}

علاقة الفن بالشعر والأدب: تجارب ورؤى مشتركة

تغريد عبد العال 2 أغسطس 2019
آراء علاقة الفن بالشعر والأدب: تجارب ورؤى مشتركة
خوان ميرو في مرسمه (3/3/1979/ Getty)
كانت التجربة الفنية دائماً مرتبطة بالتجربة الشعرية، وخارجة من الرؤية ذاتها، فالتجربة الشعرية هي في الأخير تجربة فنية بحتة. وكانت علاقة الفنانين بالشعراء وبالشعر علاقة فكرية أثرت على تجاربهم الفنية والشعرية والحياتية على حدّ سواء.
عندما التقى الشاعر النمساوي ريلكه مع رودان النحات الفرنسي في باريس عام 1902، كان الشاعر يحاول أن يلتقي بالفنان كي يتعرف إلى فنّه ويكتب عنه دراسة فنية. وكان تأثير رودان على ريلكه قوياً فقد علمه معنى أن يكون فناناً واقترب منه كثيراً ليدرك ذلك المعنى، وراقبه وهو يعمل في مشغله الخاصة، وكان رودان وظّفه كسكرتير في مكتبه.
كان ريلكه أخبر رودان أنه لم يأت فقط لكي يكتب عنه، بل لكي يعرف منه كيف يعيش كفنّان وشاعر. وكان ريلكه يراقب عن قرب كيف يتعامل الفنان مع منحوتاته ومع حياته.
وجاءت رسائل ريلكه إلى شاعر شاب متأثرة بعلاقته مع رودان، حيث قال له في إحدى الرسائل: إنّ العملَ الفني جيد إذا كان ينبع من الضّرورة.
ولا ننسى علاقة ريلكه بالفنان سيزان، الذي تأثر به كثيرا وكتب مجموعة رسائل لزوجته
كلارا، وفي إحدى هذه الرسائل قال: كل فن هو نتيجة الخطر الذي مر به المرء، وهو نتيجة التجارب التي مر بها المرء حتى النهاية، حيث لا يستطيع أي شخص أن يصل، وكلما ذهب المرء أبعد، ستصبح تجربته أكثر خصوصية وأكثر شخصية وأكثر فردية.
وكان معظم فناني القرن العشرين شعراء أيضاً، فقد كتبَ الفنان السويسري بول كلي الشعر، وقال عن نفسه إنه شاعر قبل أن يكون فناناً، وقد توقع بأن يختم تجربته في التعبير بالكلمات، وهو أصعب تعبير بالنسبة له.
ولم يكن الفن منفصلاً عن الأدب في تجربة الفنان والشاعر الكاتالاني خوان ميرو الذي جمع بين الخيال والتجريد، فقد قال عن تجربته الفنية: أحاول تطبيق الألوان على اللوحات مثل الألوان التي تشكل القصائد والعلامات التي تصنع الموسيقى. وكان الكاتب الأميركي إرنست همنغواي على علاقة مدهشة بميرو، وقد اقتنى لوحة ميرو (المزرعة) في عام 1926.
وفي الوقت الذي اقتنى فيه اللوحة، كان همنغواي يكتب رائعته "وداعا أيها السلاح"، وقال
مؤرخون كثيرون إنه كان متأثرا كثيرا بعمل ميرو. وشرح همنغواي هذا التأثير قائلا: ميرو هو الفنان الوحيد الذي يستطيع أن يجمع في لوحة واحدة كل ما يشعر به المرء حول إسبانيا عندما يكون هناك أو ما يشعر به في حالة البعد عنها ولا يستطيع الذهاب إليها.
وتأثر ميرو بالحركة الدادائية، في رؤيتها للفن وتجاربها على اللغة أيضاً، وكما فعل الشعراء الدادائيون في تدمير اللغة وإعادة بنائها من جديد استلهم ميرو من الشعر في استخدام الأشكال والألوان، وكما كتب بعض الكلمات والأحرف داخل لوحاته، كذلك رسم رسومات لقصائد بول إيلوار وخوان بروسا.
ولا ننسى في معرض الحديث عن علاقة الفنانين بالشعر، الشاعر الأميركي فرانك أوهارا وقصيدته: لماذا لست رساما؟ وفيها يقول:

أنا شاعر
رغبتُ في أن أكون رساماً،
لكني لست كذلك،

حسناً..
كنت مثلاً أزور مايك جولدبرج وهو على وشك أن يبدأ الرسم،
يقول: "اجلس، واشرب شيئاً"
أشرب، نشرب، أنظر إلى أعلى وأقول "هناك سردين في اللوحة"
"نعم، تحتاج شيئاً هناك"

"أووه" أذهب، وتمر الأيام، وأزوره مرة أخرى،
توشك اللوحة أن تكتمل،

أذهب، تمر الأيام، وأزوره مرة أخرى،
اكتملت اللوحة،
"أين السردين؟" اختفى كله، ولم يتبق إلا بعض الحروف،

يقول مايك "كان أكثر مما ينبغي"
لكن ماذا عني؟

ذات يوم فكرت في اللون البرتقالي، وكتبت سطراً عن البرتقالي، تحوّل بسرعة كبيرة إلى
صفحات من الكلمات، لا الخطوط، ثم كتبت صفحة أخرى،
يجب أن يكون هناك أكثر، ليس من البرتقالي، بل من الكلمات،
عن كم أن البرتقالي مريع والحياة كذلك، وتمر الأيام.

حتى في قصيدة نثر، أنا شاعر حقيقي،
انتهت قصيدتي ولم أذكر البرتقالي بعد،
إنها القصيدة الثانية عشرة التي أعنونها هكذا: البرتقال.

 يوماً ما سأرى لوحة مايك، لوحة السردين.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.