}

سوق الأدب العربيّ بالغرب: أهلاً في "جنّة البرفورمانس" (1)

عماد فؤاد 9 يونيو 2019
آراء سوق الأدب العربيّ بالغرب: أهلاً في "جنّة البرفورمانس" (1)
من عروض "ميليشيا الثقافة"
يُعرّف كثير من الدّارسين "فنّ الأداء" أو performance art بأنّه "الوجود التّزامني بين فنّاني الأداء والجمهور". أو بحسب تعريف التشكيلي المصري محسن عطية فإنّ "جوهر الأداء الحي هو الاتصال المباشر ودون وسيط بين المؤدّين والجمهور، الأمر الذي يتطلّب التواجد الجسدي المشترك. ووفقاً لهذا الرأي، يتم تنفيذ العروض دائماً من قبل شخص/شخوص ما أمام جمهور معيّن، يعترف بمشروعيته ضمن الأداء، وغالباً ما يمنح الجمهور بحضوره المعنى لهذا الأداء".
وتُعرّف ويكيبيديا "شِعر الأداء" Performance poetry بأنّه الشِّعر الذي كُتب خصيصاً من أجل أدائه أمام جمهور بدلاً من توزيعه مطبوعاً. وقد ظهر مصطلح "شِعر الأداء" في وقت مبكّر من ثمانينيات القرن الماضي، حين وصفت الصحف الأميركية في عام 1982 عرضاً قدمته الشاعرة الأميركية ذات الأصول البولندية هدويج غورسكي Hedwig Gorski (مواليد 1949) مصحوباً بالموسيقى أمام الجمهور بأنه Performance poetry، ليجد المصطلح صدى واسعاً فيما بعد بين أجيال الشعراء والموسيقيين والتشكيليين والمسرحيين في أوروبا وأميركا واليابان، لكن المصطلح - لسبب ما - لم يجد صدى في عالمنا العربي.
اليوم، وبعد ما يزيد عن 35 عاماً على وجود هذا الفن في الغرب، وتجاهل الشّعراء العرب له طوال ثلاثة عقود، وصل فنّ "الأداء الشِّعري" إلى عالمنا العربي مؤخراً على أيدي مجموعة من شعراء العراق الشباب، الذين يقدّمون أنفسهم تحت اسم "ميليشيا الثقافة"، ويشاركون عروضهم الأدائية في عديد من المهرجانات في فرنسا، هذا البلد الأوروبي الذي تنتشر فيه ظاهرة شعر الأداء منذ ثلاثين عاماً أو يزيد. ويبدو أن شعراءنا العراقيين الجدد وجدوا ضالتهم في شعراء فرنسيين شباب، ممن يقدّمون هذه العروض بنجاح في المهرجانات الفرنسية، مثل جوليان دبريجون وسيدريك ليريبل وسيرجي بيه وجان ريميه، فوطّدوا علاقاتهم بهم، وبدأوا في
تصوير قصائدهم بالفيديو عبر طرق بدائية وغير احترافية في حقول الألغام وفوق السيارات المتفحّمة، ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الإنجاز الأحدث لشعراء العراق الجدد، لتتلقّفها مدونات الشعراء الفرنسيين وينشرونها باعتبارها امتداداً لمشروعهم في فن "الأداء الشِّعري".

عالم الحرب
والملاحظ أن جميع قصائد هؤلاء الشعراء لا تخرج عن عالم الحرب بكلّ ما تحويه من مفردات واشتقاقات لُغوية، فكلّهم بلا استثناء يكتبون عن الجثث المتفحّمة والأعضاء المبتورة والرّؤوس المهشّمة والرّصاصات التي تخترق الصّدور، الدّماء والأشلاء والأطراف المحترقة والعمليات التفجيرية والقتل على الهوية والنزاعات العرقية بين سنّة وشيعة وغيرهما. وسيجد القارئ صعوبة فعلية في تمييز نصوص هؤلاء الشعراء وتفريقها عن بعضها البعض، حتى ليتساءل عن سر هذا المعجم المشترك الذي يهيلون منه ويكتبونه جميعاً بذات الطريقة، وهو ما يتجلّى في عناوين أعمالهم الصّادرة حتى الآن: "رؤوس بلا جثث.. جثث بلا رؤوس" لمحمد كريم (2019)، "جثّة في بيت داكن" لمازن المعموري (2017)، "نزهة بحزام ناسف" (2016) و"نتقاتل للتّسلية" (2019) لكاظم خنجر، "سأتذكّرُ أنّني كلب وأعضّك أيّها العالم" لعلي ذرب (2016).
استقبلت السّاحة الثّقافية العربية شعراء "ميليشيا الثقافة" منذ العام 2015 بالكثير من الاحتفاء والتّرحيب والتّشجيع، على الرغم من تزامن ظهورهم مع الكثير من الحروب والتّلاسن ووصلات الرّدح التي سجلتها الصحف بين أعضائها (وأحيل القارئ هنا إلى مقالة بعنوان "أكلان النّعل في الشّعر العراقي: علي ذرب أنموذجاً" للعراقي مبين الخشاني، موقع الإمبراطور 10 أكتوبر 2017). وسرعان ما نشبت الخلافات بين شعراء "ميليشيا الثقافة" العراقية، وتفرّعوا إلى ثلاث مجموعات، كلّ منها تتمسّك بتسمية نفسها بذات الاسم، "ميليشيا الثقافة"، وكأنّ العراق ينقصه المزيد من الميليشيات!
ولكن ها هي هذه الأصوات تُختصر اليوم إلى أصوات معدودة، أصبح لها الحضور القوي في مهرجانات فرنسا الشِّعرية، ومن هؤلاء محمد كريم وعلي ذرب ومازن المعموري وكاظم خنجر. وهناك آخرون تم إبعادهم عن الميليشيا رغم قولهم إنّهم المؤسسون الحقيقيّون للتجربة، وعلى رأسهم الشّاعران أحمد ضياء وعلي تاج الدين. وهذا الأخير قال في حوار نشرته صحيفة "الرأي اليوم" العراقية في مارس 2016: "تعدّ ميليشيا الثقافة واحدة من أهمّ الحركات الشّعريّة في الوطن العربي إن لم تكن أهمّها على الإطلاق، وأنا أحد مؤسّسيها، أقمتُها على

كتفيّ، رغم كلّ الآلام والمصاعب في العراق وفقدان الأحبّة والأقارب ودراستي للماجستير، فقد جعلتُها الهمّ الأوّل في حياتي". وفي الحوار ذاته يستطرد تاج الدين فيقول: "ليس كلّ ما في الإعلام صحيحاً وصادقاً، الميليشيا ما زالت واحدة، ولا قائد لها منذ بدء تكوينها وإلى الآن، كلّ ما في الأمر أن كاظم خنجر قد تجاوز لأكثر من مرّة على أعضاء الميليشيا بالسبّ والضّرب فطردناه – حسب قوانيننا الدّاخلية – لئلّا تتعرّض سمعة الميليشيا للقذف، ولأنّنا ميليشيا ثقافة لا عنف، ولأنّ الثّقافة هي تغيير في سلوك الفرد وترويض الوحش الذي بداخله، وجدنا جرّاء أعماله الشّنيعة بالإضافة إلى تجاوزاته على باقي النّصوص الشّعرية والسّردية وانتهاكه لها، أنه لا ينتمي للميليشيا فطردناه، فخرج لكنّه خرج ومعه مَن معه، وعند أوّل مشروع لهم ظهروا دون ذكرهم لـ"ميليشيا الثّقافة"، معنونين مشروعهم تحت عنوان "شعراء في طائرات حربيَّة" دلالة عدم الانتماء للميليشيا، بل عدم الاكتراث لها، وما تركيزهم على لفظة "ميليشيا الثّقافة" حالياً إلا عناداً، ومحاولةً لتهميش وإقصاء باقي الأعضاء (المؤسِّسين) لا غير، وإذا ما قَبِلَ الآخرون بقيادة كاظم، فنحنُ لا نقبل بقيادة الصديق الشاعر أحمد ضياء ولا أحمد يَقبلُ أيضاً، فميليشيا الثقافة هي إحدى تمظهرات بعد ما بعد الحداثة التي تبتعد – كثيراً – عن مقولات ما قبل الحداثة".

توهّم الأهمية
دعك عزيزي القارئ من عبارة "تعدّ ميليشيا الثّقافة واحدة من أهمّ الحركات الشّعرية في الوطن العربي إن لم تكن أهمّها على الإطلاق"، والتي يطلقها تاج الدين - هكذا مطمئناً وواثقاً - بعد عام واحد فقط من ظهور جماعة "ميليشيا الثقافة" على السّاحة العراقية! فتوهّم الأهمية حقّ مشروع للجميع. ودعك كذلك من إشارته إلى طرد زميل آخر لهم بسبب "قلّة أدبه"، فمثل هذه الأمور تحدث في أكثر الحركات طليعيّة، ولا ضير من بعض التّشويق والإثارة والضجّة الإعلامية التي تصاحب ظهور مثل هذه الحركات المستقبلية في الفن، ولكني سأتوقف أمام عدد من فيديوهات شعراء هذه "الميليشيا"، لنرى إلى أي مدى استطاعوا أن يصوّروا قصائدهم التي تتناول واقع الحرب في عراق ما بعد 2003.

ولنبدأ مع كاظم خنجر في هذا الفيديو:
"لن يقتلك الجوع أيها السُنِّي
يمكنك أن تأكل من تلال الجثث الشِّيعية
لن يقتلك العطش أيها الشِّيعي
يمكنك أن تشرب من برك الدم السنِّية
لن يقتلك البرد أيها السُنِّي
يمكنك أن تلتحف جلود أطفال الشِّيعة
لن يقتلك الأرق أيها الشِّيعي
يمكنك أن تنام على رؤوس أطفال السنِّة
لن يقتلكما الضّجر أيها السنِّي والشِّيعي
يمكنكما أن تتسلّيا بذبحنا كلّ يوم
كلّ يوم".

هذه الكلمات نسمعها فيما نرى الشّاعر يمسك بمقصّ يمزّق به ورقتين كتب عليهما "سنّي".. "شيعي"، المقصّ الذي ستحلّ محلّه السّكاكين في فيديوهات أخرى للشّاعر. وفي فيديو آخر لكاظم خنجر، نشاهده وهو ينطلق من خلف الكاميرا قائلاً: "القتلة يخافون الموت.. لذا لا يمكنهم تصوره.. لا يمكنهم تصوره"، متظاهراً أمام المشاهد الفرنسي أنه يعدو في حقل ألغام!
وفي أحد الحوارات الصحافية معه، يتساءل كاظم خنجر مستنكراً: "من هو الجمهور؟"، ويردّ سريعاً: "في هذه البيئة الخراب، الجمهور لم يعد معادلاً ذوقياً للعمل الفني، الجمهور هنا ميت أيضاً وبالتالي ما فائدة حضوره، وفي الغالب أعمالنا تقوم على التحدّي والخطر، وهذا يمثل خطراً علينا بالدّرجة الأولى وعلى الجمهور بالدّرجة الثّانية لو كان حاضراً، ونحن لا نودّ مقاسمة هذه الخطورة مع أحدهم". لن أعلّق هنا على عبارة صديقنا خنجر التي يقول فيها بتعالٍ عجيب إنّ "الجمهور لم يعد معادلاً ذوقياً للعمل الفنّي"، بل سأشير إلى ما يوحي به إلينا شاعرنا من خلال كلماته هذه بأنّ ما شاهدناه في هذه الفيديوهات هي أمور صعبة ومخاطر حقيقيّة خاضها مع رفاقه معرّضين أرواحهم للخطر، ناسياً أنّنا لم نتوقّف لحظة عن الضّحك من هول هذه المخاطر أثناء مشاهدتنا له ولرفاقه من شعراء الحداثة العراقية الجدد على الشاشات. ولو كان الفيديو الأخير لم يقنعك عزيزي القارئ بالمخاطر التي يتحدّث عنها شاعرنا، فماذا لو استمتعت بهذه القصيدة لمازن المعموري أو هذه لأحمد ضياء أو تلك لوسام علي؟
ويكتب مازن المعموري في 2016 تحت عنوان "النزعة الشِّعرية لهويّاتنا المتقاطعة"، متقمّصاً روح المنظِّر الرّسمي والأكاديمي لحركة "ميليشيا الثّقافة" قائلاً: "إن هذا التّوصيف للسلوك يحوّل الظّاهرة الشّعرية من مرحلة التأمّلات الرّومانسية للكتابة القديمة إلى مرحلة أكثر خصوصية هي: العمل، حيث تكون الكتابة لدى الشّعراء (مازن المعموري، كاظم خنجر، علي ذرب، محمد كريم) جهداً وعملاً للبحث والتّقصّي عن حقائق ومشاهدات، دون تأويل أو انتماء فكري أو حزبي وحتى ذاتي"؛ وعلى الرّغم عزيزي القارئ من أنّني مثلك أجد صعوبة في العثور على هذا النّوع من الشّعراء الذين يعملون ويبحثون دون أن تكون لديهم القدرة على التّأويل أو ليس لديهم انتماء فكري أو حزبي أو حتى ذاتي! بتعبير صديقنا مازن المعموري، والذي يضيف قائلاً: "وعند ذلك وجدنا أنفسنا في تجربة "ميليشيا الثقافة" نعمل على تبيان

الحدث من أجل الكشف عن هوياتنا المبطّنة بالأقنعة، وكأنّنا نمارس فعل التّماهي والتّواصل مع موجوداتنا اليوميّة دون ماكياج أو تلوين قبحنا، فنحن لا نستعير مفاهيم غربية مثل (الإنسانية) لنغطّي وحشيتنا الحقيقيّة، لأنّنا ببساطة نشبه ما نراه إلى حدّ اللعنة، هكذا هو وجهنا الحقيقي وهكذا هي نصوصنا الشّعرية".
يعتبر مازن المعموري مفهوم الإنسانية مفهوماً غربياً! ومن ثم فهم في "ميليشيا الثّقافة" لا يستعيرون هذا المفهوم لتغطية وحشيّتهم الحقيقيّة، لكنّه لم يخبرنا شيئاً عن استعارتهم نهجاً فنياً كاملاً (شعر البرفورمانس) لتقديم قصائدهم من خلاله، وتقليدهم الأعمى لشعراء فرنسا المشهورين في هذا المجال، ويبدو أن مشكلة التّمييز بين مثل هذه الأشياء البسيطة أصيلة لدى مازن المعموري، والذي يقول في إحدى قصائده:

"لا أميّز بين طائرة ورقيّة وملعقة
لا أميّز بين صباح مشمس ويد مقطوعة
لا أميّز بين صفرة الخريف وخرطوم فيل
لا أميّز بين عصفور يحلّق ودبابة تعطس".

في مارس 2018 يكتب مازن المعموري، منظِّراً من جديد، مقالاً تحت عنوان "كيف يكون الشّعر العربي مُعاصراً؟"، يقول فيه بعد تقديمه نبذة عن تاريخ ظهور مصطلح الشّعر الأدائي: "هنا بدأ الانتقال من النّص المكتوب إلى النّص المرئي، وأصبح هناك تحوّل جذري في نمط العلاقة بين الشّاعر والجمهور، بما أن التّجريب قائم هنا على أساس إنتاج تفاعل مع المحيط الاجتماعي وخلخلة النّمطية. ففي فرنسا كان سيرجي بيه و(بيبيو) والجيل الجديد من شعراء النّص المرئي والقصيدة الصوتية مثل جوليان دبريجون، وسدريك وآخرين، وفي العراق قدّم مازن المعموري وكاظم خنجر وعلي ذرب ومحمد كريم مفازات جديدة للعمل تحت فضاء الشّعر الأدائي والقصيدة المرئية منذ عام 2015".
لا أعرف كيف طاوع القلم صاحبه وهو يضع نفسه وأصدقائه في مثل هذه المقارنة (وهي - ويا للمصادفة ويا للتّواضع - المرّة الثّانية التي يصطفي فيها مازن المعموري الأسماء ذاتها، واضعاً اسمه في المقدّمة). بودّي هنا لو أسأل شاعرنا: هل المفازات الجديدة التي حقّقتها هذه الأسماء في الشّعر العراقي الحديث تختصر نفسها في تصويرهم قصائدهم بالفيديو وهم يصرخون أو يتظاهرون بأنّهم يركضون في حقول الألغام؟ هل الحداثة لدى شعراء العراق الجدد اختصرت في الوقوف أمام كاميرا الفيديو وقد رتّب كلّ شيء قبل انطلاق كلمة "أكشن" ليصرخوا جميعاً أمام الكاميرا تعبيراً عن جنون الحرب؟ هل التّجديد أن أكتب شعراً سياسيّاً زاعقاً بحجّة أنّني من ضحايا الحرب؟ وهل تتحقّق الثّورة في الشّعر بأن تلتقط الصوّر لعدد من الشّعراء يرتدون سترات داعش البرتقالية داخل قفص حديدي في الصحراء؟!

كثير من الأسى
عزيزي الشّاعر الموجود حالياً في بغداد أو بابل أو النّجف، في كركوك أو الحلة أو الموصل،

في أربيل أو العمارة أو البصرة، الحالم بالوصول بشعرك الحديث إلى مهرجانات الشّعر العالمية، المسألة في غاية البساطة، لن يكلّفك الأمر في الحقيقة سوى لفّة من الأسلاك الشّائكة، وزياً برتقاليّاً كالّذي تلبسه داعش لضحاياها قبل ذبحهم، وبعض الأوراق التي تمسكها بيدك وتقطّعها بسكين وأنت تقرأها صارخاً معنفاً أمام الكاميرا. ولا تقلق فيما يخصّ الكتابة، يمكنك أن تكتب أيّ شيء، وحين يسألك أحدهم عمّا تقوله قل له هذه "سوريالية" أو "تفكيكيّة" أو قصيدة "ما بعد بعد حداثية". اكتب "أيّ كلام"، المهم أن تصرخ وتعنّف أمام الكاميرات كي تعجب الجمهور، عبّئ قصيدتك "الحداثيّة" بكلمات: جثث، أشلاء، دماء، قتلى، انتحاريّون، إرهابيّون، أميركان، دبّابات، طائرات، قنابل. ولا تنسى الرؤوس المقطوعة والأجسام المتفحّمة والبيوت المهدّمة والدّيكتاتور. اخلع نعليك وعضّ عليهما وأنتَ منحن على الأرض، فالفرنسيّون لُطفاء يحبّون هذه الأمور. غطّ جسمك العاري ووجهك بالوحل والطّين، أو اسرق علبة مشابك الغسيل من شرفة زوجتك وعلّقها في أذنيك وحاجبيك وشفتيك واقرأ قصيدتك بصوت مكتوم وبطريقة مضحكة أمام الأجانب كي يصفّقوا. اذهب إلى الجزّار واملأ كيساً كبيراً بالعظام المتبقّية من الذّبائح وارفعها أمام الجمهور وأنت تصرخ فيهم: "هل تعرفون ما هذا؟ هذا هو كلّ ما تبقّى من الشّرق، هذا هو ما تبقّى من الشّرق".
وصدّقني تماماً حين أقول لك عزيزي الشّاعر الحالم بالوصول إلى العالميّة، أنّ ما سيحدث حينها هو أحد أمرين؛ فإمّا أن ترى الجمهور الأجنبيّ ينظر إليك مندهشاً وأنت تهرول وسط النّاس في الشّارع رافعاً عظمة بيدك، وإمّا سيظنّك أحد العابرين معتوهاً فيصفعك أمام الكاميرات. كلّ هذا جائز يا صديقي، لكن المؤكّد أنّنا نحن الجالسين نشاهدك من خلف شاشات السوشيال ميديا، ونعرف جيداً كيف نفرّق بين ما هو شِعر وما ليس بشِعر، لن نصفّق لك.. ولن نصفعك. فقط سنضحك. سنضحك.. ونحن نشعر تجاهك بكثير من الأسى.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.