مهما يكن الأمر فقد اشتُهر بيتان من الشعر لأحمد شوقي استُخدما في الدعاية لصنف من صنوف الحلويات هي البقلاوة. فحين زار أحمد شوقي مرة محلات البحصلي في بيروت، وذاق حلوياتها، راقه الطعم وأنشد:
قالوا إذا جبتَ البلادَ محدّثاً
عن حلو بيروتَ لأفخرِ معملِ
إثنان حدّت بالحلاوة عنهما
ثغرُ الحبيب وطعمُ حلوِ البحصلي
استاء جميع أصحاب محلات الحلويات المنافسة في بيروت. غير أن البيتين اللذين نظمهما أحمد شوقي ما برحا في التداول الإعلاني حتى اليوم.
ويروى أن تاجر إطارات لبنانياً طلب من الزجّال اللبناني طانيوس الحملاوي أن ينظم له "قرادية" (نمط زجلي بسيط الوزن) لجعلها إعلاناً لدواليبه المطاطية، فقام الزجّال بالمهمة. لكن التاجر، حينما طولب بالمكافآة، راح يتهرب ويماطل. فما كان من طانيوس الحملاوي إلا أن نظم "قرادية هجائية"، وراح يذيعها على الناس، فأذعن التاجر وسدد ما عليه. أما "القرادية" فهي:
لما تعرّفنا قلنا يا فرحتنا بهيك زبون
ولمن للدفع وصلنا شلنا الواو وشلنا النون
أما أشهر الدعايات في تاريخ الشعر العربي التي رفعت السعر الأصلي فهي المسطورة في قصة الدارمي. فقد جاء تاجر من أهل الكوفة إلى المدينة ومعه خُمُرٌ، فباعها كلها ما عدا الخُمرُ
السود. فحار في أمرها. وهدته حيلته إلى اللجوء إلى الشاعر الناسك مسكين الدارمي الذي ما إن علم بكساد بضاعة التاجر حتى وعده خيراً، ونظم أبياتاً في مدح الخُمرُ السود. وما برحت تلك الأبيات تغنى حتى اليوم، وكان أبرز من غناها المطرب السوري الكبير صباح فخري. وتقول بعض أبياتها:
قلْ للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبدِ
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى خطرتِ له بباب المسجدِ
فسلبتِ منه دينه ويقينه
وتركتِه في حيرةٍ لا يهتدي
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمدِ
ما إن سرت تلك الأغنية وأبياتها في نواحي المدينة، لم تبقَ مليحة إلا ابتاعت خماراً أسود. فحتى في الشعر والغناء كان للدعاية، منذ القدم، غاية واحدة هي الحث على الشراء والتبذير وتكثير المال بين أيدي رجال المال.