}

قضبان صناعيّة في عيد الحب!!

عارف حمزة 11 فبراير 2018
آراء قضبان صناعيّة في عيد الحب!!
لوحة للفنان المصري سمير فؤاد

ربّما يبدو العنوان صادمًا هكذا، وهو كان صادمًا بالنسبة لي، عندما دخلتُ إلى التطبيق الخاص بمتجر "أوتو"، الذي أتعامل معه عادة في أوروبا لشراء الأثاث وغيره، خاصّة أنّه يعرض الكثير من البضائع التي قد يحتاج المرء إلى وقت طويل، كي يجدها، إذا بحث عنها في المحلات، وكذلك لأنّه يُقدّم عروضًا وقتيّة؛ من خلال وضع أسعار للبضائع أرخص من سعرها العاديّ يدوم لساعتين أو ليوم واحد أو لأسبوع واحد. والسبب الأهم، كذلك، هو أن المتجر يبيع الكثير من البضائع بالتقسيط، وهو ما قد لا يُثقل كاهل العاطلين عن العمل في بلاد أوروبا الواسعة.

تصفّحت الموقع فوجدتُ أنّهم قد وضعوا نافذة خاصّة بعيد الحب، أو يوم الفالانتاين، المصادف سنويًا في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير. دخلت الصفحات المخصصّة وأنا أفكّر بالعروض التي من الممكن أن أجدها عن العطورات أو الساعات أو الإكسسوارات الفضيّة التي تكون مشغولة يدويًّا بشكل بديع. ولكن كان في صدارة تلك العروض، بعد العطورات وأدوات التجميل، ماركات ومقاسات وألوان مختلفة من القضبان الصناعيّة. في البداية لم أعرف المنتج؛ ظننت أنّه سيكون على شكل هدية آخذة شكل قضيب، ولكن المفاجأة كانت أنها هي قضبان فقط! منها ما يعمل بالبطارية ومنها ما يعمل بالشحن ومنها ما يعمل بخيال الجهد الذاتي!!

السؤال الذي يقفز فجأة إلى ذهن أحدنا: هل يمكن لأحدٍ ما أن يُهدي حبيبته أو زوجته قضيبًا صناعيًّا؟ وما معنى تلك الهدية في تمتين أواصر الحب؟ بمعنى أنّ إهداء الورود الحمراء تذهب لقول شيء ما من الحبيب لحبيبته، أو بالعكس، وكذلك العطور أو القلادات... ولكن ماذا سيكون المعنى من إهداء قضيب صناعيّ؟

الهدايا البذيئة

سألتُ فريدا، التي نعمل مع بعضنا في ذات المكتبة، إن كان أمرًا عاديًا هنا في ألمانيا أن يُهدي حبيب لحبيبته في عيد الحب قضيبًا صناعيًّا، فشعرتْ بالاستياء، وقالت إنّه أمر مُخجل أن يقوم أحد ما بإهداء حبيبته ذلك الشيء. ثمّ أضافت بأنّها ستشعر بالصدمة، هي التي في الثامنة عشرة من عمرها، وتدخّن وتشرب الكحول، إذا قام حبيبها بإهدائها ذلك الشيء. "سأنظر إليه بتلك النظرة القاتلة، أو الرادعة، حتى لا يعود لتكرار هذه السخافات". ثمّ أكملت "نعم. لديّ العديد من الصديقات اللاتي تلقين هذه الهدايا في السنوات السابقة، وقد شعرنَ بالبهجة والمفاجأة السعيدة وهنّ يتلقينَ مثل هذه الهدايا البذيئة" على حد تعبيرها. ونفهم بأنّ هذا الأمر لن يحدث هذا العام للمرّة الأولى؛ بل هو متكرّر منذ أعوام على الأقل.

جاري الألماني، الذي في الخامسة والسبعين من عمره، وزوجته، التي في الستين من عمرها، شعرا بالصدمة الحقيقيّة؛ إذ وضع كل منهما يده على فمه من الخجل والرعب. وعندما قلتُ لهما بأنّ ذلك يحدث منذ سنوات هنا في ألمانيا، أحسستُ بغيابهما عن هذا البلد، ما داما يمضيان حياتهما بين البيت ومركز العلاج الفيزيائيّ. تقول هيرتا: "ليس لديّ حفيدة كي يكون عندي علم بهذه القبائح، ولكنّني لا أستبعد ذلك؛ بما أن محطّات التلفزة صارت تبثّ برامجها وكأنّها تبثّها من ماخور".

الحب الحلال

لطالما يسألنا الألمان عن الطعام الحلال، ولماذا هو حلال، ولماذا تُعتبر أطعمتهم حرامًا، وكيف نعرف أنّ هذا المنتج حلال؟ هل وضع لصاقة مكتوب عليها ذلك المدلول تفي بالغرض وتجعل أحدنا يغضّ النظر عن حقيقة المنتج؟ ولماذا مسألة الحلال والحرام لا ترتبط بالجودة أو النظافة؟... إلى آخر تلك الأسئلة التي تشكّل إرباكًا كبيرًا لنا، خاصّة لأطفالنا الذين يتلقّون الأوامر من أهلهم بعدم أكل الجيلاتين واللحوم في المدارس وفي بيوت أصدقائهم الأجانب. ولطالما نؤجل نحن، أبناء الشرق الذي حُرمنا منه منذ سنوات، الحديث مع أطفالنا عن الجنس وكيفيّة ولادة الأطفال لحين بلوغهم، بلوغهنّ، سنّ المراهقة الذي يحوّل البيت إلى مشفى للأمراض النفسيّة أو إلى مكانٍ للمراقبة والإقامة الجبريّة، بينما أكتشفُ أنّ طفلي الذي في الصف الثاني يتلقّى هذه الأمور بصراحة، ومن خلال الصور التوضيحيّة، في درس العلوم.

الألمانيّ، وهذا ينطبق على الألمانيّة، شخص ملتزم بطبيعته، وهو لن يقوم بعلاقتي حب في وقت واحد، وإذا فكر في الإبحار في علاقة أخرى؛ فعليه إنهاء علاقته الأولى ببساطة وبصراحة، وإلا يُعتبر "خائنًا" وهي وصمة عار لن يتحمّل حملها. كذلك الأزواج حيث يقومون بإنهاء العلاقة فيما بينهم؛ إذا تبين أنّهم ما عادوا قادرين على المضي في علاقة الزواج الفاشلة هذه، وبعد ذلك يمكن له أن يدخل في علاقة أخرى علنيّة. العلنيّة هنا تذهب لشرح معنى ذلك الإلتزام الذي تحدثنا عنه.

يقول موريس بأنّ الكثير من الألمان، خاصّة الذين كانوا يعيشون في ما كان يُسمّى ألمانيا الغربيّة، يعيشون حياة محافظة، "ولكن هذا لا يعني ألا تدخن حفيدتي وهي في الثانية عشرة من عمرها، وبالتالي يُمكن أن تكون قد فقدت عذريّتها في تلك السنّ، أو بعدها بقليل. والحياة تتغيّر، وما كنّا نفعله في عشر سنوات صار الشباب الآن يفعلونه في أيام قليلة. قضيب صناعيّ؟؟! فليحفظنا الله".

ربّما يكون تفكيرًا ساذجًا؛ إذا قلنا بأنّ إهداء قضيب صناعي من حبيب لحبيبته في عيد الحب يعني بأن تكتفي الحبيبة بحبيبها وبما أهداه لها إذا غاب، أو حال شيء ما دون الاكتفاء بحبيبها فحسب، كالسفر أو المرض وربّما الموت!! بمعنى آخر، أن يظلّ اكتفاء الحبيبة "حلالًا" وليس "حرامًا"، وهذا ما يجعلنا نتساءل إن كانت الفكرة الغريبة هذه هي ارتداد من قبل الألمان، وربّما بقية الشعوب الأوروبيّة والأميركيّة المتحضرة، إلى فكرة الحلال، وعدم الوقوع في الزنا، وفق التعاليم الدينيّة!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.