}

ألعاب لغوية: الافتراق والاشتراك.. الاقتراض والمبالغة

صقر أبو فخر صقر أبو فخر 2 يوليه 2019
آراء ألعاب لغوية: الافتراق والاشتراك.. الاقتراض والمبالغة
(Getty)
اقترضنا، نحن عرب المشرق، أسماء بعض البلدان الأوروبية من مصادر عدة كالإيطالية والتركية، فلم تصلنا من مصدرها الأصلي مباشرة، فجاء لفظها مخالفاً الإسم الأساس، والحروف غير مطابقة لحروف اللسان الأول. وعلى سبيل المثال، مَن يعرف اليوم أن مدينة ميونيخ يلفظها أهلها مونشين، وأن مدينة آخن تدعى بالفرنسية إكس لاشابيل، واسم البندقية الأصلي هو فينيسيا vineice أو فونيس بالفرنسية؛ وشتان بين البندقية وفينيسيا في اللفظ. ثم مَن يعرف أن لاهاي عند الهولنديين هي دن هاخ؟
ولعل السبب في افتراق اللفظ العربي عن اللفظ الأصلي هو اللغة الوسيطة كاليونانية أو التركية أو الإيطالية. والغريب أن اللفظ العربي، في بعض الحالات، لا يجمعه أي جامع إلى الحروف الأصلية. فدولة السويد Sweden كانت لدينا أسوج، واليونان هي Greece، والمجر Hungary، والنمسا Austria. والبعض ترجم Austria إلى أستراليا على الطريقة المصرية التي تجعل النجف دائماً في جنوب فلسطين، والصحيح النقب Negev، وتحوِّل Jericho إلى جرش (الصحيح أريحا). فكيف تحول هذا إلى ذلك؟ لنفتش عن السبب في اللغات الوسيطة. وفي هذا السياق فإن مدينة براغ يلفظها أهلها براخا، ووارسو فارشافا. وعلى هذا المنوال فإن بروكسيل تُلفظ بروسيلز بالإنكليزية. ولا ندري، على وجه اليقين، كيف تسلل حرف الكاف إليها، ربما من طريقة لفظ حرف x (راجع: فارس يواكيم، أسماء المدن في
اللغات، جريدة الأنوار اللبنانية، 13/1/2016).
اللغة محتالة. وكثيراً ما تحتال علينا بمعاني مفرداتها، ودلالات ألفاظها. فيُقال في العربية "الهواء العليل"، أي المنعش. لكن العليل هو المريض، والعلة هي الداء، والمعتل هو صاحب العلة أو السقيم، والممرض هو الذي يسهر على صحة المريض لا على إمراضه. فكيف يستقيم المرض مع الانتعاش؟ هذا من أسرار العربية. ويُقال للضرير البصير على سبيل جبر الخاطر. ويبدو أن معاكسة الاسم للصفة لا تقتصر على الأفراد بل تشمل البلدان والأشياء. فقلما وجدنا مَن اسمه جميل جميلاً، أو من كان اسمه وسيم وسيماً، واكتشفنا أن من اسمه بهاء أو صبيح أو فاتن لا يطابق اسمه صفته إلا في حالات نادرة. وعلى هذا الغرار فإن كوستاريكا التي تعني "الشاطئ الثري" هي من أفقر بلاد العالم. وغرينلاند (الأرض الخضراء) ليست خضراء البتة بل ثلجية قاحلة لا ينبت فيها عرق أخضر، بينما آيسلاند (أرض الجليد) هي مروج خضر ممتدة، وقلما وُجد الجليد فيها. والصندوق الأسود في الطائرات لونه برتقالي (ربما كان أسود في زمن بعيد)، والبطاقة الخضراء Green Card التي تهفو إليها قلوب الملايين لونها أبيض وفضي.

الافتراق والاشتراك
لدينا في العربية المترادفات والمتباينات، وفي الإنكليزية ما يماثلها. فالمتباينات هي ما اشتركت لفظاً وافترقت معنى Homophones. أما المترادفات فهي ما اشتركت رسماً واختلفت معنى Homographes. فالكلمة الواحدة لها معانٍ متبادلة ومتعاكسة مثل "بانَ" أي ظهر (البيان)، وغاب (البين). وكلمة "لَفَظَ" تعني تلفظ بالكلام، وتعني لفظ نواة التمر، وتعني لفظ أنفاسه. والعدل هو إحقاق الحق، لكن "الذين كفروا بربهم يعدلون" أي يظلمون. والقسط هو

الإنصاف، لكنه يرد بمعنى معاكس: "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً"، ثم "واقسطوا إن الله يحب المقسطين". والجدول هو فرع من فروع النهر، وهو في الإحصاء غير ذلك Table. والقناة هي الرمح لدى العرب، وهي الترعة أي مجرى الماء canal (قناة السويس) وهي القناة التلفزيونية Channel في الوقت نفسه.
مثلما هناك في اللغة التضاد هناك التطابق. والتطابق اللفظي بين اللغات المختلفة هو الاقتراض اللغوي بعينه. فجزيرة رودس مثلاً تعني باليونانية جزيرة الورود. ولو رفعنا حرف السين منها، وهو لاحقة يونانية، لصارت "رود" وهي نفسها كلمة ورد بالعربية مع تبديل مواضع الحروف. وجزيرة قبرص Cyprus تعني باليونانية جزيرة النحاس. والنحاس بالعربية هو الصُفَر القريب لفظاً ومعنى من Cyprus. والوَيْن بالعربية هو النبيذ (wine بالإنكليزية). والغَوْل هو الكحول Alcohol. ورتبة الأدميرال أصلها أمير البحر.

الاقتراض والمبالغة
اقترضت العربية آلاف الكلمات من الفارسية والحبشية واليونانية والإيطالية خصوصاً في المعاملات والموازين والمكاييل والمقاييس مثل صراط اللاتينية strata، ومنها street، والبلف أي المخادعة، فهي Bluff الإنكليزية، والورشة work shop، والمناورة Manoeuvre بالفرنسية. وفي الأفلام المصرية، وفي الدراما السورية أيضاً، تتردد كلمة "استبينا" أي اتفقنا. وأصلها stabene الإيطالية التي تُقال عند عقد أي صفقة أو اتفاق على الثمن. وفي مصر يردد العامة كلمة "على الحُرُكرُك" أي فوراً. وأهل الشام يقولون "على

الحارِك". والراجح أن عبارة "على الحركرك" دخلت إلى العامية المصرية مع الحملة الفرنسية في عام 1798، وأصلها Ric a Rac، أي أن فلاناً يدفع ما عليه في الموعد المحدد. أما "الحارِك" فهو ما بين الرأس والظهر في الخيل حيث يستوي الفارس إذا ركب. والحارِك تحوّل إلى حُرُكرُك على غرار فاطمة التي يدللها الناس بقولهم "فَطَمْطَمْ" أو "بَدَعْدَعْ" لبديعة. لكن، لا وشيجة بين معنى الحارِك بالعربية وعبارة "يدفع في الموعد المحدد" أو "على الفور". ووجدنا في الإنكليزية ما لا يمكن إحصاؤه من الألفاظ العربية على غرار CAT (قط) وCall (قال) وCanon (قانون) وEarth (أرض) وCoal (كحل) وCave (كهف) وCut (قطع) وTell (تلا) وJustice (قسطاس) وNeck (عنق) وGirl (جارية) وTwin (توأمان) وNobel (نبيل) وSound (صوت) وSiege (سياج) وInferno (فرن). وهذه المطابقات جعلت بعض الكتبة العرب يُغرقون في الاستنتاج إلى حد الهذيان، فقالوا إن اسم أوباما يعني "أبو عمامة"، وإن إسم الرئيس سيكوتوري يعني "شيخ طريقة"، ومرسيليا هي "مرسى الله"، وشكسبير هو الشيخ إسبر أو الشيخ زبير، وحتى شارل ديغول جعلوه "شارل ذو قول" على اعتبار أن Gallo هو الديك الذي يصيح، أي يقول. وللناس في لغاتها شؤون وشجون وفنون.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.