}

عن الوزيرات الضاحكات في حفل لوبيز بمصر

هشام أصلان 12 أغسطس 2019
آراء عن الوزيرات الضاحكات في حفل لوبيز بمصر
الوزيرات المصريات في حفل جنيفر لوبيز في مدينة العلمين(فيسبوك)
"إذا لم تستح، فافعل ما تشاء"، هي العبارة الأكثر تهذيباً من بين ما يليق بالتعليق على الصورة التي انتشرت، هذا الأسبوع، في المواقع الإخبارية وعلى السوشال ميديا التي شهدت تعليقات يعلو سقف غضبها كثيراً عمّا تبدأ به هذه السطور، حيث عدد من وزيرات الحكومة المصرية في حفل جنيفر لوبيز بمدينة العلمين في الساحل الشمالي، وضحكة كل منهن باتساع المساحة بين الأذنين، بينما لم يمر أسبوع على تفجير المعهد القومي للأورام، بما نتج عنه من كارثة قد يُشيّد لضحاياها، من دون مبالغة، نصب تذكاري لو أنها وقعت في أماكن أخرى على سطح هذا الكوكب.
أيام معدودة على تفجير إرهابي مُفزع في قلب العاصمة، أضر ضرراً شديداً بمستشفى يعالج فيه الفقراء من السرطان بطلوع الروح. مُفزع في معطياته ونتائجه التي حصدت أرواح كثيرين وتهدد أرواح البقية ممن تعطل علاجهم. وبينما الناس لا زالت تعزي بعضها البعض وتخجل من نشر صور ضاحكة على صفحاتها الشخصية، وتتحسر على صور الناجين من الحادث قبل صور ضحاياه، أطلّت الوزيرات الثلاث بالزي الأبيض الموحد في صورة تخرج لسانها للإنسانية وليس للمصريين.
الخبر الذي نشره موقع "هن" ونقله "القاهرة 24" يقول: "حرصت كل من الدكتورة غادة
والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، والدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، والدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط، على حضور الحفل الغنائي للفنانة العالمية جنيفر لوبيز بمدينة العلمين الجديدة، حيث ظهرت وزيرات مصر بملابس صيفية بيضاء، غلبت عليها الأناقة، فضلا عن تسريحات شعر انسيابية، وظهرت سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، ببدلة بيضاء، مع بنطلون واسع مفتوح، بينما ظهرت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، ببلوزة بيضاء أيضاً من الدانتيل". وجاء الخبر مصحوباً بالصورة التي قلبت الدنيا، وغمت النفس، وعجزت الروح عن التعامل معها بسخرية، حيث غلب المرء شعوره بالغثيان.
وفضلاً عن فقد الوزيرات الثلاث لحساسية اللحظة، شهدت الأيام القليلة التي سبقت مجيء جنيفر لوبيز لتحيي حفلها الغنائي في مصر، ما كان كافياً لتنبيههن إلى ضرورة التعامل مع المسألة بقدر من الحكمة، بوصفهن شخصيات رسمية في الحكومة. مثلاً لم تلتفت الوزيرات الثلاث لوجود حملة على مواقع التواصل دعت لمقاطعة الحفل، بعدما نشرت لوبيز، التي هي للأسف من سيدات أحلام مراهقتنا وشبابنا، صوراً لنفسها في إسرائيل مصحوبة بكلام عن كونها أخيراً على أرض الوطن الأم، حيث مرّت هناك قبل مجيئها إلى مصر، وهي مسألة لا يستطيع الواحد أن يميل بقول فاصل يزايد به على أحدهم بوجوب المقاطعة، ذلك أن المسألة شديدة التعقيد، ويرجع التعامل فيها ربما لمفاهيم فردية، لكن هذا لا يجب تطبيقه على شخصيات رسمية وإن نصّت معاهدة تاريخية على السلام بين الحكومتين، خصوصاً وأن حضورهن كان ترفيهاً عن النفس في حفلة خاصة، وليس اضطرارياً في فاعلية رسمية.
لم تنتبه الوزيرات، أيضاً، لسيل التدوينات المُستفَزة من سعر تذكرة حضور الحفل، والذي، بصراحة، لا يعتبر مرتفعاً بالنسبة لطبيعة الفاعلية، أو بالنسبة للأسعار العالمية، خصوصاً مع هبوط سعر الجنيه المصري أمام الدولار، غير أنه إذا كان من حق كل مواطن أن يستمتع
طالما استطاع ذلك، لا يصح أن تتعامل وزيرات في الحكومة بأريحية المواطن المُستطيع فيما نعيش من ظروف يعتقد كثير من الناس أن عليهن شيئاً من المشاركة في مسؤولية تحسينها. ولكن الإحساس نعمة.
صورة الوزيرات الضاحكات في حفل لوبيز على شاطئ الساحل الشمالي، إن أشارت إلى شيء سيء، فهو ليس عملياً بقدر ما يعبر عن شكل تفكيرهن العفوي وآلية تفاعلهن، كعضوات في الحكومة، مع يوميات المواطن المصري، التي لم تعد ملامحها تحتاج إلى وصف. ببساطة، ليست المأساة في حضورهن حفلة كمواطنات يستمتعن على شاطئ ويتطلعن لرؤية النجمة الهوليوودية الكبيرة، لكن المأساة هي المعطيات الفكرية التي لم تحُل دون التقاط صورة كيّادة، ضاعف بواختها الشديدة كونها ليست مُسربة؛ صورة ضحكت عبرها الوزيرات في وجه المنكوبين.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.