}

عن رفعت سلام واختفاء ملايين علاج الأدباء

هشام أصلان 21 ديسمبر 2019
آراء عن رفعت سلام واختفاء ملايين علاج الأدباء
رفعت سلّام يقف على حافة خطر كبير
كلما وقع أحدنا تذكرنا، مرغمين، ومضات من تاريخ المرض والألم.
كلما وقع أحدنا آملنا ألا تصير حالته رقماً في عدّاد المصائب.
هذه المرة يقف الشاعر والمترجم المصري المعروف رفعت سلّام على حافة خطر كبير.
في أواخر عام 2008، قابلت الروائي المصري يوسف أبو رية لآخر مرة. كان جسده، الذي عرفته يميل للبدانة منذ كنت طفلاً، قد صار نحيلاً، بعد شهور من إصابته بسرطان الكبد. مات بعد هذا اللقاء بأسابيع، بعدما تأخرت زراعة فص معيّن في كبده. وقتها تداول الجميع كلاماً عن 20 مليون جنيه مصري، تبرع بها حاكم إمارة الشارقة لاتحاد كتاب مصر، على أن توضع كوديعة يعالج منها الأدباء، غير أن أسباباً لا أعرفها بدقة حالت دون إفراج الحكومة عن هذا المبلغ، ما اعتبره البعض جريمة تستحق عدم السكوت.

وقتها كان اتحاد كتاب مصر، ورغم أي مشاكل أو ترهلات، أقوى بكثير منه حالياً. كبار الأدباء حريصون على عضويته. يزدحم شارع حسن صبري في حي الزمالك بالمثقفين والمتابعات الصحافية على مدار يوم انتخابات مجلس إدارته، فيما يتمتع رئيسه الكاتب محمد سلماوي بكاريزما شخصية فضلاً عن علاقة طيبة مع مساحة واسعة في الحياة الثقافية من ناحية ومع الدولة ومؤسستها الثقافية من ناحية أخرى، وأشياء من هذا القبيل، بينما ترى أيامنا اتحاد كتاب مصر وقد صار كياناً مترباً بكامل هيئته. وحتى كتابة هذه السطور لم يعرف أحد، أو للدقة لم أسمع أن أحداً عرف مصيراً لهذه الأموال.
تذكرت حكاية يوسف أبو رية وأجواء حالته وتبرع حاكم الشارقة مجهول المصير، بينما أتابع صخباً كبيراً بين مثقفي مصر بحثاً عن حل مالي ينقذ رفعت سلّام، الذي اُكتشفت قبل أسابيع إصابته بسرطان الرئة، وقال طبيبه إن ما يناسبه هو العلاج الجيني، متوقعاً أن يقضى على 95% من المرض خلال ثلاث جرعات تتكلف 300 ألف جنيه مصري. والتفاصيل شرحها الكاتب المصري أحمد سراج، في بيان وقع عليه عدد كبير من المثقفين. قال إنه تواصل مع وزيرة الثقافة، الدكتورة إيناس عبد الدايم، وهي بدورها أبدت استعداداً للمساعدة وتواصلت مع هيئة التأمين الصحي التي رفضت "العلاج الموصى به لأنه ليس على لائحتها، واقترحت العلاج الكيماوي لتوفره، وذلك بغض النظر عن التقارير الطبية وأن الكيماوي سيكون أعلى تكلفة وأقل أثراً إيجابياً وربما لا يتحمله سلّام". البيان أوضح أنه تم التواصل مع رئيس اتحاد الكتاب الحالي، ومع نقيب الصحافيين ضياء رشوان، حيث أن سلّام هو عضو بالنقابة كونه مؤسس القسم الثقافي في وكالة أنباء الشرق الأوسط، ولكن لم يأت رد أو يحدث شيء. البيان والموقعون عليه لا يلومون أحداً، كما لم تأخذهم أية نزعات حنجورية. هُم يبحثون فقط عن جهة تتحمل تكاليف العلاج "لإنقاذ شاعر ومثقف مصري رفيع عاش حياته زاهداً إلا في الإبداع".


إجراءات مجهولة
المتابعات الصحافية نشرت تصريحات لرئيس اتحاد الكتاب تُذكرك بالمثل القائل "همّ يبكي وهمّ يضحك". الرجل صرح للصحافة بأن الاتحاد خاطب وزيرة الثقافة بشأن علاجه في الخارج نظراً لخطورة حالته الصحية، مؤكداً أن هناك إجراءات أخرى يقوم بها، لكنه لم يخبرنا بأي من هذه الإجراءات. كان حريصاً فقط على إخبارنا بأن إجراءاته المجهولة نابعة من "الواجب تجاه كافة الأدباء والشعراء بصرف النظر عن انتسابهم للاتحاد أم لا، ذلك أن سلام ليس عضواً بالاتحاد". على الأدباء من أعضاء الاتحاد إذاً أن يناموا وفي بطونهم "بطيخ صيفي" اطمئناناً على أحوالهم الصحية، وإلى المزايا التي يتمتعون بها دون غيرهم من الأدباء المحرومين من عضوية الاتحاد.


وبعيداً عن هزل المناشدات المتبادلة والبائسة، فكر البعض في مبادرات للتكاتف وجدت ترحيباً. فاقترح الناشر عاطف عبيد طريقة لتدبير المبلغ عن طريق "معرض كتاب سريع مكون من إسهامات كل الناشرين، على أن تكون حصيلة هذا المعرض لدعم هذا المبدع العظيم". أيضاً، يستضيف "منتدى عفيفي مطر" ليلة تضامنية مع سلّام يقدمها الشاعران محمد حربي وأحمد سراج، ويشارك فيها روائيون ونقاد وأكاديميون على أن يتم طرح نسخ تذكارية من كتاب "النهار الآتي" بسعر يحدده المشتري، يذهب للمساهمة في علاج رفعت سلّام. والكتاب أعده أحمد سراج و"يحاور تجربة سلّام من خلال ثماني وعشرين مادة كتبها خمسة وعشرون ناقداً عربياً".


أحد الأسماء الثقافية البارزة
يعني رفعت سلّام كتلة ليست هينة في الثقافة المصرية والعربية، وهو واحد من الأسماء الثقافية البارزة في جيل السبعينيات، سواء بمساهماته في تنشيط الحركة الثقافية عبر المشاركة في تأسيس مجلتيّ "إضاءة 77" و"كتابات" الأدبية، التي نُشرت على صفحاتها للمرة الأولى مصطلح "جيل السبعينيات"، أو عبر مؤلفاته المكونة من مجموعة دواوين شعرية هي: "وردة الفوضى الجميلة"، "إشراقات"، "إنها تُومئ لي"، "هكذا قُلتُ للهاوية"، "إلى النهار الماضي"، "كأنَّها نهاية الأرض"، "حجرٌ يطفو على الماء"، فضلاً عن دراسات: "المسرح الشعري العربي"، "بحثاً عن التراث العربي: نظرة نقدية منهجية"، "بحثاً عن الشعر"، ومنجز كبير في مجال الترجمة منه: "الغجر وقصائد أرى" لبوشكين، "غيمة في بنطلون وقصائد أخرى" لمايكوفسكي، "الشيطان وقصائد أخرى" لليرمانتوف، "اللذة الأولى شعرية" ليانيس ريتسوس، بالإضافة إلى مشروعه المهم في ترجمة الأعمال الشعرية الكاملة لشارل بودلير، وكثير من الترجمات الأخرى، بينما له تحت الطبع ثلاث ترجمات منها الأعمال الشعرية الكاملة لقسطنطين كفافيس.
لم تكن هذه السطور تأمل في الكلام عن حالة رفعت سلّام بقدر ما كانت تأمل في الكلام بمناسبة حالة سلّام، عن تاريخ ممتد من الوقائع المشابهة، وعن عدّاد لحكايات حزينة يزيدها حزناً هامش الحاجة وقلة الحيلة غير المبرر، وكان ممكناً أن تكون الأمور أقل فداحة لو أن هذه بلاد تحب مبدعيها؛ الوحيدون الذين أنصفوها عبر ما نعرف من تاريخ.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.