}

إسماعيل فهد إسماعيل:كي لا نكتب "نعياً" إضافياً!

إلياس فركوح 22 ديسمبر 2018
آراء إسماعيل فهد إسماعيل:كي لا نكتب "نعياً" إضافياً!
إسماعيل فهد إسماعيل

تشكّل واقعة الكتابة داخل مجتمع يخلو من كُتّابٍ أصحاب رسوخ حالة مزدوجة تستوجب التأمل:

فهي من جهة تعني "الحرية" – إذ ينطلق كاتبها متخفاً من أيّ إرثٍ أدبيّ يختصّ بالمكان يُلْزمه الحَذَر والمواكبة ـوالحذو. أما إذا توّفر الإرث؛ فلسوف تبقى كتابته سَفَراً "مرتبكاً" بنسبة أو بأخرى، يصبو إلى الأمام ملتفتاً للوراء في الوقت نفسه! يفعلُ هذا دون وعيٍ منه أو بوعي، غير أنه غير قادر على إلغاء مرجعيته المحليّة الحاضرة في كُلٍّ من الذاكرة الشخصية، ورفوف مكتبته الماثلة أمام عينيه، والقرّاء المفترضين في الخارج!

لكنَّ حالة الانطلاق بالكتابة وسط مجتمع لا وجود فيه لمرجعية  خاصة به تراكمت عبر السنين، لا تعني "الانفلات" من المرجعيات الأخرى التي استندَ إليها الكاتب، والتي شكلت فضاءً خصباً تحركَ في مداراته متأثراً بمعطياته، ومصطفاً إلى جِوار أقرانه من كُتّاب في مجتمعات أخرى أوْسَع من مجتمعه، وذات تقاليد ليس أمراً سهلاً التعامل معها بـ"منطق" الانفلات! أو اللعب الأحادي الحُرّ على أرضٍ بلا لاعبين سِواه!

هذا هو إسماعيل فهد إسماعيل، أو هكذا أعاينه من مكاني هنا، ومنذ قراءاتي الأولى له بداية سبعينيات القرن الماضي. ففي ذاك الزمن كنتُ أظنّه عراقياً، وخاصةً في روايته الأولى "كانت السماء زرقاء" (1970)؛ لسببٍ راسخ في ذاكرتي قِوامه "الموضوعة" التي تصدّى لها بالكتابة، ذات البُعد السياسي أو ما يحيل عليه، البعيد تماماً عن الواقع الكويتي كما عرفناه آنذاك.

صحيحٌ أنّ إسماعيل فهد إسماعيل مؤسِسٌ ورائدٌ للسرد المتقدم في الكويت، النوعي والمواكب لكتابات تلك المرحلة، وهذه نقطة تميُّز بلا أدنى شك. لكنها، في الوقت نفسه، تشكلُ في ذاتها حالةً "حَرِجَة"؛ إذ تستدعي من قارئه أن يقارنه مع سِواه من مجايليه العرب ونصوصهم (المرجعيات الأوسَع)، وتحديد موقعه على خريطة أكبر من خارطته الخاصّة. فهو من جهة مؤسسٌ ورائد داخل جغرافيا أدبية هي بمثابة الـ"بِكْر"، ومن جهة أخرى هو امتدادٌ أو "فِرعٌ" من شجرة ليس من الجائز، أو الممكن، قطعه أو بتره ومعاينته منفرداً بنفسه، معزولاً عن بقية فروع تلك الشجرة.

كتب إسماعيل فهد إسماعيل خمسة وعشرين رواية خلال 78 سنة من حياته (1940-2018)، ومجموعتين قصصيتين، وثلاث مسرحيات، وخمس دراسات، إلخ. أي أنه مرَّ بعدة محطّات في رحلة الكتابة المتنوعة ينبغي لكل دارسٍ معاينته من خلالها. عدة محطّات تحتاج كلّ واحدة منها، بسببٍ من اختلاف تجنيسها الأدبي والسياقات الخاصة بتاريخ كتابتها، أن تُفْرَد لها دراسة أو دراسات تُدخلها ضمن النسيج العربي وخرائطه. وإنها، في نظري، لمهمة واجبة لأنها ضرورية من أجل إنصاف كاتب عربيّ "مخضرم" سنكون قد انتقصنا من تجربته إذا حصرناه و"حاصرناه" داخل الدائرة الجغرافية لبلده، غافلين عن الخريطة الأرحب التي ينتمي إليها.

هذه إلماحة سريعة أردتُ منها التحريض على الخروج من دائرة "التوقير" الذي تغلب عليه المغالاة والإطناب، إذا ما رحلَ كاتبٌ أو مفكّر عن عالمنا - إذ نكون عندها، بوعي أو من غير وعي، إنما نقوم بتكريس موته! نكون نكتب "نعياً" إضافياً لراحلٍ واحد! فإعمال العقل النقدي في ما تركه إسماعيل فهد إسماعيل، من خلال دراسات وأبحاث، هو الرد المناسب على موته!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.