}

النكبة في قاموس إسرائيل.. الأكاذيب والحقائق

مها حسن 7 ديسمبر 2019
آراء النكبة في قاموس إسرائيل.. الأكاذيب والحقائق
يستحق "كتاب النكبة" أن يُقرأ منا نحن العرب
"نُسأل دائماً، كلما أقمنا ندوة أو لقاءً مع الجمهور: وماذا عن الإسرائيليين الذين يعارضون سياسة نتنياهو وحكومته؟ أليسوا أقلية ليكونوا قادرين على التحرك في مجتمع إسرائيلي يعاني من العنصرية والفصل العنصري، هل لديهم الوسائل للتصرف؟ ما هي علاقاتهم مع الفلسطينيين؟ كيف يرون مستقبل فلسطين المحتلة وإسرائيل؟". بهذه الكلمات افتتح فرانسوا ريب، رئيس جمعية التضامن من أجل فلسطين، ليقدم ضيفته القادمة من تل أبيب.

من أب سوري مسلم، وأم جزائرية يهودية، وُلدت إلينور، المناهضة للاحتلال الاسرائيلي، الناقدة لإسرائيل، بصوت صارم، يجعل أحدنا، نحن أبناء المنطقة، مندهشاً لدى سماعها، محدّثاً نفسه: لكنها فلسطينية.. لا يمكن أن يصدر هذا الخطاب عن امرأة إسرائيلية!
بلى، بل يمكن، هذا ما تبرهنه لنا إلينور ميرزا أباريسيو، صاحبة كتاب "النكبة: من أجل الاعتراف بالتراجيديا الفلسطينية في إسرائيل"، الصادر بالعبرية عام 2007، وبالفرنسية في العام الفائت، والتي تقوم بجولة في أوروبا، في بلجيكا وفرنسا تحديداً، لتقديم كتابها، أمام المجتمع الأوروبي.

"لا يتوجه كتابي إلى الفلسطينيين، لست أنا من يعطيهم الدروس. ولا ينتظر الفلسطينيون منا أن نروي حكاياتهم، هم يعرفونها جيداً، ولسنا من نحدّد طريقة نضالهم. لكنني أستخدم الميزات المتاحة لي كإسرائيلية، حيث هناك هامش من الحرية، يُمكّنني من التوجه بكتاباتي ونضالي للمجتمع الإسرائيلي، وكذلك لتوجه إليكم، أنتم أبناء المجتمع الأوروبي، القادرون على الضغط على حكوماتكم، للضغط على إسرائيل"- هكذا تحدثت إلينور، في لقاء جمعها بالجمهور في مدينة مورليه القريبة من الأطلنطي، حيث التقيت بها، وهي التي تتقاسم معي جزءها السوري، كابنة لفاروق ميرزا، السوري المطرود بدوره من بيته في الجولان، ودارت بيننا دردشات طويلة على هامش هذا اللقاء.


أكاذيب إسرائيل
جاءت إلينور، بصحبة زوجها، وشريكها في تأليف الكتاب إيتان برونشتاين أباريسيو، وطفلها الصغير، الذي حرصت على أن تُسجله في مدرسة عربية مع طلاب فلسطينيين، ليكون قريباً منهما، لا ليتعلم لغة "الأعداء" بل ليكون أكثر فهماً وتضامناً معهم. تقول إلينور: هناك طلاب إسرائيليون، لم يقابلوا في حياتهم فلسطينيين، لم يدرسوا معهم، ولم تنشأ بينهم أية علاقة. بمعنى هناك جهل أو خطة تجهيل بالفلسطيني من قبل الحكومة الإسرائيلية.

توجد ثلاثة أنواع من المدارس في إسرائيل: للعرب، للإسرائيليين، للدروز. اخترت أن يتعلم ابني في مدارس عربية.. تضيف مفصّلة عن رغبتها في ألا يجد ابنها نفسه ذات يوم، في مقام الخصم، أو الجاهل بتاريخه الاستعماري.
تنشط إلينور، التي درست الأنثربولوجيا في جامعات فرنسا، في جمعية غير حكومية، أسستها أيضاً بصحبة زوجها، وتدعى "دي كولونايزر"، وتنهض ضد الاستيطان الاسرائيلي، وتدافع عن قيم العدالة، ورفض العنصرية، وتهدف المنظمة الى توعية المجتمع الاسرائيلي حول تاريخه الاستعماري وتفضح كذب وادعاءات إسرائيل "الساذجة" في قيامها على أرض دون شعب، أو أرض غادرها سكانها طواعية.
تقدم إلينور مفهوم النكبة لدى الإسرائيليين، حيث المفردة لم تكن موجودة من قبل في المفهوم الإسرائيلي، حيث سنة 1948 تعتبر لدى إسرائيل هي عيد الاستقلال، إلى أن تم تشريع قانون النكبة سنة 2011، المتضمن منع إحياء ذكرى النكبة في عيد الاستقلال.
"أناضل ضد الاحتلال، اختفت نصف عائلتي، وأنا أسعى خلف العدالة، من أجل الشعب الفلسطيني. الأمر لا يتعلق بالصراع بين العرب وإسرائيل، أنا لا أستعمل هذه اللفظة "الصراع"، كما أنني لست مناضلة من أجل السلام، مع أنني طبعاً مع السلام، ولكن نضالي هو ضد الاحتلال".
عن دور منظمتها في معارضة الاحتلال، تحدثت عن يوروفيجن (مسابقة الأغاني الأوروبية) التي أُقيمت في إسرائيل، لتكون مناسبة لكشف أكاذيب هذه الأخيرة، التي تقدم مدينة تل أبيب، المدينة البيضاء، النظيفة الجميلة، متجاهلة أنها قامت على أنقاض ثماني قرى فلسطينية تم تدميرها، كالمنشية مثلا، أو الشيخ مونس حيث جامعة تل أبيب حالياً. هكذا راحت منظمة (دي كولونايزر) تشرح حقيقة تل أبيب.



عسكرة المجتمع الإسرائيلي
تحتفل إسرائيل بثلاثة أعياد وطنية: يوم إحياء ذكرى الإبادة الجماعية، ويوم إحياء ذكرى تضحيات الجنود الذين سقطوا لحماية إسرائيل، والعيد الثالث للاحتفال بالاستقلال.

يعتبر الجيش هو المؤسسة التي تبني المجتمع الإسرائيلي، فالرجال لديهم ثلاث سنوات من الخدمة العسكرية ويظلون جنود احتياط يتولون الخدمة كل عام حتى يبلغوا 50 عاماً، لهذا فإن مشهد السلاح هو أمر طبيعي يمكن أن نراه في كل مكان، في المدارس والأسواق والشوارع، وهناك آباء يأتون لاصطحاب أولادهم وهم يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح.
ولأنه من المحرمات الحديث عن النكبة، حتى أنه يعاقب عليها قانون في ذكرى يوم الاستقلال، فقد تعرضت صاحبة كتاب "النكبة"، إلى تضييق شديد، ورفضت الكثير من الصالات استقباله وفتح حوارات مع الجمهور حوله، وتم تهديد الكاتبة بالحرمان من المعونات التي تمنحها وزارة الثقافة للأدباء، بل لاحقت وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغف، الكتاب، لحظر عرضه، لكنها خسرت الدعوة قضائياً، حيث ينص القانون على حظر إحياء ذكرى النكبة فقط في يوم الاستقلال، وعرضت إلينور كتابها في إحدى الصالات التي وافقت على استقباله ومناقشته مع الجمهور، في يوم لم يصادف ذكرى الاستقلال حسب التقويم الإسرائيلي.


حق العودة
في أحد الاستطلاعات التي أجراها المؤلفان في الكتاب، تم التوجه إلى عدة شرائح إسرائيلية، لسؤالها عن معنى النكبة، ويتبين أن نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يعترفون بمسؤولية الدولة عن الهجرة الجماعية للفلسطينيين، والذين يقبلون حقهم في العودة، هو أكثر أهمية مما يتصور المرء.

غالبية اليهود الإسرائيليين يعرفون مصطلح النكبة و19.5% يعرّفونه بأنه "طرد" من قبل القوات المسلحة الإسرائيلية، بينما 34.5% يعتقدون أن الفلسطينيين غادروا يسبب الخوف.
أما الاستطلاع المتعلق بحق العودة، فإن 27.2% يؤيدونه، مقابل 60.8% يعارضونه.
مجيبة على قلق الإسرائيليين "إذا عاد الفلسطينيون، أين نذهب نحن، وخاصة أن هناك أشخاصا ليس لهم مكان آخر، فهم وُلدوا في إسرائيل، ولا يستطيعون الذهاب إلى بلد آخر"؛ تشرح إلينور بأن مساحة الأرض في إسرائيل ليست صغيرة، بل يمكنها أن تتسع لسبعة ملايين عائد، حيث ترحب الحكومة الإسرائيلية بعودة سبعة ملايين يهودي في العالم، وهي مستعدة، بين ليلة وضحاها، لإقامة مستوطنات جديدة، وبناء مدارس ومرافق عامة، هذا يعني أن البلد قادر على احتواء هذا العدد من العائدين، وعودة الفلسطينيين، لن تعني رمي الإسرائيليين في البحر، كما تخوّفهم حكومتهم.


النكبة العربية الجمعية
"كيف نجوتِ من أمراض الاستيطان والأساطير الاستعمارية، ومن الثقافة الكارهة للعرب؟"، أسأل إلينور، تقول لي بأن ثقافتها المزدوجة ربما (الأم اليهودية الجزائرية، والأب السوري المطرود من الجولان)، وكذلك الميراث الكوني والعالمي لأسرتها الشيوعية وكذلك والدة زوجها، ودراستها في فرنسا، كل ذلك ساعدها لتبنّي آراء ناقدة للاحتلال. وهي كامرأة ناشطة وعلمانية، ترفض الهوية الدينية، وتقول: "ليس لإسرائيل أي شرعية للتحدث نيابة عن جميع اليهود".

أحدّثها عن المفكر السوري قسطنطين زريق ودراسته "معنى النكبة" في آب 1948، حيث قال: ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكسة البسيطة، أو بالشر الهين العابر. وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى. ومطولاً أشرح لها عن الفواتير التي دفعتها الشعوب العربية، واستغلال الزعماء الديكتاتوريين لوجود إسرائيل،  كما الحال في سورية خاصة، أيام الأسد الأب، ثم الأسد الابن، اللذين قمعا الشعب السوري متكئين على المقاومة ضد إسرائيل، لتأجيل استحقاقات المطالبة بالحريات الداخلية، وقلت لها، في مداخلتي كسورية عانى شعبي من هذا الاستبداد، إنني أحمّل إسرائيل نتائج هذا القمع، التي نحصدها اليوم من قتل وتهجير وتشريد، بسبب رفض نظام الأسد مطالبات الحرية في سورية، هذا النظام، الذي يستفيد من وجود إسرائيل كذريعة لوضع أولوية المقاومة ضد العدو الصهيوني، ورفض الاعتراف بحقوق المواطنين في حرية التعبير والعدالة الاجتماعية. اتفقنا في نهاية الحديث الطويل على أن إسرائيل تسببت بنكبة كبيرة تشمل أجزاء واسعة من المجتمع العربي، وأن هذا يضخّم فاتورة استحقاقها لدى شعوب المنطقة.
يستحق "كتاب النكبة" أن يُقرأ منا نحن العرب، حتى وإن كنا نعرف أكثر ما جاء فيه، لكننا نحتاج إلى أصوات من داخل المجتمع الإسرائيلي، تدعم قضايانا العادلة، ضد الاحتلال. والكتاب متوفر باللغة الفرنسية، ومُتاح في مكتبات فرنسا، وفي مكتبة معهد العالم العربي في باريس.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.