}

عن ظاهرة "التنمر ضد قصيدة النثر الجديدة" بمصر

محمود خير الله 17 فبراير 2020
آراء عن ظاهرة "التنمر ضد قصيدة النثر الجديدة" بمصر
لوحة للتشكيلي الإيطالي أليساندرو سييولدر
رداً على تقرير نشرته "ضفة ثالثة" حول منح جائزة الشعر في معرض القاهرة الدولي للكتاب لـ"شاعر عمودي"

على الرغم من أنني كنتُ قررت ألا أفتح هذا الموضوع مجدداً، منذ انفض مولد "معرض القاهرة الدولي للكتاب الدورة 51"، وأنفق الفائزون وأعضاء لجان التحكيم مكافآتهم المالية المتواضعة، ولم يعد الحديث في الموضوع أمراً يخص أصحاب العقول الرشيدة، إلا أنني فوجئت بموقع "ضفة ثالثة" ينشر يوم 10 فبراير/شباط الجاري، مادة (صحافية) عن المعرض وجائزته، بدا لي أن الهدف منها هو التعريض باسمي وشخصي وشعري، ضمن معركة أشمل وأعم، تديرها مؤسسات في الدولة المصرية، وتستهدف النيل من قصيدة النثر عموماً، ومن موجتها المعروفة باسم "شعراء التسعينيات" على وجه الخصوص، لسبب لا يعلمه إلا الشيطان.
وبسبب ما نشرته "ضفة ثالثة" عن المعرض وجائزته، قررت أن أكتب رأيي، ليس رداً على  الزميل وائل سعيد ـ صاحب المادة (الصحافية) المنشورة لديكم ـ والذي يعمل مديراً لتحرير مجلة "عالم الكتاب" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب- وإنما من أجل المهمة الأصعب، وهي مواجهة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الظاهرة الفادحة وهي ظاهرة "التنمر ضد قصيدة النثر الجديدة"، من قبل "القطط السمان"، سواء كانت هذه القطط من رجال السلطة، أو من شعراء الأجيال السابقة الذين يجلسون على أرصفة الثقافة المصرية حتى اليوم بلا جاه أو سلطان، ورغم ذلك اتفق الطرفان - رجال السلطة ورجال المقاهي- على العصف بشعراء قصيدة النثر، لدرجة أن السكوت على أفعالهم لم يعد أمراً ممكناً، بل يجب مراجعة وتأمل ما حدث، لوضعهِ في توصيفه الصحيح.
أقول قررتُ أن أكتب وجهة نظري لموقعكم، مرَّة واحدةً وأخيرة، منتهزاً الفرصة لكي أحولها إلى مناسبة لدعم "قصيدة النثر المصرية" بكل أجيالها ومبدعيها ورموزها، الذين قدموا الكثير للشعر العربي، بمنتهى الود والإخلاص والتفاني، ولم تُرهبهم عمليات الاستبعاد التي تمارَس ضدهم سواء من جوائز الدولة أو تكريماتها المختلفة، ولم ترهبهم عمليات الاضطهاد من بعض الشعراء الكبار، الذين لا ينتظرون إشارةً من أحد، لكي يعصفوا بشعراء الأجيال التالية، عصفاً لا نرى مثيلاً له ـ مثلاً ـ بين كتّاب الرواية المصريين مثلاً، وكم من روائيين من جيل الستينيات احتضنوا وقدموا روائيين شباناً وتحمّسوا لهم ومنحوهم ـ حتى ـ جوائز الدولة بمنتهى الرضا والاقتناع والسعادة، لكن الشعراء لا يفعلون ذلك للأسف، بل فوق ذلك يتنمرون علينا، ويحرقون الآبار كي لا نصل أبداً إلى ما نريد.
وسأكتفي بالرد على ما ساءني أنا شخصياً، مكتفياً بأن أغلبها والحمد لله إساءات لم تكتمل، بسبب ملكات الكاتب التعبيرية المحدودة، و"الاعوجاج الأسلوبي" الذي يعانيه، فقد بدوتُ بين سطوره شخصاً طامعاً في جائزة، رغم أن "قيمتها المادية متواضعة"!! ولا أحترم الشفافية التي يسعى إليها رئيس الهيئة، على الرغم من أنني لم أفعل سوى أنني استخدمت حقي وأعلنت احتجاجي ـ عبر صفحتي الشخصية على "فيسبوك" ـ ضد نتيجة مسابقة "شعر الفصحى"، ضمن جائزة معرض القاهرة للكتاب 2020، والتي فاز بها ديوان من الشعر العمودي، بعنوان "كأول شعر في الأرض"، للشاعر حسن شهاب الدين حسن. وكتبتُ على صفحتي لافتاً إلى أن لجنة التحكيم المشكلة من الشاعرين الكبيرين عبد المنعم رمضان وعلي منصور والناقد مجدي توفيق (مقيم خارج مصر)، انقلبت بهذه الجائزة على خطابها التجديدي وانحيازاتها الجمالية طوال ثلاثة عقود، ومنحت الجائزة لشاعر يكتب النص العمودي، الملتزم ببحور الشعر التي وصفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، المتوفى في القرن الثاني الهجري.
ويبدو أنني كسرتُ "ناموس الكون"، حين أعلنت صراحة خسارتي لهذه الجائزة، بعدما تقدمت بديواني "الأيام حين تعبر خائفة"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومنذ تلك اللحظة لم يكف الرأي العام الثقافي في مصر عن طرح السؤال على الشاعرين الكبيرين علي منصور وعبد المنعم رمضان: "كيف سمح لكما تاريخكما أن تمنحا جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لشاعر عمودي"، لدرجة أن علي منصور غاب عن المشاركة في أمسية شعرية، كان يُفترض أن يشارك بها في أمسيات معرض الكتاب، يوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني الماضي، بينما لم يحضر الشاعران الكبيران منصور ورمضان حفل تسليم جائزة الشعر في المعرض، هاربين ربما من هذا السؤال الملحاح الذي يطاردهما، ومن الصورة الذهنية التي لا يحب الشاعر عبد المنعم رمضان أن يراها أصدقاؤه من شعراء الحداثة في بيروت، وهو يسلم جائزةً أدبية مصرية رفيعة بيديه الكريمتين لـ "آخر الشعراء الجاهليين" على حد توصيفه شعراء القصيدة القليدية، ذات مرة.
ولعل السؤال الذي يستحق أن يُطرح فعلاً هنا هو: كيف تراجعت ذائقة الشعر في جائزة المعرض الأقدم عربياً وشرق أوسطياً للكتاب، تأسس عام 1969، بحيث وصل بها الأمر إلى منح الجائزة لشاعر العمودي عام 2020، رغم أن الجائزة سبق أن منحت قبل سنوات لعدد من شعراء قصيدة النثر من جيل "الثمانينيات" سمير درويش وجرجس شكري، ومن جيل "ما بعد التسعينيات" الشاعر محمد القلليني، كما فازت بها القصيدة التفعيلية مراراً، وآخرها ديوان الشاعر محمود سباق، الذي فاز بجائزة العام الماضي 2019، وهو شاعر تفعيلة، فما الذي غيَّر ذائقة لجنة التحكيم يا تُرى، لتهبط من حالق، وتنتقل من تكريم قصيدة النثر "المستقبل"، إلى التنمر ضدها، وتكريم القصيدة العمودية "الماضي" بدلاً منها، أو بـ "العِند فيها"؟..
الحق أنني لا أذيع جديداً حين أقول إن أجيالاً من قصيدة النثر المصرية حُرمت واستُبعدت على مدار سنوات طويلة، ولا تزال تحرم وتستبعد حتى اليوم، بما يؤدي إلى فشل بعض الملتقيات الشعرية التي تنفق عليها وزارة الثقافة من أموال دافعي الضرائب، وبات من المعروف أن غياب شعراء النثر المصريين يؤدي بالضرورة إلى فشل الفعاليات التي لا يشاركون فيها، آه والله، بدليل نجاح أمسيات معرض القاهرة للكتاب بشعراء قصيدة النثر المصرية، وفشل مؤتمرات وزارة الثقافة وندوات "المجلس الأعلى للثقافة" التي تستبعدهم من قوائمها في كل مناسبة من دون سبب مفهوم، وهذا ليس كلامي، بل نص ما كتبته تقارير صحافية مصرية وعربية منصفة، وآخره ما أثير بسبب استبعاد شعراء القصيدة المصرية، من "ملتقى الشعر العربي" في دورته البائسة، التي عقدت يوم 16 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي انتهت بفوز الشاعر البحريني قاسم حداد بجائزة الملتقى وغياب شبه كامل للجمهور، بسبب عدم توجيه الدعوة إلى شعراء قصيدة النثر المصرية، لدرجة أن صحيفة الأخبار اللبنانية اعتبرت أن "ملتقى القاهرة للإبداع.. الشعر في مكان آخر"، بسبب غياب شعراء قصيدة النثر المصرية، وتساءل سيد محمود في صحيفة الشروق المصرية تحت عنوان "مهرجان كأنَّه للشعر" كيف لإدارة مهرجان تريد أن تنجح وهي تستبعد من قائمتها نخبة الشعر المصري، وكتب سيد محمود: "كيف يمكن لملتقى شعري أن يستبعد شعراء مثل: فتحي عبد الله وفاطمة قنديل وعلية عبد السلام ومحمود خير الله وأحمد يماني ومحمود قرني وياسر الزيات وعزمي عبد الوهاب وإيمان مرسال وعلاء خالد ومهاب نصر وجورج درغام وجيهان عمر ومحمد خير وأسماء ياسين وعماد فؤاد وزهرة يسري وعزة حسين.
ما يتم تداوله في أوساط الثقافة المصرية اليوم، أن رموزاً من بين شعراء السبعينيات يشعرون بالحنق، لأن واحداً من أهم نجوم جيل السبعينيات سبق أن تقدم عام 2017 بديوانه لجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلا أنه لم يحصل عليها، لأن جائزة هذا العام ذهبت إلى الشاعر الشاب محمد القلليني، وديوانه: "أركض طاوياً العالم تحت إبطي". فهل جاء عبد المنعم رمضان لينتقم مثلاً أم ماذا؟؟ لا أعرف..
عن نفسي لستُ أعرف عبد المنعم رمضان معرفة شخصية، وإن كنتُ هاتفته مرة منذ عشرين عاماً، وأعتبره لا يزال شخصاً لطيفاً، لكننا نعرف نحن شعراء التسعينيات جيداً، ومنذ سنوات طويلة، حب عبد المنعم رمضان وإعجابه بالشاعر السوري أدونيس، كما نعرف ـ ونقدِّر ـ أسباب حنقه على الأجيال الجديدة من شعراء قصيدة النثر المصرية، وهي الأسباب التي لم تتوفر لغيره من شعراء السبعينيات، لذا وبينما أصبح زملاؤه من شعراء السبعينيات رفعت سلام وأمجد ريان وجمال القصاص والراحلان حلمي سالم ومحمد صالح، أساتذة أولاً ثم أصدقاء درب ورفاق قصيدة فعلاً، كنا نتندر على أي بادرة إعجاب يوجهها رمضان لأي واحد فينا، قائلين: "اللهم لا تجعلني أدونيس.. لكي لا يُحبني عبد المنعم رمضان".


*****

تعقيب وائل سعيد:

حين قمت بكتابة تقريري عن المعرض لم أستهدف إلا رصد المشهد كما تراءى لي، دون تزويق أو تزييف أو تقييم براق يتوخى تقديم صورة مثالية فحسب كنوع من النعرة الفارغة، ولكني طرحت كليهما حسب اجتهادي المتواضع، والذي لم يكن يتضمن مجاملة أحد، أو المواربة من أجل وظيفة، فكل فعالية ثقافية في كل مكان لها ما لها وعليها ما عليها.
لذلك لا يحتوي مقالي على هجوم عنيف أو مديح متزلف، وكان أولى بي المجاملة بحكم وظيفتي، ولكني تفاجأت حقا بالشاعر محمود خير الله يطرح موضوعه بمنطق شخصي كمادة للنيل منه، فإذا كان يجد احتجاجه الذي قرأته واستشهدت به مادة للنيل منه فلأي غرض نشره على صفحته؟ بعد أن أصبح من الطبيعي الأخذ بتصريحات مواقع التواصل الاجتماعي شأنها شأن المصادر الأخرى، وما العيب في نقل احتجاجه إذا لم أعقبه بغمز أو لمز، بل بالرد الذي أورده الشاعر علي منصور وقرأه بنفسه.
أما تحويل المسألة برمتها إلى حرب مقصودة على شخص بعينه فأنا أخجل أن أسميه نوعا من الشطط، وبصرف النظر عن كلماته بشأن "ملكاتي التعبيرية المحدودة واعوجاجي الأسلوبي" والتي لا علاقة لها بموضوعه المطروح ولكنها للأسف عادة مستشرية في الوسط الثقافي؛ أجد مبالغة في طرح استبعاد ديوانه كحرب على قصيدة النثر لها مدبرين وأذرع ينفذونها، فأنا نفسي من مُريدي قصيدة النثر وليس من الصعب التأكد أنه لم يسبق أن استخدمني أحد.
وهذا كل ما ورد في مقالي عن موضوع الديوان: كتب الشاعر محمود خير الله –مدير تحرير مجلة الثقافة الجديدة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة- علي صفحته الشخصية معترضا: "حينما يتقدم محمود خير الله بديوانه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2019 إلى مسابقة معرض القاهرة الدولي للكتاب -المعروفة بانحيازها إلى قصيدة النثر- تتحول اللجنة المشكَّلة من الشاعرين على منصور وعبد المنعم رمضان والناقد مجدي توفيق بقدرة قادر إلى النقيض تماماً وتمنح الجائزة لشاعر قصيدة عمودية". فرد عليه الشاعر علي منصور –عبر صفحته أيضاً-  موضحا عدم مطابقة ديوانه لشروط الجائزة: "تمَّ استبعاد (الأيام حين تعبر خائفة) مِن التصويت لعدم مطابقته شروط الجائزة، فرقم الإيداع المثبت في الكتاب يرجع إلى عام 2018، ورفعت اللجنة الأمر للدكتور هيثم الحاج علي (رئيس الهيئة) الذي وافق على الاستبعاد دفعاً للطعن في مصداقية اللجنة أو شبهة الإنحياز لمطبوعات الهيئة مع مخالفة الشروط".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.