}

رواية الاعتقال السياسي والنقد الذاتي

يحيى بن الوليد 13 يونيو 2018
آراء رواية الاعتقال السياسي والنقد الذاتي
لوحة للفنان يوسف عبدلكي

"الناجون السياسيون هم أفضل الشهود التاريخيين" فرانز فانون 

ظلت كتابات الاعتقال السياسي في العالم العربي، وفي حدود معينة، وقفا على "أرباب القلم" من الكتّاب والروائيين والمثقفين والسياسيّين (المكرّسين). وظلت الحال على ما هي عليه، بالمغرب التاريخي والثقافي، إلى انتصاف التسعينيات النازلة ـ من القرن المنقضي ــ التي شهدت انفجارا ثقافيا وهوياتيا كبيرا كان من نتائجه الكبرى متغيّرات مفصلية انعكست على معارف وأشكال من الإنتاج الرمزي، وعلى النحو الذي أفضى إلى خلخلة مفاهيم كبرى مثل مفهوم الأدب ــ مؤسّسة وممارسة ــ وعلى النحو أيضا الذي دفع كثيرين للكتابة أو الاستعانة بآخرين من صحافيين وكتّاب... من أجل "رواية" أو "سرد" تجاربهم في الاعتقال السياسي وبخاصة في النصف الأول من السبعينيات اللاهبة. وهو ما يجعلنا ــ لحدّ الآن ــ أمام ما يقرب من 300 عنوان موزعة على روايات وأشعار وشهادات ومذكرات ويوميات وحوارات ومصاحبات وأفلام سينمائية... وغيرها من الأشكال التي يمكن تصنيفها في نطاق محور "عمل الذاكرة وسياسات الصفح والنسيان" الذي فرض ذاته داخل بلدان كثيرة في العالم عانت من الديكتاتورية والاستبداد والتطرّف... إلخ.  

ولعلّ أهمّ ما يلفت الانتباه على طريق عناوين "المدوّنة السجنية" بالمغرب، وفي رسالة أولى، تحميلها النظام (بمفرده) مسؤولية "ما جرى" بل ــ شبه ــ استقرارها على أن "ما جرى" كان حصيلة "المناقلة" الكامنة في جهاز الدولة ذاتها. بكلام آخر: ما حصل كان نتيجة لطبيعة النسيج الدولتي وجهازه الأخطبوطي المتناسل الذي لم يترك مجالا أو هامشا إلا وشغله أو بالأحرى أحكم قبضته الحديدية عليه. غير أن هذا الإحكام الفولاذي، وفي رسالة ثانية، لم يحل دون بلورة "قناعات" تجاوزت وضع الذات في الخط الأمامي من المواجهة نحو الدعوة ــ وفي دنيا التخييل الإيديولوجي، تعيينا ــ إلى الانقلاب على هذا النظام وبالتالي الإجهاز عليه.

وفي هذا الإطار بدا لنا أن نقف عند موضوع يفرض، من منظور "عمل الذاكرة" دائما، قدرا من الجرأة والوضوح والتسمية. ونقصد، هنا، إلى موضوع "النقد الذاتي" بخصوص تجربة الاعتقال أو بخصوص مجمل الأسباب التي أفضت إلى مربعات هذا الأخير التي هي ــ وبجميع المقاييس ــ مربعات الجحيم (الأرضي) التي تنال من إمكانات الجسد التي لا يمكنها أن تصمد في حال هذه المربعات التي هي قرينة التعذيب الذي يرادف الاستئصال أو الاجتثاث (الجذري) في حال المقاومة التي يعدّها الجلاد عنادا يستهدف شخص هذا الأخير قبل جهاز النظام الذي وفّـر له مطلق التصرّف والافتراس في أجساد تظل ــ في النظر الأخير ــ "آدمية". 

وثمة عمل "سردي" مكتوب بشطارة وتقتير، ومكتوب بطريقة لا تعلو فيه الشهادة ــ الناظمة للمدونة السجنية ــ على اللغة أو العكس؛ ما حماه من السقوط في "التضخّم السجني  الخطابي". عمل لا يزال، من منظورنا، وفي سياق "سياسات الاعتراف"، يفرض ذاته بإلحاح في الموضوع، وعمل كان قد أثار نقاشا واسعا بعد أن ارتقى بـ"الشهادة" ــ وبأكثر من معنى ــ إلى أن تتشابك مع نص التاريخ. ونقصد، هنا، وعبر هذا المقال، إلى عمل جواد مديدش "الغرفة المظلمة أو درب مولاي الشريف" الذي ظهر أوّل مرّة بالفرنسية عام 2000 وبالعربية عام 2002 والذي "حوّله" المخرج المغربي حسن بنجلون إلى فيلم سينمائي ــ مثير ــ تحت عنوان النص نفسه.

وقد لاقى العمل، في صيغته الفرنسية الأصلية ثم العربية التي نقله إليها المترجم عبد الرحيم حزل، نجاحا ملحوظا. ولفت الانتباه إلى صاحبه أكثر مقارنة مع أعمال أخرى، تمحورت حول الموضوع نفسه وحول التجربة ذاتها (تجربة اليسار الجذري) بالنظر للانتماء للطيف الإيديولوجي ذاته، وخصوصا من ناحية "المضمون السياسي المتقاسم" حيث التهيؤ للثورة أو حلم الثروة الذي كانت تتغنّى به المجموعة في دنيا "الثمالة الإيديولوجية المغويّة". المجموعة التي كانت مطمئنة لإحاطة حلمها بسرية تامّة في انتظار انبلاج فجر الثورة الذي "يقضي على كل شيء... ويجعل كل شيء مختلفا" في سياق العنف المرتبط ــ عادة، ووقتذاك ــ باليوتوبيا أو الإرهاب الثوري أو "الجنون بالجملة" بتعبير راسل جاكوبي في كتابه "نهاية اليوتوبيا".

ويبدو النقد الذاتي معطى أو مركزا بارزا ضمن المراكز الدلالية أو المضامين الحاسمة في عمل جواد مديدش. هذا وإن كان لا ينبغي تلخيص العمل في هذا العنصر المضموني البعضي التجزيئي الذي يؤثّر على مجمل النظرة المتكاملة للعمل الذي ينطوي على إشارات أخرى وكثيرة وذات صلة بالحياة ككل وفي تنوّع واجهاتها وجبهاتها. فالرجل لم يكن من ذلك الصنف الذي يعتقد في جدوى الانتحار الذهني باسم المصلحة الإيديولوجية التي تلتبس بالشراسة الإيديولوجية الناجمة عن النقص الإيديولوجي أو ــ بصريح العبارة ــ الخواء الإيديولوجي.

وأوّل ما يفتتح به العمل، وهذا ليس غريبا في المدوّنات السجنية، هو واقعة الاختطاف التي لم يكن صاحب العمل مهيّئا لها أو بالأحرى لم يكن يتوقعها طالما أنه كان قد انتهى إلى عمل وظيفي مميّز في أحد أكبر مطارات المغرب الذي هو مطار "النواصر" بالعاصمة الاقتصادية للمغرب وهي مدينة الدار البيضاء التي نشأ فيها الكاتب بعد أن أمضى طفولته في مدينة صفرو التي كانت معروفة بالعشيرة اليهودية. والسارد يعرض، وتحت "وطأة الذاكرة"، لجانب من هذا الموضوع في العمل نفسه الذي هو أوّل عمل له أو أوّل تجربة له في عالم الكتابة. ومعنى ما سبق أن صاحب العمل كان قد انتهى إلى منصب جدير بأن يضمن له وضعا اجتماعيا مريحا بالنظر إلى الفترة أو العام (1975) الذي اعتقل فيه، وهي الفترة التي لم تكن فيها الأزمة الاجتماعية قد بدأت تتربّص بالمغرب والتي ستبلغ أقصى ذراها في الفترة التي سيفارق فيها جواد مديدش قضبان السجن، وعلى وجه التحديد عام 1989.

ولقد اختطف في أثناء مزاولته لعمله في المطار نفسه؛ بل إن التهمة (العجيبة) التي ستلفق له، وضمن تهم أخرى وكثيرة، هي محاولة الفرار عبر المطار نفسه. وتجب الإشارة، وهو ما يحرص صاحب العمل على توكيده، وفي أكثر من موضع، إلى أن صاحب العمل اختطف في فترة كان قد اختار فيها أن ينغمس في الحياة اليومية وبمعناها الليبرالي المتحرّر الخليط كما تدل على ذلك إشارته لتلك المرأة التي أخذت تستهويه (وهو ما سيركّز عليه المخرج السينمائي أكثر) ولمشروب "البيرة" و"لعبة الفليبر"... وخصوصا في فضاء مثل فضاء مدينة الدار البيضاء التي كانت ــ وقتذاك ــ أشبه بـ"باريس مصغّرة". وحتى فترة الاعتقال لم يكن هذا الكائن المديني (ومن المدينة) قد سلخ أكثر من ثلاث وعشرين سنة من عمره، أيّ أنّه انتهى إلى السجن في عزّ الشباب. 

وفي تلك الفترة، المفصلية واللاهبة، في التاريخ الحديث للمغرب، لم يكن غريبا أن يعتقل جواد مديدش الذي كان قد تناهت إلى أسماعه أسماء رفاقه، في درب النضال سابقا، من الذين طاولتهم آلة الاعتقال أو طاولهم "هياج الاعتقال" كما عبَّر عنه العمل (الترجمة العربية، ص28). فقد "كانت كل الاحتمالات ممكنة" وبما في ذلك "النفق" الذي يبتلع المرء ويقلب حياته رأسا على عقب (ص23). وقد اعتقل، في تلك الفترة المجنونة، أشخاص لا علاقة لهم بالتجربة سواء بشكل مباشر أو مداور... ولا لسبب إلا لأنّهم، ولسوء حظهم، كانوا يشبهون مبحوثين عنهم. والأفظع أنه لم يقدّم لهم أي اعتذار بعد التأكّد من هويتهم مع أن البعض منهم كاد أن يفارق الحياة تحت التعذيب.

ولم يجانب صاحب العمل مرارة الحقيقة لما أكّد أنّ ما كان يخشاه هو التعذيب لا الاعتقال في حدّ ذاته (مع أن الطرفين يلتبسان وإلى ذلك الحد الذي بموجبه يمحي القانون ذاته). يقول موضحا: "إن أكثر ما كنت أخشاه، طوال حياتي النضالية، ليس الاعتقال نفسه، بل أن أتعرّض للتعذيب، وأن أكون تحت رحمة أوغاد ينتهجون أحطّ الأساليب وأبشعها" (ص26). ولهذا خُيِّـل إليه، وبعد أن سمحوا له بتدخين سيجارته الأخيرة، أنهم يهيّئونه للشنق (ص36). وكما أكّد، في موضع آخر، فإن "التعذيب ليس له نهاية" (ص44). وعلى الرغم من الاعتراف، وفي بدايات التعذيب، فإنّ هذا الأخير سيتواصل بأشكال جهنمية. فـ"تصوير عذاب الموت" و"دنو الأجل" وقف على بعض الثواني لا الدقائق، وبما لا يدع مجالا للشك في الحد الفاصل، والواهي في الوقت ذاته، بين الحياة والموت. ودون التغافل عن التجاوزات المترتبة عن الاعتقال من تمديد للحبس الاحتياطي وعنف جسدي وتدهور نظام الاعتقال... إلخ.

وفي مثل هذا النفق، ومن حيث هو نفق خانق وساحق، لا يبدو نشازا أن يستسلم البطل وبما في ذلك البطل الصلب وبمرارة مرسومة... وإلا فارق الحياة في ظرف وجيز جدا قد لا يتعدى الأسبوع الواحد كما حصل لعبد اللطيف زروال وعلى مسمع من رفاقه في معتقل "درب مولاي الشريف" الرهيب. إن الفرد لا يشغل في مثل هذه الحال، وإذا جاز أن نوظف أحد تشابيه العمل، أكثر من "حبّة رمل في آلة مشحمة تشحيما". ولذلك، أيضا، وبسبب من الإصرار على التذويب والتفتيت، لا يملك المناضل إلا أن يتجاوز الاستسلام نحو الاعتراف الذي يفضي إلى تسمية الأماكن، بل ومرافقة الجلاد لاصطياد الطريدة.

والحكاية، وبأحداثها السالفة التي بدت لنا بارزة، سرَدها صاحبها وبـ"صوت المؤذن" كما يقال وبدون مواربة أو مراوغة. غير أن ما سلف لا يعدو أن يكون الفصل الأول ضمن "الحكاية الكبرى" التي ستتضمن حكاية ثانية، جهنمية، هي مدار الأشهر الثمانية التي أمضاها صاحب العمل في درب مولاي الشريف (الغرفة السوداء)  الذي تم فيها الاستنطاق والتعذيب. 

وقد برع صاحب العمل في تصوير "نفق" درب مولاي الشريف... حيث العصابة التي لا تفارق العين والأصفاد التي لا تفارق اليد وحيث "الحجّاج غير الآدميين" الذين يحاصرون الذات التي لا تملك، في سياق الحفاظ على "الكينونة السجنية"، هوامش كثيرة من غير هامش المرحاض وأداء الصلاة واصطياد القمل. وفي الحق فقد تمكن السارد من أن يصل ما بين مشاهد ووقائع كثيرة، وذلك كلّه في إطار من السخرية التي لا يملك المعتقل أي سلاح من غير سلاحها. 

وأما الفصل الثالث، والأخير، ضمن فصول الحكاية، فيتصل بالمحاكمة التي سيسدل الستار عليها العام 1977، أي بعد عامين من تاريخ الاعتقال. ويعرض السارد لأطوار المحاكمة وبدءا من الطريق إلى المحكمة وانتهاء بالحكم المدوّي أو "المهزلة" ــ كما نعتها العمل (ص181) ــ التي نطقها القاضي الذي كلّف أصلا بتبليغ نتائجها ــ الجاهزة ــ في آخر الليل. هذا بالإضافة إلى ما تخلل فترة المحاكمة من احتجاجات واعتراضات وبلاغات وبيانات... وشعارات ثورية أيضا. ودون التغافل عن التهم المتمثلة في "تكوين جمعية غير قانونية" و"قلب النظام القائم" و"الاعتداء على أمن الدولة الداخلي"؛ هذا بالإضافة إلى التهمة اللاحقة المتمثلة في "إهانة هيئة القضاء". وقد حرص العمل على أن يعرض للحكم بلغة قانونية موازية للغة الأدبية. ويختزله السارد في"خمسة أحكام بالسجن المؤبد، و2061 سنة سجنا" لـ 139 معتقلا" (ص181). وكان نصيب جواد مديدش منها 22 سنة سلخ منها 14 سنة، وهي مدّة جديرة بأن تجعله يسائل بدوره "مسألة الصفح والنسيان" ويكشف ــ بالتالي ــ عن موقفه منها. وتلك هي "لغة المقلاة" الموازية للغة القانون والأخلاق.

وقد آثر السارد أن يتوقّف عند المحاكمة دون أن يعرض لما سيجري له على مدار المدة التي سيمضيها في السجن لاحقا. ويمكن أن نرد ذلك إلى أن صاحب العمل ليس من الصنف الذي يريد أن يقول كل شيء أو أن يوحي بحضوره في جميع المحطات. لقد آثر التركيز على هذه الفترة (درب مولاي الشريف) التي تبدو دالة، وبعنف، على الفترة السديمية والمظلمة. فهو لم يرغب في السقوط في "مرض الذاكرة" الذي يتهدّد الفكر الأخلاقي.

والسارد، حتى وإن لم يخض في السنوات الموالية، وهو ما سيفعله في روايته التالية "نحو الأفق" (Vers le large) (2009)، فإن عمله الأوّل يسعفنا على أن نستخلص آفاق المقاومة. تلك المقاومة التي تصل ما بين فعل التذكر وسلاح الضحك والسخرية. وعلى المستوى الأول، واستطرادا، فإن الحياة بأكملها لا تعدو أن تكون ذاكرة ضد النسيان أو كما قال ميلان كونديرا: "إن صراع الإنسان في الحياة هو صراع الذاكرة ضد النسيان". وليس من شك في أنه داخل السجن تغدو للذاكرة نكهة أخرى ونبرة مغايرة، وخصوصا في المنظور الذي يقرن الذاكرة بفعل التذكّر بمعناه الحدّي. وكما قال الفيلسوف نيتشه: "نحن لا نتحرّر إلا من خلال التذكّر"، ما يضاعف من دلالات التذكّـر داخل السجن الذي تتعطل فيه الحياة. 

وقد تخللت العمل مشاهد طفولية وحياتية عديدة، وفي منظور يتكشف عن نوع من التنفيس في مثل لحظات الاعتقال القاتمة التي لا يجد فيها المعتقل من غير التشبّـث بخشبة أو حبال الذاكرة للرد على "الصدأ" الذي يراكبه. أما السخرية فقد تبدّت في تسمية الجلادين حيث نجد "البرهوش" و"الهيش" و"الحاج القوادة" و"الحاج نونورس". وأما سلاح الضحك فقد تجسّد أو تفجّـر من أول ظهور في الاعتقال العلني في السجن، "النظامي".

قلنا إن العمل ينفرد بنوع من النقد الذاتي للتجربة، ومن حيث هي تجربة واقعية، وفي فترة كان يندر فيها أن يُتخذ مثل هذا الموقف. والعمل مليء بالإشارات والأحكام التي بموجبها لا يدع أيّ مجال للشك بمفارقته للتجربة واعتزالها، ودون شماتة أو تشفّ. وهو ما يتأكّـد بدءا من نص الاستهلال. بل إن التأكيد على الموقف بلغ حدّ التكرار، الدلالي، في العمل.

غير أن موقفه هذا لم يكن يفيد أيّ نوع من التخاذل أو التنازل أو التسفيه للتجربة. ومن الجلي أن النقد الذاتي لا يعني التنكّر للمرحلة ولا التبرؤ منها أو حتى القول بأن ما حصل فيها كان يرتبط بها. فالاعتقال لا يزال يلقي بظلاله وكوابيسه وجروحه... ما يجعل من المرحلة، ورغم منحاها الإيديولوجي الزاعق، "سؤالا" لا يخلو من امتدادات في الحاضر. وكما أن النقد الذاتي لا يعفي الدولة من تحمّل مسؤولية ما جرى. إضافة إلى أن ما حصل كان لا يقتضي جميع تلك الأحكام القاسية. ولذلك فإن نص "ما بعد الاعتقال" الذي ذيّـل به جواد مديدش عمله، والذي فارق فيه منطق الشهادة، هو بمثابة موقف أو جواب سعى من خلاله صاحبه إلى الإسهام في مسألة "الصفح والنسيان". ومن هذه الناحية فهو يؤكد أن نسيان الماضي ليس بالأمر الهيّن وأحرى أن يكون بتعمد ذلك النسيان (ص188). 

فنقده الذاتي قرين عدم النسيان... وقرين، طموح، تحميل الدولة مسؤولية ما جرى؟ وهنا يكمن الفرق بين المغرب وجنوب إفريقيا مثلا... وعلى الأقل من ناحية تقديم الجلادين للعدالة وتقديم هؤلاء اعتذارهم الرمزي والعلني للضحايا. غير أنه لا ينبغي التغافل، وفي مثل هذه الحال، عن أن ما جرى في "بلد نيلسون مانديلا" كان محكوما بـ"تحوّل سياسي" وازن وراجح. ومهما كان فإن الاعتراف بالمجموعات التي كانت ضحية النظام لازم وضروري في مثل هذا السياق التاريخي، وبدونه لا يمكن إعادة ترتيب علاقة الدولة بالمجتمع ككل، بل إن انتفاء هذا الاعتراف لا يمكن إلا أن يفضي إلى "باتولوجيا أخرى في الذاكرة، وهي ذاكرة الماضي الذي لا يريد أن يمضي" كما يقول المؤرّخ الفرنسي فرانسوا دوس.

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.