}

العنف ضد النساء.. الشرف حماية الحياة

مها حسن 19 سبتمبر 2019
آراء العنف ضد النساء.. الشرف حماية الحياة
جريمة مقتل الشابة إسراء غريب هزّت مواقع التواصل (Getty)
العنف ضد النساء في الغرب

أستطيع الآن النوم والنافذة مفتوحة، الهاتف تحت مخدتي. هكذا قالت السيدة التي لم تذكر اسمها في شهادتها عبر نشرة الأخبار الفرنسية، وهي تتحدث عن الخوف الذي يطاردها، فتحكم إغلاق الباب والنوافذ، ولا تخرج من البيت. والسبب هو زوجها السابق، الذي يضربها، حتى درجة الوصول إلى المشفى والحاجة لعملية جراحية. تقول: لولا هذا الهاتف، لتمكّن من قتلي.
الهاتف الممنوح لضحايا العنف الزوجي يُدعى هاتف الحماية من الخطر، وهو مزوّد بزر خاص، بالضغط عليه، في حال الخطر، يمكن تحديد مكان الضحية وتدخل الشرطة على الفور. وهو هاتف يُمنح بناء على أمر من النائب العام، حين يقدّر الخطر الواقع على المرأة من قبل زوجها أو شريكها.
تقول الإحصائيات بأنه في فرنسا وحدها، تموت امرأة كل ثلاثة أيام بسبب العنف الزوجي، وقد سجل هذا العام مائة حالة وفاة لنساء قتلن من قبل شركائهن.
أما في العام الفائت، فقد توفي 149 شخصاً على أيدي شركائهم، وكانت نسبة النساء المقتولات قرابة ثمانين في المائة من مجموع الضحايا.
في شهر أيلول/سبتمبر الحالي، قامت الحكومة الفرنسية، بضغط من مؤسسات نسوية، بحراك كبير، انضمت إليه شخصيات سياسية وفنية، لمحاولة الحد من العنف ضد النساء. وقد كتبت مارلين شيابا، وزيرة العدل والمساواة بين النساء والرجال ومكافحة التمييز، على حسابها في "تويتر": سوف يؤخذ الأمر على محمل الجد حين أكون قد متّ؛ داعية جميع النساء المعرّضات للعنف للاتصال بالرقم الذي خصصته الحكومة لتلقي الشكاوى.
وبما يشبه خلية عمل مكثفة، تمّ اتخاذ إجراءات جديدة للحد من هذا العنف، حيث خُصصت المزيد من أماكن إيواء النساء المعنّفات، واعتماد إجراء الإسورة الإلكترونية للزوج المعنِّف لتتبع حراكه، لضمان عدم الاقتراب من زوجته أو من أبنائه.
أما في إسبانيا، حيث تنخفض نسبة جرائم قتل النساء من قبل أزواجهن، فقد خصصت الحكومة مبنى سرياً في إشبيلية، يضم محكمة تتعامل فقط مع ضحايا العنف المنزلي.

قد يخطر في بال أحد أن يتساءل: لماذا تركز فرنسا على اتخاذ إجراءات صارمة من أجل وقف العنف الزوجي، وليس لمساندة جميع النساء اللاتي يتعرضن للعنف من عائلاتهن، كما في البلاد العربية؟ والجواب يعرفه القاصي والداني، وهو الإجراءات القديمة المطبّقة في الغرب ضد العنف العائلي، حيث تحترم القوانين حرية الإنسان، من ذكور ونساء، وتمنع عنه العنف العائلي أو المدرسي. حتى أن البرلمان الفرنسي أقرّ مؤخراً قانوناً يمنع "ضرب الأطفال على المؤخرة"، حيث كان قانون نابليون يجيز للأهل تأديب أولادهم عن طريق العقاب البدني.
رغم هذا، تعتبر فرنسا، قياساً بدول الجوار، متأخرة في قضية حماية الأبناء، حيث سبقتها السويد التي كانت أول دولة تحظر ضرب الأطفال.



جرائم الشرف في العالم العربي بين الواقع والأدب
إذا كانت النساء في الغرب تفقدن حياتهن بسبب العنف، فكيف يتصور أحدنا حال النساء العربيات، حيث الصمت وتجاهل العنف الموجه ضدهن، بسبب العادات من جهة، وتأخر القوانين عن حماية النساء من جهة ثانية، إذ لا تزال قوانين القتل باسم الشرف سائدة رسمياً في المواد القانونية من جهة، وفي أعراف المجتمع من جهة أخرى.
تقدر الإحصائيات عدد ضحايا العنف من النساء بعشرين ألف امرأة سنوياً في العالم العربي وجنوب آسيا.
ورغم قيام الثورات الأخيرة- ثورات الربيع العربي- للتخلص من التسلط والاستبداد، ورغم مشاركة المرأة في هذا الحراك، فإن النساء لا يزلن أسيرات هذا العنف الواقع عليهن من قبل النظام الاجتماعي ذاته، وفكرة تعداد حالات النساء اللاتي قُتلن بذريعة الشرف تكاد يكون حالة صعبة التحقيق، نظراً لتفاقم هذه الحالات. ففي سورية وحدها قدرت الجمعيات الحقوقية عدد الجرائم الواقعة سنة 2016 بمعدل 200 إلى 300 جريمة قتل بدافع الشرف، حيث لا يزال القانون السوري يخفف العقوبة عن القتل لأسباب الشرف.
في المجتمع الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الاسرائيلي، هزّت جريمة مقتل الشابة إسراء غريب مؤخراً مواقع التواصل، وأثارت حراكاً مهماً، وتظاهرات في فلسطين، ليأتي السؤال المتكرر ذاته: إلى متى تدفع النساء حياتهن بسبب العادات المجحفة، وبسبب تخلّف القوانين عن معاقبة الجناة؟
أما في الأدب، فقد تصدّت الكتابة العربية لموضوع قتل النساء، وبالأخص بدافع الشرف، وكثرت الروايات العربية، منها على سبيل المثال: دعاء الكروان لطه حسين، شرف لصنع الله إبراهيم، شرفة العار لإبراهيم نصر الله.

وفي روايتي "بنات البراري" تطرقت لموقف أحد الرجال، وهو رجل قانون ومعتقل سياسي سابق، وعضو مؤثر في حزب معارض، يقول بأنه هو أيضاً، في حال ارتكبت ابنته فعلاً خادشاً، سيضطر لقتلها، وإلا لن يستطيع الخروج في الشارع ومواجهة الناس. وفي مناقشات مع رجال أصادفهم في تنقلاتي، يبرر أغلبهم اضطراره للقتل، ويتفقون على ما يمكن تلخيصه: لا يرغب أحد بقتل أخته أو ابنته، ولن يكون سعيداً حين يفعل، لكن المجتمع سينبذه إن لم يفعل!



المرأة في الوعي الجمعي
أذكر، كغيري الكثيرين، أننا حين كنّا طلبة في الصفوف الابتدائية على الأخص، درجنا على أن

ندوّن الأقوال المأثورة والعبارات المنتقاة على السبورة، تحت عنوان: حكمة اليوم، ليتصدّر السبورة الحديث الشريف: الجنة تحت أقدام الأمهات، أو قول نابليون: الأم التي تهز العالم بيمينها تهز العالم بيسارها، أو بيت الشعر: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق، أو المرأة نصف المجتمع... كل هذه العبارات وغيرها، التي زُرعت فينا باكراً، راحت تؤسس وعينا الطفولي الجمعي، لتكريم صورة الأم، وتقدير أهمية المرأة، كأن مناسبات صدور تلك الأقوال جاءت كرد على عدم تقدير أهمية المرأة، حيث راج مثلاً تقليد وأد النساء قبل الإسلام، واستمر مسلسل اضطهادهن في الثقافات الشعبية، لتقوم شخصيات محددة بالرد على هذا الحط من مكانة المرأة، في كتابات ونضالات مطولة.
وإذا كان وعينا الجمعي مدركاً لدور المرأة ـ الأم، لماذا إذاً يتم التساهل قانونياً في قتل النساء في بلادنا، تحت ذريعة الشرف؟ ولماذا يكبر العنف يومياً ضد النساء، وكأن العالم العربي على الأخص، يتناسى كل مشاكله وبؤسه وتخلّفه، ويركّز طاقاته وجهوده، ضد هذه الكائنات الهشّة: النساء، لتصبح المرأة خصماً تلقائياً يتفق الجميع على " وأده" بمجرد الشك، ويستسهل الكل القضاء عليه؟
مما لا شك فيه أن الرجال هم ضحايا لهذه العادات. والرجل الذي يخالف طبيعته البشرية، ويخالف عواطفه- الأب أو الأخ مثلاً- ليقوم بفعل القتل إرضاءً لمتطلبات المجتمع، ليحافظ على صورته وكرامته، هو ضحية هذا المجتمع.
نحتاج إلى قوانين صارمة تحمي حيوات النساء، ونحتاج إلى تنوير دائم لنسف مفهوم الشرف القائم على الإبادة، وتكريس مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال، وسحب السلطة من أيدي الأقارب الذكور لتطبيق قوانين بناء على مفاهيم قديمة، وليكون القانون هو المرجعية للجميع.
في حياة كل منّا قصص عن القتل، سمع عنها من قريب أو بعيد، كانت الضحية فيها بريئة، وذنبها الوحيد أنها امرأة يسهل القضاء عليها، في اتفاق جمعي من قبل التربية الذكورية التي تعامل المرأة ككائن ناقص يحتاج للتصحيح والتعديل، حتى بالقتل؛ القتل القائم على تشويه معنى الشرف، حيث أن الصورة الأصلية للشرف ليست قتل المرأة، هذا الكائن الهشّ، المُنتج للحياة، بل يجب أن يكون الشرف هو حماية الحياة، وحفظ الكرامة البشرية، والوقوف مع النساء ضد عشرات السنوات من القتل الجائر والحرمان من الحياة.

(فرنسا)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.