}

عن خلفيات "واجب الحقيقة"

بوعلام رمضاني 15 سبتمبر 2019
آراء عن خلفيات "واجب الحقيقة"
طارق رمضان يعد مفكرا كبيرا وليس كـ"حفيد البنا فقط"

إذا كان القضاء الفرنسي قد مكّن المفكر الإسلامي الشهير المثير للجدل طارق رمضان من نشر كتابه الجديد "واجب الحقيقة" الذي صدر يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الحالي عن دار بريس دو شاتليه، فإن عودته إلى المشهد الفكري والإعلامي لا تعني نجاة نهائية من المتابعة والمطاردة، كما تم مع الروائي يان مواكس، الذي حظي "بمغفرة" برنار هنري ليفي، الرجل الذي لا ينطق عن الهوى ولا تُرد كلمته كما مر معنا في مقال سابق، إثر توقف صديقه مواكس عن الترويج لروايته الجديدة وقبوله الاختفاء عن الأنظار ريثما يعيده الإعلام المهيمن الذي فرض عليه الانسحاب إلى الواجهة في الوقت المناسب.



عودة مدروسة
الخلفيات المختلفة التي سمحت لطارق رمضان بالعودة  إلى الواجهة الإعلامية رغم أنف

الاعداء الكثر من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين الفرنسيين والعرب المسلمين وغير المسلمين، لا تتوقف في تقديرنا عند حقيقة  قضاء مستقل  فوّت الفرصة على "كريستين"، إحدى ضحاياه  المفترضات إلى جانب أخريات رحن ضحيته جنسيا كما  ادعين، وتتجاوزها إلى فرضية تفيد بأن العودة لم تتم من دون صفقة وجدت كل أطرافها مصلحة مشتركة يحاول من خلالها كل طرف استغلال المدى الأول القريب الذي لا ينتظر، والثاني المتوسط الذي يؤكد فشل أو نجاح أعداء حفيد حسن البنا في تغيير مواقفه أو التخفيف منها على الأقل سيما وأن اسمه محسوب على تيار إسلامي ما زال يؤثر فرنسيا وإسلاميا رغم كل محاولات الوأد والمحاصرة والتدجين والمغازلة في هذا البلد العربي أو ذاك، وفي ظل تأثير فرنسا في عالم عربي وإسلامي تحارب فيه أسر دكتاتورية ودموية تابعة لغرب مسيطر إخواناً مسلمين يعدون صناعة أميركية في نظر التقدميين والعلمانيين. وبدأت العودة المدروسة تحت وطأة القانون المالي غير المكتوب الذي يختفي بعض أصحابه بذكاء تحت رداء حرية التعبير، والمال الذي يلغي التوجه السياسي المرفوع في المزاد الإيديولوجي العلني ويضغط بقوته البراغماتية لتحقيق أهداف تجارية تسير العالمين الغربي والشرقي في سياق حرب باردة جديدة تفضح عدم صحة خطابهما وتؤكد في كل مرة نيات غير صادقة وخلفيات مصلحة لا تمت بصلة لحقوق الإنسان وللأخلاق. ورغم غلق معظم وسائل الإعلام الباب في وجه طارق رمضان، قبل النجم بوردان استقباله في برنامجه الحواري الصباحي الذي يحطم أرقاما قياسية في المشاهدة ويجعل من قناة "بي إف إم تي في" الخاصة القناة الأكثر متابعة في فرنسا، واستضافة النجم بوردان لرمضان لم تمثل انحيازا أيديولوجيا لحفيد البنا كما يذكر لتخويف الفرنسيين. لم تكن استضافة رمضان تزكية للرجل المتهم كإنسان في قضايا اغتصاب لم تتركه في السجن ولم يخرج منها بسهولة قبل انطلاق حرب إعلامية وفكرية جديدة ضد المفكر الإسلامي الوحيد الذي يسكت جميع الأعداء بلغته الفرنسية الراقية والأقوى من لغة الفرنسيين وبثقافته الفكرية والسياسية الخارقة وبتعاطف فرنسيين ومسلمين يخشون الإجهار بذلك في بلد فولتير صاحب مقولة: "لا اتفق مع رأيك لكن أموت من أجل أن تعبر عنه بحرية". وإذا كان من السابق لأوانه التأكد من الطريقة التي سينتهجها المفكر رمضان لاستعادة ثقة معجبين وقراء كثر لا نعرف نسبتهم ولا هوياتهم الفكرية في غياب سبر آراء جادة كما تم في حالات تثبت ذاتية أصحابها، فإن صدور كتابه "واجب الحقيقة" وانتصاره القضائي على إحدى ضحاياه من النساء اللاتي تعرضن لاغتصابه المفترض بعد فشل محاميها في منع صدوره، لا يعتبر خروجا نهائيا للمفكر الشهير والقوي من كهف المطاردة الإعلامية الإيديولوجية، ولا أدل على ذلك من استعداد نساء أخريات لمتابعته قضائيا في سويسرا. رمضان الذي يعرف كيف يفكر وكيف يلبس بأناقة كما لاحظ عليه أحد كبار الصحافيين، وكيف يكشف عن تناقضات مفكري حقوق الإنسان والحرية والعلمانية التسلطية على حد تعبير المفكرين الكبيرين المعجبين به ريجيس دوبريه وإدغار موران، لم يخرج من السجن سالما من دون آثار معنوية، وغيابه في مؤتمر تجمع مسلمي أوروبا الذي يعقد سنويا في ضاحية لوبورجيه تحت إشراف اتحاد المنظمات الإسلامية (لو يو إف) يعد ضربة قاسية ما دام كان يمثل الفرصة المثلى لتمرير تأثيره الكبير في أوساط الجالية المسلمة، وموقف مسؤولي التظاهرة المذكورة منه تؤكد أنها لعبت دورا لن تتوقف لتعميقه حفاظا على مصالح سياسية تضمن استمرارها رغم كل فتاوى برنار هنري ليفي ضد كل ما هو إسلامي حتى وإن كان وجوده يتم تحت رقابة الدولة الفرنسية وتوجيهها وشروطها .



كتاب قوي آخر
كما حدث في السابق، أحدث صدور  كتاب طارق رمضان الذي سنعود إليه ضجة إعلامية

أحرجت وأقلقت وأزعجت أعداءه من المسؤولين المسلمين الذين حظوا باهتمام الإعلام الفرنسي، وشرفت معجبيه الكثر الذين يحظون بنفس الاهتمام، والطريقة التي وجه بها الإعلام الفرنسي للحديث عن كتاب حفيد البنا، كما يكرر في كل وقت بأسلوب غوبلز، أكدت أننا لم نعد أمام إعلام يناقش رجلا أوروبيا ومسلما عربيا فرض نفسه فكريا في عقر دار مثقفين يجهلون الإسلام بقدر كبير والعالم العربي والإسلامي بوجه عام، بل أمام إعلام يفضل الإمام شلغومي الذي لا يتجرأ على مهاجمة إسرائيل كاستعمار وليس كدولة لم يتنكر لها حفيد البنا، ولا يقلق أحداً بمستواه الفكري المحدود وبلغته الفرنسية الركيكة.
كتاب المفكر رمضان كتب بلغة راقية وبدقة محسوبة ولا يعد كتابا فكريا ثاقبا كما كان منتظرا، وفيه كشف حفيد البنا عن أدلة دامغة تثبت التفسير السياسي الخاص والإيديولوجي العام لمطاردته المنسوجة على أعلى المستويات الخفية. وإن تجربته كسجين مكنته من إنجاز كتاب مؤثر إنسانياً قبل كل شيء، وعودته إلى خلفيات مطاردته بسبب مواقفه لم تكن شيئا جديدا لكنها كانت عودة لتأكيد رسالته الروحية والإنسانية العالمية التي يعمل على تمريرها منذ عدة أعوام، وهي الإنسانية التي آمن بها إدغار موران شقيقه في الإنسانية على حد تعبيره، والتي تركت موران المعتم عليه إعلامياً يقبل تأليف كتاب فكري هام في شكل حوار معمق مع طارق رمضان كمفكر كبير وليس كـ"حفيد البنا فقط"!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.