خلال الورشتين على ضرورة أن تكون ثمة رسالة يسعى الفنان إلى تعريف الجميع بها، يحمل رسالته في ذهنه ويسعى لتوصيلها بكل الوسائل.

مناقشات ثرية شهدتها الورشتان، وتعلقت بأساليب التحبير والتلوين الجديدة، وبفكرة البطل في الصورة، هل يكون الكلام أقل أم أكثر، وطريقة توصيل المعنى. كذلك كانت محاضرة رسم الوجوه مهمة لأنها تتعلق بالتشريح.

فارق واضح بين الكوميكس والرسم، أكد عليه المحاضرون، وهو أن الرسام لا ينشغل بوضع سيناريو ما ونهاية لقصته، بعكس فنان الكوميكس الذي يجب ألا يكتفي بتحضير سيناريو لقصته، بل عليه أن يسعى لتطوير هذا السيناريو باستمرار.

الكوميكس والسياسة

في محاضرة بعنوان "الكوميكس والسياسة في بولندا" تحدثت بيتا سوسنوسكا وأجنسيكا كوشيكا بخصوص رؤيتهما حول هذا الموضوع مع الجمهور، والتفاعلات السياسية للكوميكس في بلادهما وكيف أثر وتأثر بالأحداث المختلفة.

تناولت المحاضرة حكاية نقابة "تضامن" البولندية وقائدها "ليخ فاونسا" الذي ناضل مع غيره من النساء والرجال من أجل حرية بولندا في ثمانينيات القرن العشرين. وكيف كان الكوميكس يعلق دومًا على الأحداث والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الختام

اختتمت الفعاليات مساء السبت 9 ديسمبر/كانون الأول، بإطلاق روايتين مصورتين، الأولى هي "راديكالي شو" وهي تقع في نحو خمسين صفحة فقط، وتطرح بأسلوب هزلي قضايا التطرف والانعزال الاجتماعي ومشكلات الشبان الغربيين الذين حاولوا الانضمام إلى صفوف داعش.

أما الرواية الثانية "من إسطنبول إلى بغداد" فشهدت حضور المؤلف الهولندي، أرنون جرونبرج، والمترجمة تينا لافنت.

وجرونبرج صحافي وروائي ومسرحي وكاتب سيناريو هولندي. فاز بعدة جوائز عن مختلف أعماله، وكان قد ترك التعليم خلال المرحلة الثانوية واتجه للعمل في الكتابة والنشر، وفي سن التاسعة عشرة أسس دارًا للنشر، وفي سن الثالثة والعشرين أصدر روايته الاولى، وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من 13 لغة.

وبحسب جرونبرج، فإن الرواية تنقل صورة عن الشرق الأوسط بعينيّ صحافي هولندي يتجول بين تركيا والعراق وسورية، متابعًا: "ليست بالتحديد رواية سياسية، لكنها لا تخلو من السياسة بالطبع. أحداث الرواية يغلفها التوتر والترقب لرؤية تلك المدينة الخطيرة والغامضة: بغداد، ولكن الأحداث تقودنا عبر دروب غير متوقعة إلى رؤية جانب من مآسي هذه المنطقة من دكتاتورية وتوتر طائفي/عرقي، وإنكار لهذه المشاكل في نفس الوقت".